جذب دور مصر في شرق البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الكثير من الاهتمام مؤخرًا. في أقل من أسبوع، منذ بداية مارس، استضافت مصر الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية، واستقبلت وفودًا دبلوماسية رفيعة المستوى من دولة قطر لتسريع عملية المصالحة بين القاهرة والدوحة، وتم تنسيق زيارة رئاسية إلى السودان سبقتها اتفاقية تعاون عسكري تاريخية بين القوات المسلحة المصرية والسودانية، وأجرى وزير الخارجية المصري مباحثات مع المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، قبل اجتماع البرلمان الليبي لمنح الثقة للحكومة الجديدة.
إلا أن الحدث الأكثر بروزًا، في هذا الصدد، كان وما زال هو المساعي الحثيثة التي قام بها مؤخرًا كبار المسؤولين الأتراك لكسب ود مصر. في حدث نادر، خلال التدريب البحري "الوطن الأزرق ٢٠٢١"، في يوم ٦ مارس، وجه وزير الدفاع التركي خلوصي أكار التحية إلى الدولة المصرية لاحترامها حدود الجرف القاري لتركيا، واعتبر ذلك فرصة لأنقرة لتحسين العلاقات مع القاهرة في المستقبل القريب، وقال أكار "إن لدى تركيا العديد من القيم التاريخية والثقافية المشتركة مع مصر، وتفعيل هذه القيم يمكن أن يحدث فرقا في العلاقات بين البلدين في الأيام المقبلة".
في اليوم التالي لتصريحات أكار، قال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي إردوغان، في تصريحات لبلومبيرج، إنه "يمكن فتح صفحة جديدة في علاقة تركيا بمصر ودول الخليج لتحسين السلام والاستقرار الإقليميين". ووصف مصر بأنها "عقل وقلب العالم العربي"، مضيفاً "نحن مهتمون بالتحدث مع مصر حول القضايا البحرية في شرق البحر المتوسط بالإضافة إلى قضايا أخرى في ليبيا وعملية السلام والفلسطينيين. يمكننا خفض التوترات، وهذا النوع من الشراكة يمكن أن يساعد في الاستقرار الإقليمي من شمال إفريقيا إلى شرق المتوسط".
وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، ترددت أنباء عن أن هناك اجتماعات بين مسؤولين من المخابرات المصرية والتركية تُعقد بشكل منتظم بهدف مناقشة الخلافات السياسية بين القاهرة وأنقرة. وبطبيعة الحال، لو انتهى الخلاف القائم بين تركيا ومصر، والذي دام لأكثر من سبع سنوات، قد يترتب عليه تغير كبير في السياسات القائمة في منطقة الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. ولهذا لم يكن مستغرباً أن يثير تقارب أنقرة مع القاهرة ذعر المسؤولين في اليونان وقبرص. حيث يعتقد اليونانيون أن استعادة العلاقات الجيدة بين تركيا ومصر يشكل تهديدًا لشراكة مصر مع اليونان وقبرص وإسرائيل في شرق المتوسط. وبالفعل، قام وزير الخارجية اليوناني، في ٨ مارس، بعد تصريحات خلوصي أكار بيوم واحد، بزيارة مفاجئة للقاهرة للتأكد من أن مصر لن تتخلى عن اليونان إذا استعادت علاقاتها مع تركيا. في الحقيقة، هذا غير ممكن وغير وارد، حيث تمت المصادقة على اتفاقيات الشراكة بين مصر واليونان وقبرص وإسرائيل في البحر المتوسط من قبل البرلمانات المحلية لهذه الدول، وبالتالي فهي شراكة دائمة وصعب جداً الرجوع فيها. قد تنضم تركيا إلى هذه الشراكة المتوسطية في المستقبل، لو أصلحت علاقاتها مع مصر والدول الأخرى، لكنها أبداً لا تستطيع كسرها أو تهديدها.
ويبقى السؤال المهم الآن هو ما إذا كانت المصالحة بين تركيا ومصر ممكنة حقًا، خاصة بعد تقدم مصر بشكل كبير في إجراءات المصالحة مع قطر، منذ إعلان وثيقة العلا في شهر يناير، حيث تشكل التناقضات اللامتناهية في المواقف التي تتبناها القيادة السياسية التركية تجاه مصر عائق كبير أمام عملية رأب الصدع وتطبيع العلاقات بين البلدين، اللذين يشكل كل منهما قيمة اقتصادية وسياسية وعسكرية مضافة للآخر، في حال اختارا أن يتعاونا.
في الواقع، لا يوجد خلاف مباشر بين المصريين والأتراك. على العكس من ذلك، كلام خلوصي أكار سليم تماماً بشأن وجود العديد من القواسم الثقافية والتاريخية المشتركة، والعديد من المصالح الاقتصادية والسياسية المتبادلة والتقارب الجغرافي، الذي من المفترض أن يجعل مصر وتركيا شريكين لا ضدين. أما الخلاف الرئيسي بين مصر وتركيا فهو يتعلق بإصرار الرئيس التركي أردوغان على مواصلة دعم أنشطة الإخوان المسلمين، المقيمين في تركيا، ضد الدولة المصرية.
إذا كانت تركيا تريد حقًا إقامة علاقات مستقرة ومثمرة مع مصر، يجب على تركيا أولاً إنهاء دعمها لجماعة الإخوان المسلمين. وهذا شرط لا يجوز للدولة المصرية ولا الشعب المصري التخلي عنه، إذ يرى الكثير من المصريين اليوم أن تركيا دولة معادية بسبب دعم أردوغان المستمر لجماعة الإخوان المسلمين. بحسب استطلاع رأي أجراه مركز دراسات الديمقراطية الحرة، عام ٢٠١٧، فإن أكثر من ٨٠٪ من المصريين قالوا إنهم يعتبرون جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، ورفضوا عروض مصالحة الدولة المصرية مع جماعة الإخوان، حتى لو مصالحة مشروطة.
أثارت تصريحات خلوصي أكار المقتضبة والصادقة، بشأن علاقة بلاده مع مصر، الكثير من الجدل في المنطقة، لكنها لقيت استحسانًا في مصر على عدة مستويات. فعلى الرغم من كون خلوصي أكار جزء من نظام أردوغان المعروف بسياسته الخارجية المعيبة، إلا أن خلوصي أكار يحظى بقدر معقول من الاحترام والثقة فيما يقول. ولوضع هذه التصريحات موضع التنفيذ، فإن المهمة التالية - أو ربما التحدي - بالنسبة لخلوصي أكار، وأمثاله من المسؤولين العاقلين في القيادة السياسية التركية، هي إقناع أردوغان بالتوقف عن دعم الإخوان المسلمين، وخاصة أولئك الذين يستخدمون وسائل الإعلام التركية في مهاجمة الدولة المصرية. أريد أن أكون متفائلة بأن هذا قد يحدث، لكن مشاهدة أردوغان يلوح بعلامة رابعة (تحية الأربعة أصابع التي يتبناها الإخوان المسلمين كشعار لهم) في كل ظهور إعلامي له، يجعل موضوع المصالحة بين مصر وتركيا أمر أشبه بالمهمة المستحيلة.