Tuesday, March 09, 2021

لماذا يرفض العرب تحركات تركيا في الشرق الأوسط؟


 

شهدت القاهرة أسبوعا حافلاً، حيث التقى وزراء خارجية الدول العربية، ومن بينهم قطر، يوم ٣ مارس، بمقر جامعة الدول العربية، لمناقشة المآسي التي تمر بها المنطقة. كان الموضوع المهيمن على المناقشات هو التدخلات الأجنبية في الأراضي العربية، إما من خلال الاستغلال السياسي، أو الانتشار العسكري، أو حتى رعاية الميليشيات المسلحة في الدول الضعيفة أو الفاشلة. وفي ختام الاجتماع، أدان البيان الصادر عن وزراء الخارجية العرب كلاً من تركيا وإيران، بشكل خاص، لتدخلاتهما العسكرية المكثفة في الدول العربية والتي تزعزع أمن واستقرار المنطقة. 

في المقابل، أصدرت الخارجية التركية بيانا ردت فيه برفض كافة نتائج الاجتماع الوزاري للجامعة العربية، خاصة تلك التي تدين تدخل أنقرة في الشؤون العربية. وزعم البيان التركي أن اتهام تركيا بأنها تهدد أمن المنطقة واستقرارها "لا يستند إلى دليل… ويهدف إلى التستر على الأنشطة التخريبية لبعض الدول العربية، ولا تقبلها الشعوب العربية الصديقة والشقيقة"، كما زعم بيان الخارجية التركية أن حماية سيادة الدول العربية ووحدة أراضيها أولوية قصوى بالنسبة لأنقرة، وبالتالي تبذل تركيا قصارى جهدها لإرساء الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو الإقليم الذي يصفه البيان بأنه المنطقة التي تنتمي إليها تركيا. لكن الواقع يخبرنا بعكس ما ذكره البيان التركي، تماماً.

في السنوات الخمس الماضية، على الأقل، لم تمر مناسبة واحدة، اجتمع فيها قادة الدول العربية أو الإسلامية، دون أن يصدروا بيانات تستنكر وترفض تدخل تركيا في شؤون الدول العربية، خصوصاً التدخلات العسكرية. على الجانب الآخر، لم تضيع تركيا فرصة دون التصريح رسميًا برفضها إصرار العرب على رفض دورها الإقليمي، والتأكيد على أن تركيا جزء من الشرق الأوسط وليست قوة أجنبية دخيلة. وبين هذا وذاك هناك نقطة حوار مفقودة بين العرب والأتراك. إن كبح هذه الحلقة المفرغة من الاتهامات والرفض بين الأتراك والعرب أمر ضروري لتمكين تركيا والدول العربية من التعاون لصالح شعوب الشرق الأوسط، لا سيما في القضايا المتعلقة بالقضاء على التهديدات الأمنية وتحقيق الرفاه الاقتصادي.

كخطوة أولى، تحتاج تركيا إلى فهم مصدر قلق العرب تجاه تدخلات تركيا. صحيح أن تركيا جزء لا يتجزأ من الشرق الأوسط، وبالتالي فإن دورها في الشؤون الإقليمية مشروع وطبيعي. في الواقع، لم ترفض جامعة الدول العربية أبدًا تدخل تركيا في شئون دول الشرق الأوسط، إلا مؤخراً، بسبب سياسات الرئيس التركي أردوغان المعيبة التي تهدد استقرار المنطقة، وأدت مع الوقت لقطع أواصر الثقة وعلاقات الأخوة بين القادة العرب وتركيا، وعلى رأس هذه السياسات المعيبة هو دعم أردوغان غير المشروط للجماعات الإسلامية المصنفة كتنظيمات إرهابية، مثل حماس والإخوان المسلمين، على الرغم من أنشطتهم المدمرة لمصالح الدول العربية. من وجهة نظر العرب، فإن انحياز أردوغان للإسلاميين، خاصة في العقد الأخير بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، وضع تركيا في نفس البوتقة مع إيران، التي تراها معظم دول الشرق الأوسط على أنها دولة معادية. 

ترعى إيران عدد مهول من الميليشيات المسلحة التي تعيث فسادا في لبنان وسوريا والعراق، منذ سنوات. وترعى إيران أيضًا ميليشيا الحوثي في اليمن، التي تشكل تهديدًا مباشرًا على أمن المملكة العربية السعودية، أكبر دولة في منطقة الخليج، والأرض المقدسة التي ظهر فيها دين الإسلام. منذ تنصيب الرئيس الأمريكي بايدن، في يناير، استهدفت ميليشيا الحوثي منشآت نفطية ومدنيين أبرياء في جنوب السعودية، بأكثر من عشرين هجوم صاروخي باستخدام الطائرات المسيرة، بالإضافة إلى التهديد المستمر الذي تشكله ميليشيا الحوثي على حركة الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب الواصل بين البحر الأحمر وبحر العرب والمحيط الهندي.

في الوقت نفسه، تعمل تركيا على توسيع وجودها العسكري في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسرعة غير مسبوقة. حاليًا، تنتشر القوات التركية في كل من ليبيا والسودان والصومال والعراق وسوريا. في ليبيا مثلاً، منذ ديسمبر ٢٠١٩، نشرت تركيا الآلاف من العسكريين والمعدات والمرتزقة السوريين التابعين لها، على الرغم من قرارات مجلس الأمن الدولي التي تفرض حظر أسلحة على ليبيا وتنزع الشرعية عن كل القوات الأجنبية المتواجدة على الأراضي الليبية. كما أن للجيش التركي، قواعد عسكرية وانتشار واسع، منذ أكثر من خمس سنوات، في شمال سوريا، تحت ستار محاربة الإرهاب، رغماً عن إرادة غالبية السوريين والاكراد هناك. 

هذا العام، بدأ الجيش التركي في التمدد إلى داخل العراق، ولكن دون تكرار أخطائه السابقة في سوريا. قبل إطلاق عملية "مخلب النسر-٢" ضد حزب العمال الكردستاني، في فبراير، زار وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، الحكومة المركزية العراقية، في بغداد، وحكومة إقليم كردستان، في أربيل، للموافقة على نشر القوات التركية في شمال العراق. وربما وافق العراقيون لأن الهدف الرئيسي لتركيا من هذه العملية هو هدف مشروع، ألا وهو تحرير بعض المجندين الأتراك الذين كانوا محتجزين كرهائن لدى حزب العمال الكردستاني وحماية حدود تركيا من التهديدات الإرهابية. ومع ذلك، نشأت التوترات بين تركيا وإيران بعد أن بقيت القوات التركية في المنطقة بعد انتهاء المهمة، وتوعدت تركيا بتنفيذ المزيد من العمليات هناك في المستقبل القريب، حيث اعتبرت إيران، التي تتمتع بنفوذ سياسي وعسكري كبير داخل العراق، أن وجود الجيش التركي في هذه المنطقة تهديدًا للميليشيات التابعة لها، وتهديداً كذلك للنفوذ الإيراني الكبير في شمال العراق.

لو أن تركيا جادة في مساعيها لحفظ أمن واستقرار الشرق الأوسط، على أنقرة أن تفهم أنها لن تستطيع فعل ذلك عبر تهديد مصالح الدول العربية. إن معظم الشعوب العربية، وربما معظم الحكومات العربية أيضاً، تتوق إلى استعادة العلاقات الجيدة مع تركيا، لكن هذا أمر مشروط بقدرة القيادة السياسية التركية على أن تثبت للدول العربية أن تركيا ليست نسخة مكررة من إيران. ليس خفياً أن تركيا من أهم وأقوى الدول في منطقة الشرق الأوسط، وأن قدراتها العسكرية الفائقة ساهمت في تحدي تدخلات بعض القوى الأجنبية الخارجية، مثل الولايات المتحدة وروسيا، في العديد من بؤر الصراع في المنطقة، في السنوات الماضية. ولكن، دعم الرئيس أردوغان المستمر للجماعات الإسلامية، التي تعمل ضد مصالح دول المنطقة، يجعل العرب، وحتى الإسرائيليين، يرون تركيا على أنها مصدر تهديد ودولة معادية، بدلاً من كونها دولة شقيقة يمكن الوثوق بها ضمن عائلة الشرق الأوسط الكبير.