Wednesday, August 11, 2021

تونس وظلمات الربيع العربي



إن فهم ما دفع الرئيس التونسي، قيس سعيد، لشن هذه الحرب القاسية ضد الحكومة والبرلمان التابعين لنظامه، هو مفتاح مهم لتقييم ما إذا كانت تونس ستنجو من الزلزال السياسي الذي تمر به حالياً. ليس السؤال الصحيح بشأن تونس هو كون ما يجري الآن على يد رئيس الدولة قيس سعيد هو انقلاب أم حق دستوري. مشكلة تونس أصبحت أكبر وأعمق بكثير من وجود الإسلاميين في السلطة أو استمرار الخلاف بين مفاصل نظام الحكم المكون من ثلاث رئاسات متنافرة ومتناحرة فيما بينها. 


إن ضمان سرعة تعافي الدولة التونسية واستمرارها هو السؤال الأهم على الإطلاق في المرحلة الحالية. لا يقتصر ذلك على ضرورة الإسراع في إنعاش البلاد اقتصادياً أو وضع البلاد على المسار الصحيح نحو بناء الديمقراطية، لكن يجب أن يشمل أيضاً وضع برنامج واضح ومتماسك للقضاء على الفساد وبدء عملية الإصلاح الاقتصادي، وتجنب اندلاع اعمال العنف داخل البلاد أو استغلال التنظيمات الإرهابية لحالة الفوضى السياسية الحالية والنفوذ إلى داخل تونس، على غرار ما حدث في دول الربيع العربي الأخرى. 


ليس سراً أن قطاع كبير من التنظيمات الإرهابية الموجودة على الأراضي الليبية، المجاورة لحدود تونس الشرقية، قامت بتجنيد الكثير من الشباب التونسي المتطرف دينياً في السنوات الماضية. يوم الخميس ٣٠ يوليو، في أول نشرة إعلامية بريدية قام بتوزيعها تنظيم داعش الإرهابي بعد قرارات قيس سعيد مباشرةً، كتب التنظيم الإرهابي صفحة كاملة عن تونس، زعموا فيها أن الإسلاميين في تونس قد أصابتهم اللعنة التي أصابت الإخوان المسلمين في مصر، لأنهم ارتكبوا إثم ترك الشريعة والجهاد من أجل نشر دعوة الإسلام واختاروا طريق الديمقراطية والسلمية، وتوعد التنظيم باستغلال الاضطرابات القائمة في تونس لتمديد نفوذ دولته الإسلامية المزعومة في المنطقة. 


في رسالة مصورة نشرها مكتب الرئاسة التونسية، يوم الأحد الأول من أغسطس، قال الرئيس قيس سعيد أنه لا يسعى لإرساء نظام سلطوي، وأكد أنه "لا يوجد تراجع عن احترام الحقوق والحريات، ولا مجال للتعدي عليها". وأشار بوضوح إلى أنه اختار بمحض إرادته الوقوف إلى جانب الشعب "للحفاظ على وحدة الدولة وحمايتها من الفساد الذي نخر مفاصلها". واختتم سعيد رسالته بالقول: إن شاء الله سننتصر، إنها حرب لكن بلا رصاص ولا دماء، إنها حرب قائمة على القانون، حرب من أجل العدل والحرية".


لم تكن الاحتجاجات الغاضبة الحاشدة التي اندلعت في جميع أنحاء تونس في ذكرى يوم الجمهورية، ٢٥ يوليو، وأدت إلى انتفاضة سعيد استجابة لمطالب الشعب، هي الأولى من حيث الحجم والأسباب. منذ شهر مارس، لم تتوقف المظاهرات في شوارع تونس، مطالبة بمحاسبة النخبة السياسية على الفساد الذي ضاعف معاناتهم مع الفقر والمرض، خاصةً بعد انتشار جائحة فيروس كورونا. 


بحسب إحصائيات حكومية، تضخمت معدلات البطالة من ١٤٪ إلى ١٧.٤٪ في الربع الأخير من عام ٢٠٢٠، نتيجة الانكماش الاقتصادي الذي بلغ معدل قياسي ٨.٢٪ في سبتمبر ٢٠٢٠. وبحسب مسح إحصائي أجراه البنك الدولي بالتعاون مع المعهد الوطني للإحصاء، وهو هيئة حكومية، في عام ٢٠٢٠، بلغ معدل الفقر في تونس ١٥.٢٪، وأفاد ما لا يقل عن ٣٠٪ من الأسر التي شاركت في المسح الإحصائي، بأنهم يخشون نفاد الطعام من بيوتهم، بسبب وباء كورونا الذي زاد من معاناتهم مع ارتفاع معدلات البطالة والتدهور الاقتصادي. يضاف إلى البؤس الذي يعاني منه التونسيون، ارتفاع معدلات حالات الإصابة بفيروس كورونا، بما تجاوز ألفي حالة جديدة يوميًا في منتصف يوليو، مما أجبر الدول المجاورة على إغلاق حدودها مع تونس أو تعليق الرحلات الجوية إليها، لتصبح تونس بمثابة سجن كبير لأهلها.


لذلك، فإن الأولوية القصوى الآن بالنسبة لتونس وجيرانها في شمال إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط كلها، وكذلك المجتمع الدولي، تتمثل في نفض آذانهم من الأكاذيب التي يحاول الإخوان ومن يقفون وراءهم من ترويجها بشأن حقيقة دوافع وأسباب الاضطرابات السياسية في تونس، وحقيقة مقاصد رئيس الدولة قيس سعيد، والتركيز فقد على مساعدة الدولة على التعافي والوقوف على أقدام سياسية قوية فوق أرض اقتصادية صلبة في أسرع وقت ممكن.


في اتصال مباشر مع الرئيس التونسي قيس سعيد، في الأسابيع الماضية، عرض العديد من القادة العربالذين رفض سعيد تسميتهممساعدة تونس على التعافي من كسادها الاقتصادي. لكي يتحقق ذلك، يتطلب الأمر أولاً مساعدة الرئيس قيس سعيد في اجتياز الاضطرابات الحالية وإعادة الدولاب السياسي للعمل مرة أخرى في أقصر وقت ممكن. مع الأسف، من المستبعد كثيراً أن يتمكن سعيد من القيام بذلك قبل نهاية الثلاثين يومًا التي تم فيها تجميد أعمال البرلمان، أي قبل تاريخ ٢٤ أغسطس، ولكن يجب أن يحدث هذا في أقرب وقت ممكن.