Wednesday, May 27, 2015

ماذا ينتظر الرئيس السيسي في ألمانيا؟

ميركل والسيسي في ألمانيا

أكتب لكم من برلين، حيث أشارك منذ أسبوع مع وفد من الدبلوماسية الشعبية برئاسة الوزير محمد عرابي يضم قامات حقوقية وسياسية ودبلوماسية ودينية ذات احترام وتأثير، بهدف لقاء ممثلين عن مؤسسات حكومية وغير حكومية وبرلمانيين ورجال أعمال وإعلاميين وسياسيين، من أجل استطلاع الموقف في ألمانيا على المستوى الشعبي والحكومي وتوصيل رسائل عن حقيقة الأوضاع ومستقبل الديمقراطية في مصر بعيداً عن المراسم البروتوكولية التي ستهيمن على الوفد الرسمي الذي سيرافق الرئيس السيسي في زيارته المقررة بعد أيام إلى ألمانيا، بدعوى من المستشارة ميركيل، تكررت مرتين بسبب تصريحات غير مسؤولة من رئيس البرلمان – الذي يصفه الغالبية هنا بأنه غاوي شهرة. 

حيث أفتقرت تصريحاته بشأن حقوق الإنسان في مصر إلى المنطق، وكانت مبنية بالكامل على أكاذيب تصوغها جماعة الإخوان المسلمين في الإعلام الأوروبي منذ فترة، دون بذل أدنى مجهود من جانبه أو من الفريق العامل معه للبحث في حقائق الأمور والتدقيق في صحة المعلومات. 

إن زيارة الرئيس السيسي لألمانيا للمرة الأولى منذ توليه الحكم، تعادل في أهميتها زيارة الرئيس الأولى للولايات المتحدة الأمريكية في أواخر العام الماضي، لما لألمانيا من أهمية وثقل كبيرين في المحيط الأوروبي إما على المستوى الاقتصادي أو السياسي، ولعلها حقيقة معروفة في العلاقات الدولية أن من يكسب ألمانيا في صفه، يكسب أوروبا كلها. 

وكان أكثر ما أسعدنا في محادثاتنا مع المسؤولين، أن لمسنا اختلاف إيجابي واضح في موقف ألمانيا من مصر وتفهم كبير للظروف الاستثنائية التي نمر بها خصوصاً مسألة بناء الدولة في مقابل الحرب على الإرهاب، حيث بدأت العلاقة بين البلدين تأخذ شكل علاقة الصديق والشريك وليس الملقن والمتلقي، خصوصاً بعد اللقاء الذي جمع الرئيس السيسي والمستشارة ميركل على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي مطلع هذا العام وأيضا المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ. 

لقد أصبح لدى ألمانيا تفهم واضح أن مصر هي الحصان الرابح في مسألتين رئيسيتين هما الاقتصاد والأمن، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وألمانيا 4,4 مليار يورو العام الماضي وهو الأعلى في تاريخ العلاقة بين البلدين، فضلاً عن صفقة الكهرباء الأخيرة مع شركة سيمنز التي تصل إلى 12 مليار يورو. 

بالإضافة لحقيقة أن مصر هي الدولة الوحيدة – ربما في العالم كله – التي قالت أنها ستحارب الإرهاب والتزمت بذلك، حتى أننا أصبحنا حائط الصد الأول في مواجهة الإرهاب ليس فقط بالنيابة عن باقي دول منطقة الشرق الأوسط ولكن أيضاً بالنيابة عن دول أوروبية أهمها ألمانيا التي تعاني الآن من المد السلفي الجهادي داخل أراضيها، وظهور شرطة الشريعة في شوارعها، ونزوح شبابها بالمئات للتجنيد في التنظيم الإرهابي الأخطر داعش.

ولهذا نتوقع أن تكون زيارة الرئيس السيسي لألمانيا ناجحة جداً، وستكون بمثابة فتح صفحة جديدة لشكل العلاقات ليس فقط بين ألمانيا ومصر، ولكن بين أوروبا كلها ومصر، رغم كل محاولات الإخوان لافتعال حالة رفض وهمية إما في وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها أو من خلال مظاهرات حسب ما علمنا يحشدون لها بشراء متظاهرين من الجاليات السورية والتركية ليعطوا وهم بأنهم ذات عدد وتأثير على خلاف الواقع. 


Wednesday, May 20, 2015

موجات الغضب الافتراضي


Protesting on social media Egypt

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي أو السوشيال ميديا ونجومها ممن لديهم عدد كبير من المتابعين، هي صانع ثورة 25 يناير كما يحلو لوسائل الإعلام في الغرب إشاعته، ولم تكن كذلك هي السبب في نجاح ثورة 30 يونيو، كما يدعي البعض. بل كانتا الثورتين من صنع الشعب، وبدون السوشيال ميديا أو بها كانتا سيحدثا بنفس الحشد ونفس التأثير.

كل ما ساهمت به السوشيال ميديا في هذين الحدثين التاريخين هي أنها عجلت من تأجيج حالة الغضب بافتعال أحداث صغيرة قد لا يلقي المواطن لها بالاً في الظروف العادية، بقصد خلق موجات من السخط الافتراضي، ثم تسمح لها بالتراكم السريع حتى تتحول إلى حالة رفض عام لكل شيء، لدرجة يصبح معها الهدم مقارنة بالإصلاح هو الحل الأهون، وفي الهدم لا يفرق المعول أحياناً بين هدم نظام أو هدم وطن بأكمله. 

وهذا ما حدث قبيل الثورتين، ومن حسن - أو ربما سوء - الحظ أن توافق ذلك الجهد الافتراضي مع غباء سياسي وأحداث اجتماعية أدت إلى نقل السخط الافتراضي عبر وسائل الإعلام التقليدية إلى غضب شعبي، وأبرز مثالين هما حادث خالد سعيد وتزوير الانتخابات البرلمانية قبل سقوط نظام مبارك مباشرةً، وأزمة البنزين وأحداث العنف في الاتحادية قبل سقوط نظام الإخوان. 

ويبدو أن ما يحدث على السوشيال ميديا  المصرية هذه الأيام، خصوصاً الفيسبوك وتويتر الذين يستخدمهما أغلب المصريين، يعيد إلى الأذهان نفس المشاهد التي سبقت الثورتين، من حيث تصيد التصريحات لكبار المسؤولين واقتطاعها من سياقها ثم تضخيمها بما لا يليق وحجم المناسبة التي قيلت فيها، والتهكم على قرارات الحكومة وأدائها، ثم المطالبة بعزل الوزير الفلاني والمسؤول العلاني، وكأنه هو بشخصه هو المشكلة وليس أداء الوزارة بكل أجهزتها بالكامل، ومن ثم التصعيد للمطالبة بعزل رئيس الوزراء ثم رئيس الجمهورية نفسه، وكذلك تضخيم مشكلات اقتصادية نعاني منها منذ الأزل وإلصاقها بالحكومة الحالية التي لم تكمل عامها الأول حتى، وتضخيمها كأنها مشكلة المشاكل مثلما حدث مع موضوع "البامية" متجاهلين الحديث عن أي إصلاحات أو إيجابيات قامت بها الحكومة الحالية رغم عمرها القصير جداً. 

وبالتوازي مع ذلك، يخرج علينا البعض بأخبار مغلوطة تبدأ بجملة "منظمات دولية تصدر تقرير" ويتبعها بكلمات مثل "التعذيب في مصر" و"الإنهيار الاقتصادي" في مصر و"الفشل الحكومي" وهكذا، ليمنح أكذوبته نوعاً من المصداقية، وإن كانت بعض هذه المنظمات الدولية التي نشك بقوة بأنها مدفوعة سياسياً تقوم بإصدار تقارير بهذا المعنى بالفعل، لكن أغلب هذه الأخبار لا يذكر حتى اسم المنظمة الدولية التي يشيرون إليها على أنها صاحبة التقرير معتمدين على أن المواطن العادي لن يبحث أو يهتم. 

والطريف أن بعض وسائل الإعلام التقليدية تقوم أحياناً بالنقل الأعمى عن هذه المواقع رغم علمها بالتخاريف التي تحملها، وبذلك تساهم بدون قصد في تأجيج الحالة السلبية المرغوب إحداثها قبل أسابيع معدودة من الذكرى الثانية لسقوط الإخوان والذكرى الأولى لتولي الرئيس السيسي الحكم. 

ولكن هذه المرة لا أظن أبداً أن تؤدي موجات السخط الأفتراضي التي تحاول أيادي ملوثة خلقها عبر وسائل التواصل الاجتماعي هذه الإيام إلى أي نتيجة حقيقية مؤثرة على أرض الواقع، لأن المواطن المصري الذي أسقط نظامين في أقل من ثلاثة أعوام والذي يستطيع إسقاط النظام الثالث لو أراد، قد فطن إلى اللعبة وحفظها، ويعي تماماً أنه شريك في المسؤولية مع الرئيس والحكومة في بناء الوطن بالجهد والعمل، لا بتعليقات ومنشورات في عالم افتراضي لا علاقة له بالواقع.


Wednesday, May 06, 2015

وما الرئيس السيسي إلا بشر مثلكم


الرئيس السيسي 2015 عيد العمال


شاءت الأقدار أن أسافر إلى بعض دول وسط وجنوب أوروبا على مدار الأسبوعين الماضيين، مما أتاح لي فرصة ذهبية للقاء بعض المؤثرين في صناعة القرار الأوروبي من سياسيين ودبلوماسيين وأعضاء برلمان ورجال أعمال وقيادات في المجتمع المدني، كانوا متلهفين لمعرفة حقيقة تطور الأوضاع السياسية في مصر مع أقتراب الذكرى الأولى لتولي الرئيس السيسي لحكم مصر ومع اقتراب أيضاً الذكرى العزيزة لثورة 30 يونيو. 

وقد لاحظت، للمرة الأولى في السنتين الأخيرتين، تغير إيجابي واضح في الموقف الأوروبي بوجه عام تجاه مصر، من موقف انتقاد وعدم رضا إلى موقف إعجاب وإشادة؛ بدءاً بالتزام مصر بتنفيذ خارطة الطريق التي وضعها بيان 3 يوليو الشهير، وحقيقة عدم إنهيار مصر في مواجهة الحرب على الإرهاب حتى اليوم، وإصرارها على مواصلة مسيرتها، ولو ببطء، تجاه بناء الدولة رغم كل التحديات الأقليمية، والعوائق الاقتصادية. 

حيث أصبح ما يشغل بال صانع القرار الأوروبي الآن هو كيف يمكنهم مواكبة ما يجري في مصر من أحداث، وأختفت من حواراتنا معهم أسئلة من نوعية "لماذا تقمع الحكومة المعارضة متمثلة في جماعة الإخوان المسلمين؟" مصداقاً للأكاذيب التي تروجها جماعة الإخوان الإرهابية ليل نهار في جميع أرجاء العالم والتي أخذت في الخفوت بشكل واضح مؤخراً، ليحل محلها أسئلة من نوعية "كيف نستطيع أن نساعد مصر سياسياً؟" أو "كيف نستفيد من الإمكانات الاقتصادية التي تعد بها مصر في المستقبل القريب؟" بما يبشر بأن جهود الدبلوماسية الشعبية إلى جانب الجهود الرسمية لتوضيح حقيقة الصورة في مصر للعالم قد أتت بثمارها أخيراً. 

إن الأوروبيين، على عكس الأمريكيين، لم يكن لديهم مشكلة في استيعاب وتقبل فكرة تولي قائد ذو خلفية عسكرية مثل الرئيس السيسي لمنصب رئيس الجمهورية، فقد حدث ذلك في دول أوروبية عدة على مدار التاريخ، وكانوا منذ اللحظة الأولى متفهمين لأن هذه الخلفية العسكرية لن تجعل من الرئيس السيسي بالضرورة "ديكتاتور" كما يروج الإخوان ومن ورائهم أمريكا، بل كان وما زال ما يشغل الأوروبيين هو مدى التزام الرئيس المصري بأمرين: تحسين حقوق الإنسان، ومحاربة الفساد. وهذين أمرين نجحت القيادة السياسية في مصر في تحقيقهم بدرجة كبيرة جداً حتى الآن رغم كل التحديات. 

حيث لم تمنع الحرب على الإرهاب مصر من تحقيق تقدم معقول على مستوى الحقوق والحريات، أهمها الدستور المصري الحالي الذي التزم بكافة المواثيق الدولية في هذا المجال، فضلاً على الالتزام الواضح من جانب مصر وتعاونها الغير مسبوق مع مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في المراجعة الدورية الشاملة لملف حقوق الإنسان في مصر، بالإضافة إلى إتاحة مساحة أكبر لعمل المجتمع المدني كركن أساسي من أركان الدولة الديمقراطية الحرة. 

وعلى مستوى محاربة الفساد، يكفي أن الرئيس السيسي ونظامه لا يمارس فساد سياسي أو إداري ولا يسمح به لمن حوله كما كان يحدث في أواخر عهد مبارك، وأنه أيضاً لا يمارس فساد ديني وأخلاقي بأن يرسم صورة وهمية لنفسه على أنه قادم من عند الله لإنقاذ مصر كما فعل الإخوان. بل قال ومنذ اللحظة الأولى التي ألقت به الأقدار في هذا المنصب "إنما أنا بشر مثلكم" ولم يعد عموم المصريين سوى بإخلاصه في حب مصر وأن يبذل كل ما يستطيع من جهد مع باقي المصريين لأجل تحقيق التغيير المطلوب سياسياً واقتصادياً.  

وفي الحقيقة هذا الكلام لا يحتاج الأوربيون فقط لسماعه والتأكيد عليه، بل يجب علينا أيضاً أن نذكّر أنفسنا كمصريين به طوال الوقت، خصوصاً في ظل ظهور بعض الأصوات الغير مفهومة من وقت لآخر للهجوم على الرئيس والحكومة، والطريقة الغريبة التي أعطى بها البعض لأنفسهم الحق في العودة – ليس إلى مقاعد المتفرجين – بل إلى مقاعد المحكمين، ونسوا تماماً أن الاتفاق الذي تم بين الرئيس والشعب من البداية قائم على أننا جميعاً مكاننا الوحيد هو داخل الملعب، وليس بيننا متفرج وليس بيننا محكم، وأن معركة إثبات الذات المصرية أمام العالم، ليست معركة الحكومة وحدها، بل معركة كل مصري مهما كان منصبه أو عمله.