بعد مرور قرن على تأسيسها في بلدة صغيرة شرقي مصر، أصبح سقوط شجرة جماعة الإخوان المسلمين اليابسة أمراً حتمياً. ولكن في الواقع، ليس بالضرورة أن يعني سقوطها نهاية التنظيم. ربما يكون الأمر مجرد خطوة ضرورية لإعادة ظهور أقدم تنظيم إسلامي سياسي في صورة جديدة وتحت قيادة جديدة، تصبح أكثر تكيفاً مع التحديات التي يحملها الواقع السياسي الجديد في الشرق الأوسط والعالم. ويؤيد هذه الفرضية تاريخ الجماعة الطويل من الاستمرار المتزامن عبر قنوات سياسية وجهادية أخرى. وفي هذا الصدد، ما الذي يجب أن تتوقعه الدول العربية (مصر والسعودية والإمارات والبحرين) التي تكافح التنظيم بلا هوادة؟ والسؤال الأهم: ما الذي يفعله صناع القرار في هذه الدول في هذه اللحظة غير المسبوقة من تاريخ الإخوان المسلمين؟
شقاق على مستوى القيادة
إن الخلافات الأخيرة بين قيادات التنظيم، المتفرقين بين بريطانيا وتركيا ما هي إلا قمة جبل جليدي ينهار ببطء. بدأت الأعمدة السياسية والجهادية المتهالكة لجماعة الإخوان في الانهيار منذ سقوط الإخوان من قمة نفوذهم السياسي في سدة الحكم في مصر قبل ثمانية أعوام. ومنذ ذلك الحين، يرفض قادة الجماعة الذين فروا من مصر إلى تركيا وقطر في عام 2013 الإذعان إلى سلطة إبراهيم منير، الذي يقود الجناح الغربي للتنظيم الذي يتخذ مقراً له في لندن منذ فترة طويلة.
على مدار سبعة أعوام، استطاعت الجبهة المقيمة في تركيا أن تمثل شوكة في حلق إبراهيم منير وأنصاره. ورفضوا القبول بتنصيب منير في منصب المرشد العام بعد أن اعتقلت السلطات المصرية محمد بديع المرشد العام الثامن للتنظيم في عام 2013. وبدلا من ذلك، اختارت جبهة تركيا محمود عزت، القيادي في مجلس شورى الإخوان، مرشداً عاماً للجماعة إلى جانب صديقه محمود حسين الذي احتفظ بمنصبه كأمين عام التنظيم لفترة طويلة. كانت مقاومة منير لجبهة عزت- حسين محدودة للغاية على مدار الأعوام السابقة لأسباب عدة. أحد هذه الأسباب هو الدعم القوي الذي يحظى به محمود عزت بين شباب الإخوان، والدعم المادي الكريم الذي تتلقاه فصائل الجماعة المقيمة في تركيا عبر محمود حسين.
في ديسمبر (كانون الأول) عام 2020، بعد أن اعتقلت السلطات المصرية محمود عزت، تمكن إبراهيم منير من إعلان ذاته قائما بأعمال المرشد العام لتنظيم الإخوان. عقب ذلك خصص منير وفريقه كل طاقتهم ووقتهم لتحييد الخصوم المتبقين على جبهة عزت- حسين. وبمجرد أن أعلن رسميا توليه منصب القائم بأعمال المرشد، اتخذ منير قراراً بإعادة ترتيب التسلسل الهرمي الحاكم للجماعة بالتخلص من منصب الأمين العام الذي يتولاه محمود حسين. واستبدل به لجنة يصبح فيها حسين واحداً من ستة أعضاء بسلطات محدودة. وفي رد فعل على القرار، رفض حسين تسليم السجلات المالية والإدارية للتنظيم إلى منير، بدعوى أن محمود عزت وحده، المسجون، هو من يستطيع طلب السجلات بصفته المرشد العام المنتخب.
وفي إطار مواصلة الضغط على حسين وجبهته، دعا منير إلى انتخابات داخلية على جميع المناصب القيادية في مكتب الإرشاد. بيد أن جبهة حسين رفضت المشاركة في الانتخابات لأن الأعضاء تحت سن 45 عاماً فقط هم من يحق لهم الترشح. وفي الوقت ذاته، تصاعدت وتيرة الضغوط المقيدة التي فرضتها السلطات التركية على أعضاء تنظيم الإخوان المقيمين في تركيا تحت قيادة محمود حسين، فيما يتماشى مع عملية المصالحة التي تسعى إليها تركيا مع مصر، مما منح منير فرصة ذهبية للتغلب عليهم.
أولاً: اتخذ منير قرارين صادمين؛ الأول هو حل المكتب الإداري للجماعة ومقره تركيا، والثاني هو حل مجلس شورى الجماعة ومقره قطر. وبرر القرار بأنه جزء من اتفاق تم مع السلطات السياسية في تركيا وقطر بعد اتفاق المصالحة الخليجية التي وُقِعت في يناير (كانون الثاني) الماضي. وكما هو متوقع، قرر حسين وفريقه التخطيط للانقلاب على منير وكانت البداية بحشد شباب الجماعة ضده باستخدام فرق وسائل التواصل الاجتماعي التي يمولونها ويسيطرون عليها.
قرر منير لاحقاً إحالة محمود حسين وأنصاره إلى تحقيق داخلي بتهمة ارتكاب مخالفات إدارية ومالية. وفي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، أصدر منير قراراً بصفته القائم بأعمال المرشد بتجميد عضوية محمود حسين وخمسة من أنصاره في مجلس شورى الجماعة، بناء على نتائج التحقيقات التي كشفت عن إدانتهم. بالتأكيد يعد هذا القرار خطوة ناجحة ونهائية نحو هزيمة خصومه في هذا الصراع. فقد أصبح حسين أضعف بكثير من رد الهجوم، بسبب التهميش السياسي والمالي لفريقه في تركيا. كذلك يقبع رفيقه المفضل محمود عزت في السجن، بالإضافة إلى أن اللوائح الداخلية للتنظيم تدعم بالفعل قرارات منير.
ولكن في إطار هذه العملية، تسبب منير في فراغ في المناصب القيادية بالجماعة مما يهدده بفقدان مقعده إذا لم يتم ملء الفراغ بقيادات مناسبة ترضى عنها الجهات الراعية الخارجية والجمهور من أعضاء التنظيم خاصة الشباب الذي يتحيز أغلبه لقيادة حسين وعزت.
شقاق أفقي بين القاعدة والقيادة
في حين أمضى قادة الإخوان الهاربون الأعوام السبعة الماضية، منذ الإطاحة بهم من مصر، في التصارع على مناصب السلطة في كيانهم المنهار، كان التنظيم يخسر آلافا من قواعده ومن المتعاطفين معه. وأغلب هؤلاء من شباب الإخوان المسلمين الذين تأثروا بصدمة الإخفاق السياسي لقادتهم وحقيقة أنهم تُركوا وحدهم ليدفعوا ثمن فشل الجماعة بالكامل.
تعرض قطاع كبير من شباب التنظيم والمتعاطفين معه من عامة الشعب للاعتقال على يد السلطات المصرية ما بين عامي 2013 و2015 بسبب تورطهم في أعمال شغب وعنف. وفي أثناء تلك الفترة، ارتكبت عناصر الإخوان أكثر من ثلاثة آلاف عملية ضد رجال الشرطة والمدنيين ومنشآت الدولة، وفقاً لسجلات الشرطة والمحاكم. ارتكب هذه الأحداث العنيفة الشباب، ولكن جاء التمويل والتخطيط من القيادات الوسطى للتنظيم، الذين مكثوا في مصر بعد أن هربت قياداتهم العليا أو وقعت قيد الاعتقال.
كان الهدف من هذه العمليات هو إثارة حالة من الفوضى غير القابلة للسيطرة لإجبار القيادة السياسية المصرية الجديدة ممثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي على السعي إلى تسوية سياسية مع الإخوان، كما فعل نظام مبارك المتسلط من قبل.
وعلى الرغم من أن نظام مبارك وإعلامه تعاملا مع الإخوان المسلمين باعتبارهم «جماعة محظورة»فإنه لم يمنعهم من ممارسة أنشطة حشد سياسي في الظل بين جمهور المواطنين. واستطاع الإخوان بذكاء استغلال الفرصة لاجتذاب عدد غير مسبوق من الأنصار بأن قدموا للمواطنين خدمات صحية واجتماعية عجز نظام مبارك الفاسد عن تقديمها. ونتيجة لذلك استطاع الإخوان المسلمون الفوز بـ88 مقعدا في البرلمان (حوالي 20 في المائة) في الانتخابات التشريعية التي أقيمت عام 2005، والتي كانت علامة فارقة في تاريخ الجماعة. ويفسر ذلك أيضاً سبب تمتع التنظيم بأعداد كبيرة من الأنصار بين الجماهير عند اندلاع ثورة الربيع العربي ضد مبارك، مما مكنَّهم من الاستحواذ على الرئاسة وأغلبية البرلمان في عام 2012. ولكن لم يمر وقت طويل قبل أن يكتشف المواطنون المصريون، الذين خُدِعوا بالخطاب الديني والخدمات الاجتماعية التي قدمها الإخوان المسلمون، أن الجماعة لا تقل فساداً ولا استغلالاً عن نظام مبارك.
وعقب الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين من الحكم في عام 2013 مباشرة، قرر 600 من أعضاء الجماعة من الشباب الاستقالة وإنشاء حزب إسلامي سياسي خاص بهم. وكان تحركهم الجريء يمثل تمرداً على السياسات المعيبة التي يتخذها قادة التنظيم والتي أدت إلى إسقاطهم من الحكم. في الوقت ذاته، كشف الشباب المنشق لوسائل الإعلام أنهم يرفضون طاعة أوامر قادتهم بإحداث الفوضى في جميع أنحاء مصر. وبعد عدة أعوام، اختفت هذه المجموعة من شباب الإخوان المنشقين بلا أثر، مما يوحي بأن ظهورهم في ذلك التوقيت كان مناورة تكتيكية من الجماعة لضمان بقائها السياسي داخل مصر بعد سقوطها المدوي في قبضة الأجهزة الأمنية.
في الوقت ذاته، قرر عدد كبير من شباب الإخوان، ويقدر عددهم بأربعة آلاف عضو، اتباع مسار الجهاد العنيف لتعويض فشل الجماعة السياسي. ولم يكونوا مدفوعين بأثر صدمتهم النفسية ورغبتهم في إثبات أنفسهم أمام قادتهم وأنصارهم فحسب، بل أرادوا الحفاظ على تدفق التمويل إلى الجماعة من جهات خارجية عبرهم وليس عبر قياداتهم، بأن يظهروا لرعاتهم ومموليهم الأجانب أنهم هم محركو الجماعة.
أنشأ بعضهم ميليشيات صغيرة مثل «حسم»، وبدأوا في ممارسة نشاطهم داخل مصر حتى تم اعتقالهم في عام 2015. ولكن هرب أغلبهم من مصر للانضمام إلى تنظيمات إرهابية مثل داعش في الشام وشرق أفريقيا. وفي مطلع أكتوبر (تشرين الأول)، أعلنت السلطات السودانية اعتقال خلية إرهابية تابعة لداعش يقودها شاب مصري كان عضواً في تنظيم الإخوان. كما ظهرت تقارير مشابهة عديدة في الأعوام القليلة الماضية عن شباب من الإخوان ينضمون إلى تنظيمات إرهابية في سوريا وليبيا.
أما العدد الضئيل من شباب الإخوان الذين حالفهم الحظ واستطاعوا الهرب من مصر في ذيل قادتهم الهاربين إلى تركيا وقطر، فلا يقلون معاناة بسبب أنانية قياداتهم. وفقاً لتصريحاتهم المنشورة في مقاطع فيديو، عانى هؤلاء الشباب من معاملتهم كالعبيد على يد القيادات الذين استحوذوا على أوراق اللجوء والسفر الخاصة بهم لإجبارهم على العمل بمقابل زهيد. وعندما حاولوا التمرد باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، طُردوا من وظائفهم ذات الرواتب الزهيدة وانتهى الحال ببعضهم إلى التشرد، فأصبحوا يبيتون على الأرصفة في شوارع إسطنبول. ومع ذلك، ضاعفت من معاناتهم الإجراءات المقيدة الأخيرة التي اتخذتها السلطات التركية لتحجيم أنشطة الإخوان على أراضيها، في جزء من عملية المصالحة مع مصر. حتى إن أغلبهم انتهت صلاحية جوازات سفرهم المصرية وبالتالي لا يستطيعون الانتقال من تركيا إلى أي دولة أخرى عبر سبل شرعية.
كان محمود عزت هو الشخص الوحيد في كيان الإخوان المنهار الذي يستطيع احتواء الشباب المتمرد داخل التنظيم. وكانوا يفضلونه إلى درجة الوقوف معه ضد قيادة إبراهيم منير في لندن. كان عزت بالنسبة لهم المرشد العام الفعلي. واستغل عزت هذه الشعبية بين شباب التنظيم لإدارة جيش على وسائل التواصل الاجتماعي لإيهام الجمهور المحلي والدولي بأن الجماعة لا تزال نشطة ومؤثرة. وعندما اعتقلته السلطات المصرية في أغسطس (آب) عام 2020، أضعف هذا من إرادة الشباب المتمرد ضد قادته.
وفي أغسطس 2019، سرَّب شباب الإخوان القابعون في السجون في مصر رسالة بخط اليد موجهة إلى القيادة السياسية المصرية. طلبوا في الرسالة من السلطات منحهم فرصة ثانية لمراجعة فكرهم الجهادي العنيف وبالتالي عودتهم إلى الالتحام مع المجتمع المصري كمواطنين سلميين. كما أوضحوا في الرسالة أن تلك مبادرة من الشباب وليس لها علاقة بقيادات جماعة الإخوان الذين وصفوهم بأنهم بعيدون وغير مهتمين. ولكن لم تجد مناشداتهم آذاناً صاغية. وتعرف القيادة السياسية المصرية للرئيس السيسي بموقفها الذي لا يتزحزح ضد جماعة الإخوان. كذلك تجاهل السيسي عروض أخرى للمصالحة والتسوية قدمها قادة الإخوان في الأعوام الخمسة الأخيرة.
تفكك شبكة الدعم
لا تعد الانشقاقات الداخلية والصراعات المستعرة على المناصب القيادية داخل التسلسل الهرمي لقيادة التنظيم، أو بين القيادة القديمة والقاعدة التي تضم أعضاء الجماعة من الشباب، بالأمر الجديد. في الواقع هذه الصراعات الداخلية قديمة قدم الجماعة ذاتها. ووقع أكثرها إثارة للاهتمام في منتصف العقد الأول من القرن الحالي عندما حاولت امرأة شابة من أعضاء الجماعة التمرد على مكتب الإرشاد والمطالبة بحقوق متساوية مع زملائها من الرجال في تسلسل السلطة داخل الجماعة. ولكن النزاعات الداخلية الحالية بين قادة التنظيم هي الأولى في ظل غياب شبكة الدعم الدولية التي كانت تحظى بها الجماعة.
لطالما كانت هناك شبكة حماية تسمح لأعضاء التنظيم بإدارة نزاعاتهم الداخلية دون أن تؤثر على تماسك الجماعة أو استمرارية أنشطتها. وكانت هذه الشبكة ممتدة بقوة على مدار العقد الماضي للحفاظ على كيان الجماعة لأطول قدر ممكن، لا سيما بعد سقوطها من السلطة في مصر. ولكن حالياً أصبحت خيوط الشبكة الرئيسية إما بالية وإما تكافح ضد تمزق حتمي.
تتمثل أهم خيوط شبكة دعم الإخوان التي تضاءلت الآن في محور تركيا- قطر. بعد توقيع اتفاق العلا مع الدول العربية الأربع مصر والسعودية والإمارات والبحرين في يناير (كانون الثاني) الماضي، اتخذت قطر خطوات صادقة لإعادة بناء علاقاتها الإقليمية. وتطلب ذلك التخلي عن دعمها غير المشروط للإخوان، والذي كان أحد الأسباب التي أثارت الخلاف مع الدول العربية الشقيقة. ومن جهة أخرى، كانت تركيا قد قدمت لقادة الإخوان الهاربين ملاذاً آمناً للإقامة والعمل. وأعرب الرئيس التركي أردوغان عن دعمه غير المشروط للإخوان المسلمين، على الرغم من أن ذلك كبده خسارة العلاقات مع مصر والسعودية والإمارات الذين يتمسكون بمحاربة الآيديولوجيا الجهادية والسياسية المتطرفة للتنظيم. بيد أنه في الشهور القليلة الماضية، اتخذت الاستخبارات التركية إجراءات مقيدة ضد أنشطة الإخوان على أراضيها، وخاصة الأنشطة الإعلامية التي تستهدف تشويه النظام والرئيس المصري. ونتيجة لذلك كان على قيادة الإخوان في لندن إصدار أوامرها بغلق مقار الإخوان في تركيا وقطر منذ ثلاثة أشهر.
أحد الخيوط الأخرى المهمة المتآكلة في شبكة دعم الإخوان هي الأحزاب السياسية التابعة لها، والتي تتولي مواقع اتخاذ القرار في دول عربية مهمة. يتضمن ذلك على سبيل المثال حزب النهضة في تونس والعدالة والتنمية في المغرب وجبهة العمل الإسلامي في الأردن. تعاني جميع هذه الأحزاب من الانهيار مثل قطع الدومينو في العامين الماضيين. في المغرب، في سبتمبر (أيلول)، خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات التشريعية لصالح حزب ليبرالي وفقد نفوذه القوي في صناعة القرار بالمملكة. وفي العام الماضي، أصدرت محكمة عليا بالأردن قراراً بحل جماعة الإخوان المسلمين وبالتالي أصبح حزب جبهة العمل الإسلامي في موقف عصيب. وفوق كل ذلك، يتعرض حزب النهضة التونسي للتفكيك في الوقت الحالي تحت وطأة الضغط الشعبي حيث يتصاعد نفوذ الرئيس التونسي قيس سعيد المناهض للإخوان المسلمين.
من المؤكد أن الإخفاقات المتزامنة للأحزاب السياسية التابعة للإخوان المسلمين في أكثر من دولة تلقي بثقلها على التنظيم ككل وتقوض من شرعيته ومصداقيته في جميع أنحاء العالم، وخاصة في ضوء النزاع الدائر بين منير وحسين.
تحفيز ضروري
هذا الانقسام الداخلي الذي تمر به جماعة الإخوان المسلمين الآن، مع الضغوط المالية والسياسية الخارجية التي تزيده اشتعالاً، غير مسبوق في تاريخ الجماعة. ويلاحظ فيه حدوث انقسامات أفقية ورأسية شديدة في هيكل التنظيم الأساسي في ظل غياب الدعم المالي والسياسي الخارجي الملائم. وهذه النزاعات الراهنة بين قادة الإخوان المقيمين في لندن وإسطنبول، لا تضع جبهة حسين في موقف أسوأ فحسب، بل تكشف عن فشل جبهة منير إذا أخفق في ملء المواقع القيادية التالية له بأتباع مخلصين لهم شعبية بين قاعدة التنظيم ورعاته. ويعني ذلك ببساطة أن النزاع الحالي بين منير وحسين قد يكتب النهاية المأساوية لقصة الإخوان المسلمين التي تعود إلى عشرينات القرن الماضي. بيد أن عاملاً محفزاً لا يزال ضرورياً لضمان الإسراع بانهيار الجماعة ومنع منير من إعادة جمع القطع المبعثرة. من الضروري إعادة تنشيط التعاون بين الدول العربية المتحالفة: مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ولكن ذلك لا يزال غائباً. بالتوازي يحتاج التحالف العربي المذكور إلى تعزيز العلاقات الفردية التي أعيد إحياؤها أخيراً مع تركيا وقطر، مما يحول دون عودة شجرة الإخوان اليابسة إلى الإزهار مرة أخرى.