Friday, October 15, 2021

سقوط الأوراق الذابلة في شجرة تنظيم الإخوان

 


يتفق أغلب المتابعين لتنظيمات الإسلام السياسي على أن جماعة الإخوان المسلمين قد انتهت منذ أن سقط حكمها وخرجت قيادات الجماعة من مصر في يوليو ٢٠١٣، وأن إعلان شهادة وفاة التنظيم الدولي للإخوان هو مسألة وقت، إلا أن الأحداث الناجمة عن الضغوط الخارجية والصراعات الداخلية التي يتعرض لها التنظيم في الأشهر الأخيرة تبشر بأن هذا اليوم قد أقترب.

منذ السقوط المدوي لجماعة الإخوان في مصر، من فوق أعلى قمة في السلطة، تصارع قيادات الجماعة، الذين هربوا إلى تركيا وقطر وبريطانيا، لتجنب مشهد النهاية الحتمية بكافة السبل؛ أحياناً بالاعتماد على نظرية إثارة الفوضى العارمة من خلال استخدام العنف والتخريب والاغتيالات، مثلما رأينا في مصر في الفترة ما بين ٢٠١٣ و٢٠١٥، وأحياناً من خلال تعمد تشويه الدولة المصرية والرئيس السيسي عبر وسائل الإعلام التي وفرتها لهم بعض الدول التي هربوا إليها أملاً في أن يضع ذلك الدولة المصرية تحت ضغط سياسي أو اقتصادي يجبر القيادة السياسية على تقبل عودة الإخوان، وأحياناً أخرى باستجداء أي فرصة عابرة لطرح عروض المصالحة مع القيادة السياسية في مصر، على أمل السماح لهم بالعودة إلى أرض مصر والعمل كحزب أو جماعة سياسية على غرار ما حدث بينهم وبين نظام مبارك في السنوات الأخيرة من حكمه، وهو الأمر الذي رفضه الشعب المصري قبل أن ترفضه القيادة السياسية. 

طوال السنوات الثمانية التي مضت منذ خروج الإخوان من مصر، تعرضت الجماعة لعدة اهتزازات في بناءها التنظيمي كادت أن تقضي عليها تماماً، أهمها هو حالة الانقسام الحادة بين القيادات الذين هربوا إلى الخارج، وبين القواعد الشبابية، الذين فقدوا الثقة تماماً في هذه القيادات بعد أن تركوهم يدفعون ثمن أطماع الجماعة وأفعالها وحدهم، بين انغمست القيادات في صراعات وهمية على قيادة تنظيم يحتضر. 

إلا أنه دائماً كانت هناك شبكة من الحماية تسمح بحدوث هذه الخلافات الداخلية بين الجبهات المتصارعة على قيادة التنظيم دون الإضرار بالتنظيم نفسه، وتتكون عناصر الحماية في هذه الشبكة من الدعم المالي والمخابراتي الذي كانت تحظى به الجماعة من جانب الدول التي كانت تحتضن قيادات الجماعة، مثل تركيا وقطر وبريطانيا وأيضاً ألمانيا، وانتشار خلايا التنظيم بشكل مرتب في بعض الدول تحت مسميات مختلفة، مثلما هو الحال في الكويت والسودان وحتى الولايات المتحدة الأمريكية، وقدرة أحد قيادات التنظيم، وهو محمود عزت، على احتواء شباب الجماعة داخل مصر وتفعيل دورهم التنظيمي على أكثر من مستوى رغم القيود الصارمة المفروضة من الدولة المصرية على أنشطة الجماعة منذ إعلانها تنظيم إرهابي في ديسمبر ٢٠١٣، بالإضافة إلى وجود بعض الأحزاب التابعة للتنظيم في مواقع سياسية وتشريعية قائدة في أروقة صناعة القرار في بعض الدول العربية مثل تونس والمغرب والأردن. 

أما الصراع المحتدم مؤخراً بين جبهتي إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام، ومحمود حسين الأمين العام السابق للجماعة، والذي حاول أكثر من مرة إعلان نفسه المرشد العام، يأتي في ظل حالة من الضعف الشديد لشبكة الحماية التي أنقذت الجماعة في كل المواقف السابقة، وهو ما يهدد حقاً بسقوط الأوراق الذابلة القليلة الباقية في شجرة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، حيث لم يعد محمود عزت موجوداً، بعد أن تم القبض عليه العام الماضي، لاحتواء شباب الجماعة، الذين طالبوا في أكثر من خطاب في الفترة الأخيرة بالانفصال عن الجماعة وعمل مراجعات تؤهلهم لإعادة الاندماج في المجتمع المصري، وهو أمر في منتهى الخطورة لو حدث ولا أظن أن القيادة السياسية ستقدم عليه في أي وقت قريب، وكذلك فقد التنظيم دعم تركيا وقطر، منذ أن بدأت كل منهما في السعي لفتح صفحة جديدة مع مصر والسعودية والإمارات، وبدأت الخلايا الإرهابية التي يدعمها التنظيم تنكشف، وأخرها الكشف، في الأسبوع الماضي، عن عناصر الإخوان الذين انضموا إلى تنظيم داعش في السودان، ناهيك طبعاً عن سقوط حزب النهضة في تونس وحالة التخبط والتشرذم غير المسبوقة التي يعاني منها ما تبقى من حزب النهضة هذه الأيام.

إن حالة الانهيار الذاتي التي تمر بها جماعة الإخوان المسلمين، هي بحاجة لمحفز خارجي يضمن التعجيل بتوالي الانهيارات الداخلية، ويحول دون ظهور طوق نجاة قد يمكن الإخوان من جمع الشتات تحت قيادة جديدة وبشكل غير متوقع. يتمثل هذا العامل المحفز في ضرورة توفر عمل سياسي ودبلوماسي مشترك بين مصر والسعودية والإمارات، أحد روافده هو بذل جهد دبلوماسي أكبر في توطيد العلاقات مع قطر، والتي تطورت بشكل مذهل في الأشهر القليلة الفائتة منذ توقيع بيان العلا ونهاية الأزمة الخليجية، وأيضاً التعجيل بعمل مصالحة حقيقية مع تركيا على أرضية برجماتية تقوم على المصالح الثنائية والإقليمية المشتركة، لا سيما في ظل ما يتردد من أخبار عن تغيرات سياسية كبيرة محتملة في نظام الحكم التركي في خلال السنتين القادمتين.