أينما تتصفح أخبار تركيا، هذه الأيام، ستجد الناس من داخل تركيا وخارجها يناقشون شائعة عجيبة مفادها أن خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، سوف يأخذ كرسي الرئاسة من الرئيس الحالي أردوغان. هم لا يتحدثون عن انقلاب محتمل، فقد سبق أن نجح خلوصي أكار، عندما كان رئيس الأركان، في اجتياز اختبار الديمقراطية الصعب أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في ٢٠١٦. لكن، تزعم الشائعة أن خلوصي أكار سوف يترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة، في ٢٠٢٣، عبر حزب العدالة والتنمية الذي يحكم البلاد الآن تحت زعامة أردوغان، هذا طبعاً إذا ما لم يستطع أردوغان الترشح بإرادته أو رغم عنه.
ومن المفارقات أن مثل هذه الشائعات يروج لها نفس الكتاب والمحللين، الذين زعموا في السابق أن أردوغان تآمر مع خلوصي أكار ورئيس المخابرات هاكان فيدان للقيام بانقلاب وهمي في عام ٢٠١٦. وهم نفس الأشخاص الذين زعموا، في عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٠، أنه كان من المقرر إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لكن لم يثبت أبداً صحة ما يدعونه، ببساطة لأن رغبتهم العارمة في رؤية أردوغان خارج السلطة قد أعمت عقولهم عن تقييم الوقائع بشكل مجرد. ويبدو أن تعمدهم إضافة اسم خلوصي أكار إلى نظرية المؤامرة الجديدة التي يروجون لها، هي بمثابة التوابل اللازمة لجعل الشائعة أكثر تصديقًا لدى الجماهير. في العام الماضي، انتشرت شائعة مماثلة على عهدة صحفي تركي معارض، قال إن دولت بهشتلي رئيس حزب الحركة القومية يضغط أردوغان لتنصيب خلوصي أكار نائب رئيس الدولة.
تبدو الشائعات حول استبدال أردوغان بخلوصي أكار، إما على مستوى الحزب أو على مستوى الدولة، مريحة ومرضية لآذان العديد من المراقبين الرافضين لسياسة أردوغان، وأنا منهم. لكن بقليل من التفكير، سيتضح أن هذه الشائعات خادعة وغير منطقية على الإطلاق. عن نفسي، أرى أن تغيير أردوغان، في حد ذاته، سيشكل نقطة تحول إيجابية في مستقبل تركيا ومنطقة الشرق الأوسط كلها. فقد كان التحيز الديني والسياسي لأردوغان، على مستوى اعتقاده الشخصي، والذي تجلى في دعمه غير المشروط لجماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين، سبب في معاناة كبيرة لتركيا وجيرانها سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط، من ثم فإن إبعاد أردوغان عن المشهد السياسي يعني وضع حد لتلك المعاناة. هذا الأمر سوف يكون مفيداً لتركيا أيضًا في صراعها التاريخي على الحدود البحرية في شرق المتوسط.
من الزاوية المقابلة، يبدو وصول خلوصي أكار لرئاسة تركيا وكأنه مشهد ملحمي في دراما شكسبيرية، قد يسعد القلب أن تتخيله أو تفكر فيه، لكن العقل الذي يعمل بقوانين المنطق يرفض تصديقه. خلوصي أكار هو أكبر بكثير من مجرد عسكري ذكي ومنضبط اتقن العمل حتى وصل إلى أعلى مراتب السلم المهني في العسكرية التركية. خلوصي أكار هو قائد عسكري استثنائي، تمكن في فترة حياتية واحدة من خلق سجل حافل من الإنجازات الدبلوماسية والعسكرية التي غيرت إلى الأبد ديناميكيات القوة في منطقتي الشرق الأوسط وشرق البحر المتوسط. تتمتع شخصية خلوصي أكار بثنائيات فريدة فيما يتعلق بمعتقداته السياسية وقيمه الإنسانية، والتي عززتها المهارات السياسية والدبلوماسية التي اكتسبها على مدار حياته العملية الطويلة، ومن ثم مكنته من التقدم بشكل مستمر وثابت في المسار الذي رسمه لنفسه، بغض النظر عن التوجه السياسي للحكومات أو القادة العسكريين الذين عمل تحت إمرتهم.
لكن مع إعادة التفكير في الأمر بنظرة أكثر واقعية، ستكتشف أن الفكرة هي مجرد تخيل لمستقبل ربما لن يأتي أبداً. لكي تغير تركيا رئيسها من أردوغان إلى أكار، يجب أن تحدث ثلاثة أشياء. أولاً، يجب أن يقرر أردوغان عن طيب خاطر عدم خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة. ثانيًا، يجب على خلوصي أكار أن يقرر عن طيب خاطر أيضاً دفن تاريخه وإنجازاته العسكرية في وحل السياسة القذر، ويقبل أن يتاجر به في منافسة سياسية هو أكبر بكثير منها. ثالثًا، يجب أن يقوم غالبية الناخبين الأتراك بالتصويت لصالح خلوصي أكار، على الرغم من علمهم أنه قد لا يكون أفضل من أردوغان فيما يتعلق بالتعامل مع المشاكل الاقتصادية المزمنة التي تعاني منها الدولة.
حتى هذه اللحظة، لا يبدو أن أردوغان أو أكار أو الناخبين الأتراك على استعداد للقيام بأي من الخطوات السابق ذكرها. من ناحية، لم يتوقف خلوصي أكار عن متابعة مهامه العسكرية كالمعتاد. من ناحية أخرى، يعمل أردوغان بكد لحشد المؤيدين للانتخابات الرئاسية المقبلة. في وقت سابق من هذا الشهر، ذكر أردوغان رغبته في تعديل الدستور في إحدى خطاباته العامة، وفسر الخبراء هذه الخطوة بأنها محاولة لزيادة فرصه في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة. علاوة على ذلك، لا يزال أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي ينتمي إليه، هو الحزب الأكثر شعبية بين المواطنين، خصوصاً بين القواعد الشعبية الذين يمثلون غالبية الأصوات في تركيا، مقارنة بالأحزاب والكتل السياسية الأخرى، بما في ذلك الأحزاب المعارضة والمؤيدة.
المضحك هنا هو أن كاتبًا أمريكيًا في مجلة فورين بوليسي ادعى أن أردوغان مريض وكبير جدًا بحيث لا يمكنه الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة، وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية سيجبره على التنحي جانباً ووضع خلوصي أكار في مكانه. هذه الحجة غير المنطقية، هي أيضًا بعيدة تماماً عن الواقع، فقد اعتمد الكاتب فيها، بشكل مخجل، على الشائعات التي ينشرها جمهور عشوائي على منصة تويتر. بادئ ذي بدء، لم يربط خلوصي أكار اسمه بحزب سياسي في الماضي، ولا أعتقد أنه سيفعل ذلك في المستقبل. ثانيًا، إذا كان العمر والصحة يشكلان حاجزًا أمام تولي منصب الرئاسة، ما أصبح جوزيف بايدن، ٧٨ عامًا، رئيسًا للولايات المتحدة. وبالمقارنة أيضًا، فإن أردوغان أصغر من خلوصي أكار بعامين، وأصغر من أقرب حليف له دولت بهتشيلي بسبع سنوات.
في النهاية، يحتاج خلوصي أكار أن يكون حريصًا جدًا تجاه الفخ الذي ينصبه له البعض، من داخل تركيا وخارجها، باستخدام اسمه في هذا السياق السياسي الملتهب لفترة قد تمتد لعامين على الأقل حتى موعد الانتخابات الرئاسية في ٢٠٢٣. هذا يؤثر سلباً على صورته وتاريخه الشخصي كقائد عسكري فريد، بقدر ما يؤثر على صورة القوات المسلحة التركية وعقيدتها. عندما يحين الوقت المناسب، يجب على خلوصي أكار أن يعلن أنه ينأى بنفسه عن هذه المنافسة السياسية منخفضة المستوى والتي لا تليق بتاريخه وانجازاته ولا يليق به أن يسعى إليها.