Thursday, February 21, 2019

ما علاقة تفجير الأزهر بالتعديلات الدستورية – رداً على بي بي سي عربي

ما علاقة تفجير الأزهر بالتعديلات الدستورية


ما أن وقع التفجير الانتحاري في منطقة الدرب الأحمر ليلة 19 فبراير، بالقرب من المنطقة الأثرية التي تجمع عدة مساجد عريقة مثل الجامع الأزهر والحسين، إلا وأنطلقت المواقع التابعة لجماعة الإخوان المسلمين وقيادات الجماعة على مواقع السوشيال ميديا، في مباراة تحليلية يحاولون من خلالها إثبات أن الدولة المصرية هي من تقوم بهذه التفجيرات من أجل بث الذعر في نفوس المواطنين تمهيداً لتمرير التعديلات الدستورية. 

المؤسف في الأمر، أن مثل هذه الترهات لم تتوقف إلى حد السوشيال ميديا، بل نقلتها عنهم مواقع إخبارية دولية مثل بي بي سي عربي التي نشرت مقالاً يثير الضحك من شدة تفاهة محتواه واعتماده على نظرية المؤامرة، بعنوان "ما علاقة تفجير الأزهر بالتعديلات الدستورية" وكأن الموقع أبى أن ينشر الخبر دون أن يستغله في ضرب مصداقية القيادة السياسية في مصر بأي شكل. 

وقد تجاهلت بي بي سي في طرحها المعيب أن ضحايا التفجير الانتحاري هم ثلاثة من رجال الشرطة وست جرحى من مواطنين عاديين ساقهم قدرهم للتواجد في نفس مكان الواقعة بالصدفة، ولا أخفيكم سراً أن أغلى إنسان عندي في هذا الكون كان بالصدفة متواجداً بهدف التنزه في محيط هذا المكان على بعد امتار قليلة ودقائق معدودة من الحادث الإرهابي في تلك الليلة، وبلطف من الله لم يناله سوء، وما زلنا حتى اللحظة في حالة ذعر مما كان سيحدث لو كان قد تعرض للأذى في تلك الليلة. 

في اليوم التالي للواقعة استوقفني أحد عمال تنظيم السيارات أمام النادي الذي اتردد عليه وسألني أليس غريباً أن عمرو أديب يتوقع حدوث التفجيرات؟ وعندما سألته ما معنى هذا الكلام، قال لي أن الدولة هي من تقوم بهذه التفجيرات، ولولا أني أعلم أن هذا العامل إسلاموي الهوى وليس الانتماء، لكنت انفجرت في وجهه، لكن كيف ألومه على بساطة تفكيره وانسياقه وراء نظريات المؤامرة، وبي بي سي بجلالة قدرها تردد هذه التفاهات وتفرد لها صفحات كاملة للاستشهاد والتحليل على موقعها!

ورداً على بي بي سي أقول، ما من عاقل يمكنه تخيل أن الدولة المصرية تقتل ابناءها من أجل أغراض سياسية ما، سواء كانوا من رجال الشرطة أو الجيش أو مواطنين عاديين، وليس منطقياً أن الرئيس السيسي الذي بنيت أغلب شعبيته على قدرته على استعادة الأمن والاستقرار للبلاد في وقت قياسي وانقاذها من براثن الإرهابيين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وغيرها، سيستخدم الإرهاب الآن كوسيلة لفرض واقع سياسي ما، كما أن التعديلات الدستورية ليست في يد رالرئيس الآن، هي في يد البرلمان، وما زالت قيد المناقشة والتحليل، ولم يبدي رئيس الجمهورية حتى هذه اللحظة أي موقف ولا بالإيجاب أو السلب تجاهها. 

والأهم من هذا وذاك، كيف تجاهلت بي بي سي تصريحات وبيانات قيادات جماعة الإخوان الهاربين في الخارج والتي تحمل تحريضاً صريحاً لعناصرهم في داخل مصر بالقيام بعمل تفجيرات وارتكاب أعمال انتحارية بهدف قتل أكبر عدد ممكن من الناس لإرباك الدولة، لماذا لا تنشر بي بي سي عربي تحقيقاً بعنوان "ما علاقة تفجير الأزهر بتحريض قيادات الإخوان" ولو من باب الحفاظ على ما تبقى من مصداقيتها، هذا إن تبقى منها شيء! 

Saturday, February 16, 2019

رداً على كلمة آن باترسون بشأن الجيش المصري


شاهدت كلمة آن باترسون، السفيرة الأمريكية السابقة لمصر، في فترة ما بعد ثورة يناير وتمكين الإخوان من الحكم، والتي أدعت فيها - ظلماً وبهتاناً - أن الجيش المصري هو جيش إنقلابات مهووس بالسيطرة على السلطة حتى أنه هو من أطاح بمبارك وأطاح بمرسي وسوف يطيح بالسيسي أيضاً... وهذا ردي:

- الولايات المتحدة، من أول الرئيس للبنتاجون للخارجية وحتى الكونجرس، لم تجروء على أن توجه للجيش المصري هذه الاتهامات، أو أن تصفه بهذه الصفات، فمن أين للسيدة آن باترسون بهذه الإدعاءات الغريبة والمغرضة ضد جيش هي تعلم جيداً حجم ارتباطه بالشعب وحجم ارتباط الشعب به؟

- ثورة يناير وثورة يونيو هما ثورات شعبية خالصة، دعمها الجيش المصري ووقف إلى جانب الشعب حتى النهاية، دون تردد، من منطلق إنحيازه المطلق لدعم إرادة الشعب، والشعب فقط. وكان على رأس الجيش في المرتين الرئيس السيسي (مرة كرئيس مخابرات حربية في 2011 ومرة كوزير دفاع في 2013). وهذه حقيقة تاريخية.

- هناك فرق ضخم بين أن يقوم الجيش بالإطاحة برئيس دولة كما تدعي السيدة باترسون، وبين أن ينحاز الجيش لصف الشعب ويعينه على تحقيق إرادته، عندنا في مصر الجيش والشعب شيء واحد، كيان واحد، نسيج واحد، ومصالح واحدة.

- لولا الجيش المصري وتدخله في الوقت المناسب للحفاظ على أمن مصر وضبط إيقاع التفاعلات السياسية المضطربة بها، لكانت مصر اليوم نسخة مكررة من دول الربيع العربي التي هرب منها أهلها بعد أن أكل الإرهاب الاخضر واليابس فيها. لكن حاشا أن تكون مصر هكذا في يوم ما وبها خير أجناد الأرض.

- جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة مجرمين، ودور باترسون في تمكينهم من حكم مصر كان مشاركة في جرائمهم
- الرئيس السيسي هو رئيس منتخب بإرادة شعبية حرة، والمصريون يحبون ويقدسون جيشهم، وعلى العالم كله - بما فيه آن باترسون - أن يحترم ذلك.

Wednesday, February 13, 2019

شرعية تعديل الدستور وأثرها على الدولة الديمقراطية الليبرالية - المقال الثاني

تعديل الدستور مصر


هذا هو المقال الثاني في سلسلة المقالات التي نخصصها لمناقشة التعديلات المقترحة على الدستور المصري، وقد تناولت في مقالي السابق تباين ردود الأفعال بين المواطنين على طرح البرلمان المصري لفكرة تعديل الدستور بين معارض على الإطلاق ومؤيد بشكل كامل ومترقب بحذر، والطريف أن مواقف المواطنين المتباينة حول الدستور تتمحور بشكل أساسي حول موقفهم من الرئيس السيسي أكثر مما تتعلق بالدستور نفسه أو التعديلات المقترحة عليه. 


في هذا المقال سوف أتناول شرعية فكرة تعديل الدستور في حد ذاتها، وإلى أي مدى قد تؤدي عملية تعديل الدستور إلى دعم التطور الديمقراطي في مصر، ولن أفعل مثلما فعل غيري وأكرر عليكم أسماء دول في أوروبا قامت بتعديل دستورها عشرات المرات على مدار تاريخها، ولن أتحدث عن جبروت أردوغان في تركيا وتعديله للدستور لزيادة صلاحياته مقابل صلاحيات البرلمان، فأنا أرى أن المقارنة هنا ظالمة لأبعد حد، فمصر ليست دولة أوروبية، والرئيس السيسي أرفع وأسمى من أن يقارن بهذا الأردوغان. 

أولاً، علينا أن نعترف بأن الدول الأوروبية التي يقارنون دستور مصر بدستورها الآن هي دول طاعنة في الديمقراطية، مستقرة أمنياً وسياسياً، وأن أغلب الدساتير الحاكمة في هذه الدول لا يحتوي إلا على عدد محدود جداً من المباديء العليا التي تنظم حالة الحقوق والحريات في هذه البلاد وتقر بالتزام النظام الحاكم بها، على عكس دستور مصر الحالي والذي يضم 247 بنداً، وهو عدد مهول، نظراً لأن اللجنة التي وضعت الدستور كانت حريصة بشكل مبالغ فيه على تناول كل تفصيلة سياسية واجتماعية وحقوقية، وقد أثبت التطبيق العملي فيما بعد أن هذا التفصيل المبالغ فيه لنصوص الدستور قد قيد عمل المشرعين في البرلمان إلى حد كبير أثناء صياغة القوانين المختلفة. 

ولا يخفى على أحد أن أغلب الدول الأوروبية التي يشيرون إليها في المقارنة مع مصر، قد مرت هي الأخرى بثورات وحروب ومراحل انتقالية تشبه تلك التي مرت بها مصر بعد ثورة يناير، لكن أي من هذه الدول لم يكتب دستوره في وسط المرحلة الانتقالية مثلما فعلنا نحن على عجلة من أمرنا، بل إن هذه الدول استغرقت عشرات السنوات لتستقر في الشكل الديمقراطي التي نراها عليه الآن، الولايات المتحدة الأمريكية، رائدة المذهب الديمقراطي الليبرالي في العالم، غاصت ما يقرب من المائة عام في حروب أهلية ضارية قبل أن تستقر في النهاية على كتابة دستور وبناء دولتها الديمقراطية الليبرالية المستقرة التي نراها اليوم. 

كما أن المدقق في السياسة الداخلية لكل دولة من هذه الدول، ويتابع تفاصيل توزيع نظام الحكم بين مؤسساتها وطرق تداول السلطة وحاكمية الدستور في كل منها، سيكتشف أن لكل منها نظامها الخاص، ولم تتفق جميعها على شكل واحد أمثل لإدارة الحياة السياسية فيها بطريقة "مقاس واحد يناسب الجميع"، فنجد أن بعض هذه الدول يطب النظام الرئاسي في إدارة شئون الحكم، بينما بعضها يعتمد على النظام البرلماني، وبعضها الآخر تحكمها هيئة استشارية، وبعضها ما زال يحتفظ بالنظام الملكي مع إعطاء صلاحيات أوسع لرئيس الوزراء، إلى أخره.  

أي أن كل دولة من الدول الديمقراطية الليبرالية في العالم اليوم، قد صمم نظامه السياسي الخاص على مدار سنوات من الإخفاق والإصلاح، حتى استقروا في النهاية على شكل لنظام الحكم يضمن تحقيق المناخ السياسي الملائم للمواطنين لممارسة حقوقهم المدنية والسياسية في إطار حياة آدمية كريمة، وهذا بالضبط هو ما نسميه الديمقراطية الليبرالية، أي الديمقراطية التي تتجاوز حدود صندوق الانتخابات، ولا تأخذه معياراً على التقدم السياسي أو الاجتماعي، بل تهتم أساساً بتوفير الحقوق والحريات للمواطنين بغض النظر عن النظام السياسي الذي تختاره الدولة وفقاً لإرثها الثقافي والتاريخي وتعقيداتها الاجتماعية والسياسية. 

ومن أبرز ملامح الدولة الديمقراطية الليبرالية في إطار هذا التعريف، أن تكون لها ثلاثة أركان، أولها دستور حاكم يمثل السيادة المطلقة للقانون على الجميع، وثانيها مؤسسات فاعلة ذات أدوار متكاملة لا متداخلة، وثالثها مجتمع مدني قوي بشقيه الخيري والحقوقي، ويكون دور الدستور هو إقرار المباديء العليا التي تضمن الحقوق والحريات ويكون بمثابة المرجع الذي يعود إليه كل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والمواطن العادي في إدارة تفاصيل التفاعلات السياسية والاجتماعية فيما بينهم. 

ولكي يتمكن جميع الأطراف من الالتزام بمبادئ الدستور والاحتكام إليه، يجب أن يتمتع هذا الحاكم الأعلى – أي الدستور – بدرجة من المرونة تيسر على الجميع الاحتكام إلى مبادئه والالتزام بها والسعي لتنفيذها، ومن ملامح هذه المرونة أن يسهل تعديل الدستور وفقاً لتغير الظروف السياسية في البلاد بما يضمن مزيد من الحقوق والحريات والتطور باتجاه الدولة الديمقراطية. 

ومن ملامح المرونة أيضاً عدم تناول الدستور لأدق أدق التفاصيل واعتماده على المبادئ العليا في ضمان الحقوق والحريات وشكل الدولة، ومن ملامح المرونة أيضاً أن لا يضم الدستور نصاً كتلك المادة الموجودة في دستورنا الحالي (مادة 226) التي تحرم إجراء أي تعديل على الدستور، حيث أن هذا الجمود في حد ذاته هو ضد مبدأ الدولة الديمقراطية أصلاً، فالممارسة الديمقراطية متغير دائم، السياسة نفسها متغير دائم، ولا يمكن إدارة مناخ سياسي سليم تحت دستور عصي على التعديل أو التكيف مع المتغيرات. 

نحن في مصر، ما زلنا نرسم ملامح النظام السياسي الأكثر ملائمة لطبيعة وتاريخ وتعقيدات الدولة المصرية، ومن بين ذلك قد نضطر للدخول في إجراءات مثل عمل تعديلات دستورية من وقت لأخر حتى نصل لحالة الاستقرار السياسي النهائي التي وصلت لها دول أخرى، فعملية بناء دولة ديمقراطية هي عملية متواصلة ومستمرة ولن تنقضي بين يوم وليلة أو بمجرد كتابة نص دستوري أو إجراء انتخابات بين حين وأخر، كل هذه مجرد خطوات صغيرة في اتجاه الهدف الأسمى وهو أن تكون مصر وطن يتمتع فيه المواطن بحقوقه وحرياته. 

ولنا في مسألة التعديلات الدستورية مقالات أخرى سيتم نشرها تباعاً في الأسابيع القادمة إن شاء الله. 

Thursday, February 07, 2019

في مسألة التعديلات الدستورية بين مؤيد ومعارض ومترقب - المقال الأول



ما لبث البرلمان المصري أن أعلن عن موافقة لجنته العامة على تعديل بعض مواد الدستور إلا وانقسم الناس بين مؤيد بالكامل ومعارض على الإطلاق ومترقب بخوف وحذر، ولكل فئة مبرراتها ومنطقها. وسوف أحاول في هذه السلسلة من المقالات، والتي سيتم نشرها في نفس الموعد من كل أسبوع، تناول المسألة من كل أبعادها للوقوف على حقيقة إذا ما كانت هذه التعديلات تصب بالفعل في مصلحة بناء مستقبل أكثر استقراراً للدولة الديمقراطية الليبرالية التي نسعى إليها وبدأنا بالفعل نرى بوادرها في العامين الماضيين. وسأبدأ هذه السلسلة من المقالات الخاصة بالتعديلات الدستورية بتناول مواقف الثلاثة فئات سالفة الذكر ورد فعلهم على فكرة تعديل الدستور في حد ذاتها. 

أما الفئة الأولى، فئة المؤيد بالكامل، فأغلبها من مصريين عاديين عانوا طويلاً من ويلات الصراع السياسي على السلطة عقب ثورة يناير، وأصطدموا بفاجعة تولي جماعة الإخوان المسلمين حكم مصر، بالرغم من تاريخها الإجرامي في حق الوطن والدين، ثم شاركوا في ثورة 30 يونيو ضد الإخوان، وعرضوا حياتهم للخطر في مقاومة الانتقام الدموي للإخوان، وقد شهدوا بأعينهم الدور البطولي للجيش والشرطة في حماية الشعب من براثن الإخوان عقب 2013. 

كان بطل هذه المرحلة الصعبة هو الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي وهب نفسه تماماً لقضية الحفاظ على استقرار مصر، وأثبت بالفعل انحيازه المطلق لشعب مصر وإرادته، المرة الأولى في يناير 2011 حين كان رئيساً للمخابرات الحربية، والثانية في يونيو 2013 حين كان وزيراً للدفاع، والثالثة عقب توليه الرئاسة في 2014 حيث قاد نهضة تنموية غير مسبوقة في تاريخنا الحديث، مصحوبة باستقرار أمني كان يظنه المصريون مستحيلاً وسط منطقة ما زالت نيران الربيع العربي تشتعل في أرجائها. 

بالنسبة لهذه الفئة فإن الموافقة المطلقة على التعديلات الدستورية هي في نظرهم موافقة مطلقة على استمرار الرئيس السيسي في الحكم لأكبر فترة ممكنة، بما يعني ضمان بقاء هذه الحالة من الاستقرار والتنمية لأطول فترة ممكنة، ولا يمكن لمخلوق أن يلوم مواطن على رغبته في العيش في وطن آمن ومستقر ويسعى للتطور، فما نفع المواطن بالديمقراطية لو أنها جلبت عليه الفوضى أو عدم الاستقرار وفتحت باب الصراعات السياسية من جديد، على يد نخبة سياسية عقيمة التفكير ومحدودة الرؤية لا تمتلك سوى معاول للهدم وتترفع عن المشاركة في أي عملية بناء حقيقية للدولة.

أما الفئة الثانية، المعارضون لمسألة تعديل الدستور بشكل مطلق، فهم أنفسهم نفس التكتلات والأفراد الذين وصفوا هذا الدستور بعد إقراره في 2014 بأنه دستور معيب وأنه تم تفصيله على مقاس الرئيس السيسي ولأجله، ولا أعرف كيف ينصب هؤلاء أنفسهم كمدافعين عن الديمقراطية في مصر بينما هم برفضهم للتعديلات الدستورية يرفضون منح مزيد من الحقوق المدنية والسياسية والامتيازات غير المسبوقة للمرأة والشباب والاقباط، فضلاً على تعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، والذي كان مطلباً أساسياً من مطالب ثورة يناير. 

لكن، حصرت هذه الفئة التعديلات الدستورية فقط في مسألة زيادة عدد سنوات كل فترة رئاسية من أربع إلى ست سنوات، على الرغم من أن هذا المقترح هو مقترح وحيد ضمن أكثر من خمسة عشر مقترح أخر، وغرضهم من ذلك الاستمرار في تصوير مصر للعالم على أنها دولة "فرعون الديكتاتورية الظالمة"، لأن لهم في انتشار هذه الإكذوبة والإصرار على تكرارها مصالح تدعم بقاؤهم منعمين في الدول التي تستضيفهم بعد هروبهم من مصر، أو حتى تحقق لهم مآربهم في إسقاط الرئيس السيسي أو على الأقل تشويه صورته كجزء من انتقامهم المؤجل لصالح جماعة الإخوان المسلمين التي يدعمونها أو ينتمون إليها. 

ووالله لو كان فرعون نفسه حياً لما استطاع أن يحول مصر إلى دولة ديكتاتورية بعد أن قام هذا الشعب بثورتين مهيبتين أولها ضد ثلاثين عاماً من ديكتاتورية مبارك، والثانية ضد ثمانين عاماً من ثيوقراطية الإخوان المسلمين وأحلام الخلافة التي قضوا في بناءها عقوداً، كيف يتصور عاقل أن هذا الشعب ساذج أو مغيب أو لا يعرف ما يريد. وبأي حق يعينون أنفسهم متحدثين باسم هذا الشعب، ويستخدمون حجة الديمقراطية كمسمار جحا للتحدث باسمه في مسألة معارضة تعديل الدستور من عدمه؟

أما الفئة الثالثة، هؤلاء المترقبون بحذر، فأغلبهم من الشباب الحالمين بدولة ديمقراطية حرة، الخائفين على ضياع كل ما تحقق من مكاسب في اتجاه بناء الدولة المصرية بعد ثورة يناير، هم الحائرون الذين تغلب عليهم المثالية إلى درجة السذاجة أحياناً، فتجدهم يقدسون الدستور كأحد المعايير الأساسية التي يقيسون بها التقدم الديمقراطي للدولة، ويظنون أن أي تغيير قد يطرأ عليه هو كسر لهيبة القانون وتهديد للتطور الديمقراطي، وهذا الخوف في أغلبه هو نتاج تراكم خبرات سابقة سيئة تعرض لها هؤلاء الشباب أثناء فترة حكم مبارك، بالرغم من ثقتهم المطلقة في نزاهة الرئيس السيسي وحسن قيادته للبلاد، وأن منصب الرئيس بالنسبة له ليس غاية بل مجرد وسيلة للعبور بمصر إلى المستقبل. 

نفس حالة الخوف تلك أصابت هذه الفئة أثناء الإعلان عن عودة تطبيق حالة الطوارئ قبل بضعة سنوات، وظنوا أن الرئيس السيسي يمهد لممارسات قمعية تشبه تلك التي رأينها في العقد الأخير من عهد مبارك، لكن لم يحدث ذلك، بل وتنازل الرئيس عن الصلاحيات التي يمنحها له قانون الطوارئ لصالح رئيس الوزراء، ليبعد بنفسه تماماً عن أي شبهة استغلال لهذا القانون لصالحه أو لصالح المنصب الذي يشغله.  

ولنا في مسألة التعديلات الدستورية مقالات لاحقة ستنشر في نفس التوقيت الأسابيع القادمة إن شاء الله.