Sunday, November 27, 2016

الجيش والشعب يد واحدة

Military and people Egypt revolution


تربيت على يد رجل من خير أجناد الأرض، أبي رحمه الله كان ضابطاً بالقوات المسلحة، كنت استمتع كثيراً وأنا أساعده نهاية كل أسبوع في توضيب زيه الرسمي وتجهيزه للأسبوع الجديد، كنت أنتظر القصص التي يعود بها إلينا من مهامه التي كانت تجبره أن يغيب عنا لأسابيع طويلة للخدمة في صحراء ما أو محافظة نائية لم نسمع عنها من قبل، ورغم كل ما كان يلاقيه من تعب كان سعيداً وفخوراً بما يفعله، أذكر جيداً ذلك اليوم الذي عاد فيه أبي من السلوم بسلحفاة وجدها شاردة في الصحراء بجوار كتيبته فأشفق عليها، ومن سخرية القدر أن هذه السلحفاة قد عاشت في بيتنا أطول مما عاش هو. 

مات أبي وكبرت أنا، فاخترت دراسة العلاقات المدنية العسكرية لعلي أجد فيها ما يقربني منه، قبلوني في واحدة من أكبر الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية، وقدمت رسالة الماجستير حول علاقة الجيش والشعب في مصر في أوقات الأزمات، وأدرس حالياً لدرجة الدكتوراة في بحث كيف نجت مصر وتونس من مقصلة الثورة بسبب وحدة الجيش والشعب، بينما انهارت سوريا وليبيا بسبب إنفصام الجيش عن الشعب.

وطوال الخمس سنوات الماضية، كان دائماً ما يواجهني المتخصصون وغير المتخصصين بنفس السؤال: "ما السر الذي جعل الجيش المصري ينحاز للمصريين في ثورة يناير؟ ولماذا لا يرى المصريون في استقلالية الجيش المادية والسلطوية وتدخله في شئون الحياة العامة إنتهاك للديمقراطية والحرية التي ثاروا من أجلها في ثورة يناير؟"  

بُنيَت مثل هذه الأستفسارات والافتراضات على نظرية شائعة جداً في الغرب تقول بأنه كلما زادت درجة الديمقراطية في أي دولة كلما انحصر دور الجيش في الحياة العامة، تلك النظرية التي كشف زيفها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما في خطابه الأخير، قبل بضعة أيام فقط، والذي قال فيه بمنتهى الوضوح أن قوة أمريكا من قوة جيشها الذي ينوب عنها في لعب أدوار دبلوماسية وسياسية مع الدول الأخرى. 

كانت ولا تزال إجابتي على هذه الأسئلة دائماً بعبارة واحدة بليغة أؤمن بها تماماً وهي "الجيش والشعب يد واحدة". لم يكن ذلك مجرد هتاف أعلن شهادة ميلاد جديدة لمصر يوم ظننا أن النهاية قد حانت، ليلة 28 يناير 2011، بل كان إعلان لعقيدة يؤمن بها المصريون جيشاً وشعباً. "الجيش والشعب يد واحدة" هي حقيقة واقعة يشهد بها التاريخ، وليست وليدة ثورة يناير أو ما بعدها فقط، الجيش والشعب خيطان في نفس النسيج الوطني الواحد، والسبب هو أن كل أسرة مصرية بها ضابط أو مجند، السبب هو التجنيد الإلزامي الذي تهكمت عليه الجزيرة في فيلم ساذج يشهد للعسكرية المصرية بتفردها وقوتها وليس العكس. 

كان بديهياً أن تخرج علينا الجزيرة بهذا الفيلم الساذج كحلقة من حلقات هجومها المستمر على جيش مصر خصوصاً بعد أن صرح الرئيس السيسي قبل عرض الفيلم بيومين فقط أنه لا يحترم ولا يدعم إلا الجيوش الوطنية، في إشارة إلى موقف مصر مما يجري في سوريا على عكس هوى حكام قطر، وكان بديهياً أن تهاجم قطر التجنيد الإجباري، لأنها أصلاً ليس لديها شباب لتجندهم، قطر تشتري الجنود من الدول الفقيرة في أسيا وأفريقيا. 

لكن ما لم يكن متوقعاً أبداً هو تلك الملحمة التي قادها الشعب المصري على السوشيال ميديا في حب وتقديس جيش مصر، ولم يفعل ذلك الكبار الذين عاصروا الحروب التي خاضتها مصر في منتصف القرن الماضي، بل من قاد هذه الحملة هم شباب لطالما حاول المغرضون أن يفرقوا بينهم وبين جيشهم تحت قناع الديمقراطية، والديمقراطية منهم براء. 

انحاز الشعب للجيش تماماً مثلما سبق وانحاز الجيش للشعب ليثبت للعالم صحة نظرية أن الجيش والشعب ليس فقط يد واحدة، بل على قلب رجل واحد. اللهم أدمها علينا نعمة.  

Sunday, November 20, 2016

خطة الإخوان للبقاء بعد وصول ترامب للحكم

Muslim Brotherhood under Trump

بات الحديث عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية أمر أقرب للتحقق، وهو الأمر الذي لم نتخيل أنا وزملائي في "الحملة الشعبية لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" أنه سيتحقق في غضون تلك الفترة القصيرة لولا فوز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة أمريكا.

فقد أنطلقت "الحملة الشعبية لإدارج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" في أغسطس 2013 عقب فض أوكار الإخوان في رابعة والنهضة، كمحاولة لصد الأكاذيب التي راح الإخوان يروجونها في العالم عن كونهم معارضة سياسية مسالمة وأن الجيش والشرطة قتلوا منهم أبرياء وبلا وجه حق.

وثقنا عبر الثلاث سنوات الماضية ما يزيد على ثلاثة ألاف جريمة أرتكبتها جماعة الإخوان بشكل مباشر، ما بين قتل أبرياء وحرق منازل وكنائس وأقسام شرطة ومنشآت عامة وخاصة وتخريب متعمد وترويع آمنين. 

ودعمنا كل حادث بوثائق رسمية وصور وفيديوهات تجعل من الصعب تكذيبها. ثم ترجمنا الوثائق التي تضم جرائم الإخوان في مصر وحملناها إلى صناع القرار في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وهي الدولة الأهم على الإطلاق. 

فقد كنا نعلم أن بريطانيا أقصى ما تستطيع فعله هو فتح تحقيقات في شرعية نشاط الإخوان على أراضيها، وأن ألمانيا أقصى ما استطاعت فعله هو وضعهم تحت مراقبة هيئة الشورى، أما أمريكا فلديها قوائم تصدرها بشكل دوري عن التنظيمات الإرهابية في العالم، وأننا لو نجحنا في إدراج الإخوان على تلك القوائم، سنحقق ضربة قاسمة للتنظيم الدولي للإخوان، لن يفيقوا منه ربما للأبد، لأن هذا التصنيف سيترتب عليه تجميد كل أنشطتهم المعلنة والمقنّعة، وبالتالي تجفيف منابع تمويلهم للتحركات التي تهدد الأمن القومي في مصر. 

وبمجرد أن وصلنا إلى صناع القرار في أمريكا وبدأنا في طرق الأبواب، وجدنا استجابة قوية داخل الكونجرس وبعض مراكز الأبحاث الكبرى ومنظمات المجتمع المدني، تبعها استجابة أقوى من مواطنين عاديين ونشطاء ومنظمات مدنية ترى في الإخوان نفس التهديد الذي نراه نحن على أمنهم القومي أيضاً، وانضموا لحملتنا وأمدونا ببيانات وتحقيقات من مكتب التحقيقات الفيدرالية ووثائق من المحاكم الأمريكية تثبت تورط جماعة الإخوان ورموزها في أمريكا في دعم والتخطيط لأنشطة تخريب داخل أمريكا وخارجها، فضلاً عن دعمها المالي والمعنوي لتنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط، وكانت هذه الوثائق خير داعم لنا في حملتنا لإقناع إدارة أوباما بضرورة وضع الإخوان على قوائم الإرهاب. 

ورغم مماطلة الإدارة الأمريكية، كانت الاستجابة من الكونجرس الذي كان أغلبه من الجمهوريين مبهرة، فقد أضطرت اللجنة القضائية بالكونجرس بعد تقديم 49 مشروع قانون لإدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية الدولية، إلى إصدار توصية للإدارة الأمريكية في شهر أبريل الماضي بضرورة اتخاذ اللازم بهذا الشأن في خلال ستين يوماً، وهذا معناه أن إدارة أوباما كانت مضطرة إما أن ترد برد قاطع ومقنع تشرح فيه أسباب عدم إقدامها على تنفيذ هذه الخطوة، أو تنصاع صاغرة لرغبة الكونجرس وتعلن الإخوان كتنظيم إرهابي. لكن كما كان متوقعاً ماطلت إدارة أوباما من جديد بحجة الاستعداد للانتخابات الرئاسية. 

وعلى عكس كل التوقعات، لم تأتي نتيجة الانتخابات بالسيدة هيلاري كلينتون التي ساندت الإخوان خلال سنوات الربيع العربي، ولكن أتت الانتخابات برجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب الذي يضع ضرورة إعلان الإخوان كتنظيم إرهابي على قمة أولوياته، ومن يومها يعيش التنظيم الدولي للإخوان الكابوس الأكبر في تاريخه، فقد أصبحوا مهددين بالفناء، وليس لهم ملاذ آخر يلجأون إليه، لا فوق الأرض ولا تحت الأرض، ولا حتى يوم العرض أمام الله الذي كذبوا وتاجروا باسمه لتحقيق طموحاتهم السياسية. 

لكن كعادتها، ما زالت جماعة الإخوان الإرهابية تعافر من أجل البقاء، لكن ليس بـ"التوجه إلى الله" حسبما دعى وليد حشمت في أول رد فعل على فوز ترامب، ولكن بالكذب والتحايل وتزييف الحقائق مجدداً، وقد بدأت الجماعة الإرهابية بالفعل في تنفيذ خطة النجاة، على ثلاثة محاور: 

المحور الأول، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام التنظيم الإرهابي للإخوان في أمريكا، والذي يتمثل في شبكة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والخيرية، بإعادة نشر أكذوبة الإسلاموفوبيا، والتي تعني أن الأمريكين يضطهدون المسلمين ويعتدون عليهم بناءاً على دينهم أو طريقة ملبسهم، وهو أمر أجزم أنه غير موجود داخل المجتمع الأمريكي، وأنا هنا أتحدث كإمرأة محجبة عاشت في تلك البلاد سنوات، ربما واجهت هذا التعصب في حدود ضيقة جداً في بعض الدول الأوروبية، لكن في أمريكا الأمر مختلف، فالتنوع الشديد داخل هذا المجتمع يجعله في أغلبه متسامح مع كل شيء، بغض النظر عن عنصرية البعض.

المحور الثاني، داخل الولايات المتحدة أيضاً، ويتمثل في قيام المنظمات المدنية التابعة لشبكة الإخوان بالسعي لعمل شراكات مع منظمات يهودية أمريكية كبرى، بحيث تغسل كل ماضيها القذر بإدعاء أنها منظمات سلمية تسعى لنشر التسامح، ويهمها وحدة وتماسك المجتمع الأمريكي، وظناً منهم أيضاً أن تقوم هذه المنظمات اليهودية التي أحدثوا شراكة معها بالدفاع عنهم في حالة وضعهم ترامب تحت مفرمته عما قريب، وأحدث أشكال هذا التعاون قد تمت قبل أيام بين منظمة إسنا الإخوانية الشهيرة، واللجنة اليهودية الأمريكية واحدة من أقدم المؤسسات في أمريكا وأشهرها.

المحور الثالث، في مصر، حيث أعلنت جماعة الإخوان وبشكل صريح وعلى لسان أكبر قياداتها برغبتها في المصالحة مع مصر، وبهذا تكون ضمنت لنفسها مكان يعودون إليه بعد أن ضاقت بهم الأرض، لكن هيهات أن يقبل الشعب المصري بالمصالحة مع إخوان الدم ومنحهم قبلة الحياة بعد أن طعنوا مصر بخناجرهم الباردة لأعوام، حتى أسقطوها ورقصوا فوق جثتها طيلة عام. 

وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، علينا أن نمارس الحذر الشديد من تحركات الإخوان الإعلامية أو السياسية في الفترة القادمة، وعلينا أيضاً أن نستعد لكل السيناريوهات المحتملة، العنيفة أو غير العنيفة،  إما داخل مصر أو في أمريكا، في أعقاب تنفيذ ترامب وعده بإعلانهم ضمن التصنيفات الإرهابية العالمية. 


Sunday, November 13, 2016

ثلاثة تحركات تستطيع بها مصر إنجاح ترامب رئيس أمريكا الجديد


كان أسبوعاً حافلاً ذلك الذي بدأ بقرارات إصلاح اقتصادي جريئة وضعت مصر على أول طريق التنمية الحقيقية بعد طول انتظار، وانتهى بموافقة البنك الدولي على إقراض مصر 12 مليار دولار، وما يمثله ذلك من دعم المجتمع الدولي، الذي طال انتظاره أيضاً، لرؤية وسياسات صانع القرار في مصر. 

لكن ما بين هذا وذاك، وقع العالم في حالة من الاضطراب لا أظن أنها ستزول قريباً، ويجب علينا أن نستعد لعواقبها، بما يجنبنا أثارها السلبية على مستقبلنا الاقتصادي والسياسي. لكن كيف؟ 

جاءت نتيجة الانتخابات الأمريكية بما لم يتوقعه أحد، فقد أصبح دونالد ترامب بين عشية وضحاها، أقوى رجل في العالم، والمتحكم في مصير شعوب الأرض لأربع سنوات قادمة على الأقل، ويبدو أننا لم نكن وحدنا المتفاجئين بهذه النتيجة، فحتى الأمريكيين أنفسهم المؤيد لترامب والمؤيد لهيلاري على حد سواء، أصابتهم نفس المفاجأة. 

وبينما أنصرف أنصار ترامب ليحتفلوا باعتبار أن الأمر قد حُسم ولا رجعة فيه، خرج أنصار كلينتون في مظاهرات بالآلاف في المدن الرئيسية، وقاموا بجمع ملايين التوقيعات على استمارة تطالب بسحب الثقة من أعضاء المجمع الانتخابي في 19 ديمسبر، ومن ثم إعادة التصويت وفقاً للدستور.  

وما زالت موجات التظاهر مستمرة منذ خمسة أيام، حتى يوم كتابة هذا المقال، وسقط واحد من المتظاهرين قتيلاً أول أمس في مواجهات مع الشرطة، وهو أمر ينذر بمزيد من الاشتعال والغضب والتصعيد، حتى أن بعض مراكز الأبحاث الكبيرة في واشنطن بدأت تتكهن بانطلاق ما أسموه "الثورة البنفسجية" في أمريكا على غرار ثورات الربيع العربي وشرق أوروبا. 

بُنيت المظاهرات ضد ترامب على كرة الغضب المتعاظمة التي خلفتها تصريحاته العنصرية في نفوس الأقليات والمهاجرين، مع العلم أن أمريكا هي في الأساس مجتمع مهاجرين، ونسبة ما فيه من أقليات عرقية ودينية كبير عدداً ونوعاً، حتى فئة "الرجل الأبيض" التي تسمي نفسها "الأمريكيين" وينتمي لها ترامب، هم في الأصل مهاجرون من بريطانيا وبعض الدول الأوروبية القديمة قبل ستمائة عام. 

أضف إلى ذلك غضب النسبة الكبيرة من الشباب الذين يؤيدون الأفكار التقدمية التي يرفضها ترامب وحزبه مثل حرية زواج المثليين والإجهاض، والذين يميلون أكثر للحزب الديمقراطي الذي يغازلهم بحلو الكلام عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية التي تحمل أمريكا لواء نشرها في ربوع العالم.   

في اتحاد كل هؤلاء معاً قوة، لا يجب أن يستهين بها ترامب وأنصاره، خصوصاً لو أن تحركاتهم تلك تمولها منظمات حقوقية كبرى وتباركها أجهزة مهمة داخل الإدارة الأمريكية، حتى أنهم أعادوا فتح قضية تزوير كانت مرفوعة ضده عام 2010، والمفترض أن يمثل ترامب أمام المحكمة نهاية هذا الشهر للدفاع عن نفسه فيها، وهي سابقة لم تحدث لأي رئيس منتخب قبله، ومؤشر خطير على أن هناك أصحاب نفوذ داخل الإدارة الأمريكية لا يرغبون في وجوده، وبالتالي سيحاولون بشتى الطرق عدم تمكينه.  

حتى لو مر الشهران القادمان بسلام، وتم تنصيب ترامب بشكل رسمي في يناير، فأتوقع أن يعاني ترامب كثيراً في الأربعة سنوات القادمة، بسبب عدم تعاون أجهزة الدولة معه، وربما لن يستطيع ممارسة كل صلاحياته بالشكل الذي يريد. أي أنها ستكون أربع سنوات من الجحيم بالنسبة له، وربما بالنسبة لنا في الشرق الأوسط أيضاً. 

لا شك أن قدوم ترامب، قد جعلنا في مصر والعالم العربي نتنفس الصعداء، فمجرد وصوله للبيت الأبيض هو إعلان وفاة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وتهديد قوي لكل التنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً في أرضنا منذ سنوات، وهو أيضاً افتتاح لصفحة جديدة للعلاقات مع مصر من المتوقع أن يكون فيها الرئيس الأمريكي الجديد خير معين للرئيس السيسي على تنفيذ عملية الإصلاح الشامل ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله، ولو صدق ترامب في تنفيذ ما وعد به في حملته بشأن الشرق الأوسط واستعادة العلاقات مع روسيا، فهذه بشرى بأننا قد نفيق أخيراً من كابوس تبعات الربيع العربي. 

أي أن استمرار ترامب وتمكينه من أداء عمله خلال الأربع سنوات القادمة هو أمر يصب في مصلحتنا تماماً، وبالتالي يجب علينا أن نجد طريقة مناسبة نستطيع بها ضبط موازين الأمور داخل أمريكا، وأن لا نكتفي بمشاهدة الأحداث من بعيد. واعتقد أن كلمة السر في إنقاذ ترامب تكمن في ثلاثة محاور: 

أولها؛ توحد دول الخليج العربي على إعلان الدعم الكامل لترامب، مستغلين ما لديهم من نفوذ اقتصادي داخل الولايات المتحدة، حيث أن دول التعاون الخليجي وحدها تستثمر من الأموال داخل أمريكا ما يستطيع أن يزلزل الاقتصاد الأمريكي تماماً في حالة سحبها أو يعيد أمريكا إلى مقدمة الدول المستقرة اقتصادياً في حالة استمرار ضخها، وهذا سيجعل الأجهزة الغير متعاونة مع ترامب داخل الإدارة الأمريكية تعيد التفكير فيه كخيار استراتيجي يحتاجون له، وأن مصلحة بلدهم تعتمد بشكل مباشر على استمراره وتمكينه من أداء مهام عمله، وليس كضيف ثقيل على قلوب موظفي البيت الأبيض. 

 وثانيها؛ أن تعمل القيادة العسكرية في مصر أن تبدأ في تحركات فورية تلعب فيها دور حجر الزاوية في تجديد العلاقات بين العسكرية الأمريكية والعسكرية الروسية، حيث أن مصر هي الدولة التي تمتلك علاقات عسكرية قوية مع الطرفين وتحظى بثقتهما، ويكون ذلك الربط في شكل اجتماعات عاجلة تقوم بها قيادات الجيش المصري مع القيادات العسكرية في روسيا أولاً ثم مع القيادات العسكرية في الولايات المتحدة، ويكون محور هذه اللقاءات هو كيف يمكن للأطراف الثلاثة التعاون في ظل انتخاب رئيس أمريكي جديد لمواجهة داعش وفلول الإرهاب في الشرق الأوسط بالكامل، وهو أمر يتفق عليه الأطراف الثلاثة بالفعل، وأعتقد أن هذا الجهد سيصب أيضاً في مصلحتنا المباشرة حيث أنه سيمكن ترامب، رغم ما سيلاقيه من معارضة في الداخل الأمريكي، من تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية من محاربة الإرهاب في العالم العربي وليس محاربة الدول العربية.

وثالثها؛ هو الدعم الإعلامي والمجتمعي لفكرة احترام نتيجة الانتخابات، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو السوشيال ميديا، خصوصاً أن أغلب النشطاء والمحللين في أمريكا اليوم يقارنون الآن بين تمرد المصريين ضد حكم الإخوان، وبين تمرد بعض الأمريكين على حكم ترامب، والمقارنة هنا غير صحيحة بالمرة، حيث أن الإخوان وصلوا للحكم في مصر المنهكة آنذاك تحت وطأة تهديدات بالفوضى استمرت لخمسة أيام في ميدان التحرير، وعبر انتخابات غلب عليها التلاعب والتزوير، أما ترامب فقد أتى عبر انتخابات نزيهة في دولة مستقرة وطاعنة في الديمقراطية، وبالتالي يجب أن ننبه الشعب الأمريكي لخطورة ما قد ينتج عن هذه المظاهرات من فوضى سياسية ودمار اقتصادي أكبر قد لا يستطيعون السيطرة على نتائجه لاحقاً، ونحن كمجتمع مدني مصري لدينا من الخبرة في هذا الأمر ما يمكننا بل ويحتم علينا نقلها للشعب الأمريكي، في النهاية نحن لا نريد لأمريكا أو شعبها أن يمر بما عانيناه من خراب في الخمس سنوات الأخيرة، لأن هذا لو حدث سيزيد العالم ألماً. 

خلاصة القول، إننا في مصر والعالم العربي نستطيع فعل الكثير لدعم ترامب وتمكينه من أداء مهام عمله التي تصب في مصلحتنا تماماً، ولعل الثلاث تحركات التي اقترحتهم في مقالي هنا تكون ملهمة لصناع القرار في المنطقة للقيام بما يلزم، من أجل ضمان مكان أفضل لنا على رقعة شطرنج المستقبل.  


Friday, November 11, 2016

مشيرة في اليونسكو وفي قلب شباب مصر



جاء لقاء الرئيس الثاني مع الشباب في غضون شهرين فقط، لمناقشة تحديات الحاضر وطموحات المستقبل، بينما يعج العالم بالفوضى إثر الضربات الإرهابية المتلاحقة، وآخرها في تركيا أردوغان، ممول داعش والأب الروحي لجماعة الإخوان الآثمة، والذي كان وما زال وسيظل يستهدف أمن واستقرار مصر، في رسالة ربانية سيذكرها تاريخ الإنسانية، مفادها أن الدول التي تنشغل ببناء نفسها هي التي يقف الله معها، أما الدول التي تنشغل بإيذاء جيرانها فلسوف تذوق مرارة ما صنعت أيديها إن عاجلاً أو آجلاً. 

على حد علمي أن تواصل الرئيس السيسي مع المواطنين الشباب بهذا الشكل المثمر والمستمر لم يحدث في أي دولة أخرى في العالم. مصر تضع نموذج جديد للعلاقة بين الدولة والشعب. اجتماعنا مع الرئيس ورموز الدولة بشكل دوري في حوارات مفتوحة وكاشفة هو تجديد مستمر للأمل في شرايين مصر، لنعود بعد كل لقاء أقوى وأقدر على مواجهة أصعب التحديات.

ومن بين كل رسالات الأمل التي ضخها مؤتمر الشباب الشهري يوم السبت في نفوس المصريين، كان تدشين حملة شبابية لوصول الناشطة الحقوقية مشيرة خطاب إلى تولي منصب رئيس اليونسكو، وهي به الأجدر من بين كل المرشحين، لتكون أول سيدة مصرية أفريقية عربية تحقق هذا الحلم العزيز على قلب مصر. 

وقد اخترت من بين كل المناصب الرفيعة التي تقلدتها هذه السيدة العظيمة في الدولة، بين وزيرة للأسرة والإسكان، وأمين عام المجلس القومي للأمومة والطفولة، وسفيرة متميزة، أن أسميها بالناشطة الحقوقية، لأن هذه الروح – روح الناشطة – هي التي صاحبتها على مدار مشوارها الحافل بالإنجازات، التي كنت أنا نفسي واحدة من المستفيدين منها، فقد فعلت هذه السيدة العظيمة لجيلي الكثير. 

كانت السفيرة مشيرة خطاب، تجوب القرى والنجوع، وتتحدث مع الأسر والأمهات عن تعليم بناتهن ونبذ عادة الختان، في الوقت الذي كان تحرك الوزراء فيه خارج مكاتبهم أمر لا نراه إلا في الأفلام الأجنبية، نجحت الناشطة الحقوقية مشيرة خطاب في عمل حملة قومية ضخمة، شاركت فيها أثناء دراستي الجامعية، نتج على إثرها تمرير أول قانون في تاريخ مصر يجرم الختان ويوعي الناس بخطورته على صحة الفتيات، لتنقذ بذلك أرواح الملايين من بنات مصر الذين وأدهم المجتمع أحياءاً بهذه الممارسة الآثمة، التي يبرأ منها الدين وأبسط قواعد الإنسانية، تحدت بروح الناشطة الحقوقية، لا بحسابات الوزيرة، مجتمع كامل يغلب عليه التعصب في صعيد مصر، لتفتح فصول لتعليم الفتيات، وضغطت بقوة منصبها آنذاك لتشريع قوانين تقضي على ظاهرة الزواج المبكر للفتيات. 

فقط راجعوا الإحصائيات الرسمية في هذه القضايا الثلاث (ختان الإناث، وتعليم الفتيات، والزواج المبكر) قبل وبعد مشيرة خطاب لتدركوا حجم الفرق الذي أحدثته. 

حتى بعد ثورة يناير، لم تتوقف الوزيرة مشيرة خطاب عن أداء مهمتها التي تؤمن بها في مناصرة حقوق المرأة المصرية، ولعل المحافل الدولية التي شاركت فيها متحدثة باسم نساء مصر ومدافعة عنهم، وكذلك التكريمات الدولية التي حصلت عليها كناشطة حقوقية تشهد لها بذلك، هذا فضلاً على وقوفها بمنتهى الشجاعة والإيثار ضمن صفوف شعب مصر في مواجهة تعنت جماعة الإخوان الإرهابية التي أرادت طمس هويتنا وإعادتنا لعصور الجهل والتخلف تحت ستار الدين.

ونحن اليوم بدعمنا كشباب مصري للسفيرة مشيرة خطاب لسنا سوى كمن يرد جزء بسيط من جميل صنعها في حق جيل بالكامل، وكلنا ثقة أن تنجح سيادتها كناشطة حقوقية أولاً ومسؤول دولي رفيع ثانياً في أن تنقل النجاح الذي حققته في مصر إلى ربوع العالم، وكلنا يقين أنها ستكون خير ممثل لمصر في هذه المهمة الثقيلة.  وما أحوج العالم المشتعل لسيدة في مثل نشاطها وحكمتها الآن. 


Sunday, November 06, 2016

كيف تستعد مصر للرئيس الأمريكي الجديد

Elsisi Clinton and Trump

أمست انتخابات الرئاسة الأمريكية على بعد يوم واحد، وهو اليوم الذي سيتحدد فيه مصير العالم على يد بضعة مئات من الناخبين الأمريكيين، وعليه سيضر العالم إما لاحتواء جنون رجل الأعمال المغرم بالمظاهر دونالد ترامب، أو مواجهة دهاء السياسية المحنكة هيلاري كلينتون، وكلا المصيرين مُر! لا سيما بالنسبة لدولة مثل مصر، تصارع من أجل الحفاظ على أمنها وتحقيق التطور الديمقراطي، في وسط اللهيب المستعر في أرجاء الشرق الأوسط. 

يجب أن تبدأ القيادة السياسية في مصر الاستعداد بوضع استراتيجية للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، ومحاولة التأثير عليه وتوجيه سياساته بما يخدم مصالحنا، وأن لا ننتظر لنشكل موقفنا كرد فعل على مواقف المرشح الفائز من قضايا مصر أو قضايا الشرق الأوسط كله، مثلما كنا نفعل في الماضي، فعلى الرغم من التحديات الجسام التي تمر بها مصر اقتصادياً وأمنياً، إلا أنها ما زالت هي الحليف الأصلح والأفضل من وجهة النظر الأمريكية، وأبلغ دليل على ذلك هو ما عبر عنه كلا المرشحين الديمقراطية كلينتون والجمهوري ترامب أثناء اجتماعيهما بالرئيس السيسي في نيويورك قبل شهرين. 

واعتقد أن من مصلحتنا نحن أيضاً أن نستعيد هذه العلاقات، ليس فقط بهدف استمرار التعاون الاقتصادي والعسكري وتوسيع نطاقه، ولكن أيضاً لما سيمكننا ذلك من استعادة دور مصر الريادي في منطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذي فقدناه لصالح دول أخرى مثل السعودية منذ ثورة يناير، وكان لهذا التحول بالغ الأثر في قلب موازين الأمور في المنطقة، بدءاً من الحرب الغير مبررة ضد اليمن، ودعم التنظيمات الإرهابية والمعارضة المسلحة في سوريا ضد النظام والجيش الرسمي للدولة. أي أنه من واجب مصر أن تسعى بكل ما لديها من قوة لاستعادة دور الأخت الكبرى بين الدول العربية، لما يمثله من ضمانة حقيقية للتعجيل بحل مشكلات المنطقة التي خلفها الربيع العربي وتوابعه. 

أما على مستوى الإصلاحات الداخلية، فإن استعادة مصر لعلاقات قوية مع القيادة الأمريكية الجديدة، سيعيد الولايات المتحدة للعب دورها المفيد جداً في دعم مصر مالياً واستراتيجياً في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تجري على قدم وساق داخل مصر الآن، وذلك من خلال استعادة الاتفاقيات والبرامج التي كانت تتم بين البلدين في تمويل وتنفيذ مشروعات مع الوزارات الخدمية مثل الصحة والتعليم وأمثالهما لتطوير أحوال المواطنين المعيشية، وهو الأمر الذي بإمكانه أن يرفع الكثير عن كاهل الحكومة المصرية التي تعمل وحدها تماماً، اللهم إلا باستثناء مساعدات مالية محدودة وغير مضمونة على المدى الطويل من بعض دول عربية أخرى. 

ويجب أن نتذكر دائماً أن العلاقات الدولية تعتمد فقط على حجم المصالح التي نسعى لتحقيقها وليس أي معيار آخر. وكلامي هنا يعني أن سعي مصر لإخراج العلاقات المصرية الأمريكية من جمودها، أمر لا يجب أن يمثل أي تهديد من أي نوع لعلاقاتنا الأخرى إما العربية (مع السعودية مثلاً) أو الأوروبية (مع روسيا تحديداً) خصوصاً في ظل ما يتردد من اقبال القطبين الكبيرين الروسي والأمريكي على حرب عالمية ثالثة قد تكون حرب باردة أو حرب معلومات أو حرب مسلحة. 

بل على العكس، استعادتنا لقوة ومتانة العلاقات المصرية الأمريكية، سيجعلنا قادرين على إدارة مصالحنا لدى الطرفين بالطريقة التي نرى أنها الأصلح لنا، بدلاً من أن نكون مجرد ترس في آلة قطب واحد منهما. 

كل المؤشرات تقول أن هيلاري كلينتون هي الأقرب لقيادة العالم من خلال البيت الأبيض في واشنطن، لهذا فإن الاستراتيجية التي يجب أن تعكف القيادة المصرية على وضعها الآن لمحاولة إدارة العلاقات المستقبلية مع كلينتون، يجب أن تعتمد على ثلاثة محاور أساسية كانت هي أيضاً محاور رؤية كلينتون لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، أولها هو الحرب على الإرهاب ومواجهة داعش في سوريا، وثانيها هو ملف إيران وارتباط ذلك بأمن دول الخليج وبالتبعية أمن المنطقة العربية بأكملها، وثالثها هو ملف إسرائيل وقضية السلام. ولمصر في كل واحدة من هذه القضايا يد.