Tuesday, October 12, 2021

لا تظلموا السوشيال ميديا



أن يصل الأمر بالسيد وزير التربية والتعليم أن يشتكي، ومعه كل الحق في ذلك، من معاناته مع ما يفعله بعض أولياء أمور طلاب المدارس على منصات التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا)، من نشر شائعات وتحريض على ممارسة أعمال غير لائقة والتدخل بشكل يضر بعملية صناعة السياسات في الوزارة، هو أمر خطير ويستحق التأمل في أسبابه حتى نعرف كيف نعالجه، خصوصاً إذا وضعنا هذا المشهد المحزن إلى جانب حقيقة أن مجلس الوزراء المصري قد خصص منذ بضعة سنوات غرفة عمليات تعمل بطاقم كامل من الباحثين لتقوم بالرد على الشائعات التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان لها تأثير كبير في تكدير السلم العام وتشويه صورة الدولة والحكومة في أعين المواطنين.

إن مصر ليست الدولة الوحيدة التي تشتكي من تأثير السوشيال ميديا على ديناميكية العلاقة بين الدولة والمواطن، الولايات المتحدة، حاضنة الديمقراطية في العالم، هي في صراع ممتد منذ سنوات مع أكبر وأشهر مواقع التواصل الاجتماعي، "فيسبوك"، حتى أن مجلس الشيوخ اتهم المنصة الاليكترونية أنها تتلاعب في نتائج الانتخابات الرئاسية. 

لكن أين الحقيقة؟ هل فعلاً منصات السوشيال ميديا هي شيطان هذا العصر، والسبب الخفي وراء معاناة الإنسانية؟ أم أن مواقع التواصل الاجتماعي قد أخذت بذنب مستخدميها؟ هي في الأصل مجرد أدوات، لا حول لها ولا قوة، والمتحكم الحقيقي فيها هو الإنسان، فإما يستخدمها في الخير لتنتج خير أو يستخدمها في الشر لتنتج شر. 

لأكثر من ست ساعات، مساء الرابع من أكتوبر، اضطر ملايين الأشخاص حول العالم إلى تعليق أنشطتهم الاجتماعية والتجارية لأن أكثر المنصات شعبية (فيسبوك وأنستجرام وواتساب) قد تعطلت لأسباب فنية. تسبب التعطل في خسائر مالية هائلة. شركة فيسبوك وحدها خسرت سبعة مليار دولار في هذه الليلة. هذا فضلاً على إثارة حالة من الارتباك والاضطراب النفسي بين عدد كبير من المستخدمين الذين يعتمدون على هذه المنصات في التواصل مع الأهل والأحباء. لكن ربما أكثر التبعات الصادمة لهذا الانقطاع كانت أنه وضعنا أمام حقيقة مفادها أن وسائل التواصل الاجتماعي قد أصبحت جزء لا يتجزأ من وجودنا البشري، سواء رضينا بذلك أم لم نرضى.

الغريب، أنه قبل تعطل فيسبوك والمواقع الأخرى التابعة له، في تلك الليلة، كانت هناك حملة إعلامية وسياسية تستهدف محاسبة فيسبوك بدعوى أنه يؤثر سلباً على الصحة العقلية للأطفال والمراهقين، وصلت الحملة إلى استدعاء "فرانسيس هوجان"، موظفة سابقة في فيسبوك، للشهادة أمام مجلس الشيوخ بعد ظهورها في الإعلام محذرة الجماهير بضرورة مقاطعة فيسبوك وأنستجرام، نظراً للخطر الكبير الذي يشكلونه على حالتهم النفسية، وقد قالت هوجان أمام مجلس الشيوخ أن فيسبوك يمثل تهديد على الديمقراطية الأمريكية، وأن إدارة فيسبوك تتعمد عدم التدخل لجعل استخدام المنصات التابعة للشركة أقل خطراً، لكنها لا تفعل ذلك حتى لا تتأثر الأرباح التي تجنيها.

لاقت ادعاءات هوجن هوى لدى قطاع عريض من المعادين لمواقع التواصل الاجتماعي بدعوى أنه يسبب الإدمان ويمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، رغم كونهم هم أنفسهم يستخدمون هذه المنصات بشكل مستمر. الطريف أن نفس الاتهامات تقريباً كان قد كالها البعض ضد التليفزيون والراديو عند بداية ظهورهم القرن الماضي، لكن مع مرور الوقت أصبحوا جزء من الحياة العادية للبشر، إلى حين ظهر الأنترنت وتم إحلال دورهم بمواقع أخرى مثل يوتيوب وفيسبوك وغيرها. لكن المزعج هنا هو هذا الكم الهائل من الحكومات التي تدعم مثل هذه الادعاءات المتجنية على السوشيال ميديا، وعلى رأسها الحكومة الأمريكية. 

منذ بداية هذا العام، على الأقل، تتخذ العديد من الحكومات في جميع أنحاء العالم تدابير غير مسبوقة للسيطرة على العدد المتزايد من المواطنين الذين ينشئون محتوى إعلامي على منصات التواصل الاجتماعي. يمكن اعتبار هذا حلقة ضمن المعركة الأكبر، المستمرة منذ ما يقارب الخمس سنوات، بين وسائل التواصل الاجتماعي والحكومات حول العالم. وصل هذا الصراع ذروته ما بين عامي ٢٠١٧ و٢٠١٩، عندما أطلقت حملات واسعة، لا نعرف من يقف وراءها أو يصرف عليها، لتشجيع الشباب، الذين يمثلون غالبية المستخدمين، على مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي. ذهبت هذه الحملات إلى حد الادعاء بأن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تضر بالصحة العقلية وتسرق أرواحهم وحياتهم. في مرحلة ما، قامت هذه الحملات المعادية للسوشيال ميديا، بتحميل فيسبوك مثلاً مسؤولية فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام ٢٠١٧، واتهمت المنصة الإليكترونية بأنها تلاعبت بالناخبين لتؤثر على تصويتهم.

في عام ٢٠٢٠، أثبتت تلك الحملات المعادية للسوشيال ميديا أنها لم تكن سوى عملية احتيال كبرى لصالح أطراف ما، خصوصاً عندما لعبت منصات التواصل الاجتماعي الدور الأهم في تخفيف وطأ قرارات العزل الصحي وحظر التجوال التي فرضتها الكثير من الحكومات حول العالم على المواطنين، لمدة قاربت سنة كاملة، في محاولة للسيطرة على انتشار وباء كورونا. الضغط النفسي الشديد الذي خلفته الجائحة وتبعاتها الاقتصادية والسياسية، كان من الممكن أن يصيب الأشخاص بالجنون حرفياً، لولا توافر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي مكنتهم من استمرار التواصل مع أحباءهم ومشاركة تجاربهم رغم ظروف الحجر الصحي الصعبة.

لو أن هناك شيء واحد قد تتفق عليه الحكومات الديمقراطية والديكتاتورية، هذا الشيء هو الحاجة إلى السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على المواطنين. ولو أن هناك شيء واحد قد يتفق عليه غالبية المواطنين في جميع أنحاء العالم، سيكون هذا الشيء هو أهمية وسائل التواصل الاجتماعي التي منحتهم نفوذ غير مسبوق لإدارة العالم على طريقتهم. 

وسائل التواصل الاجتماعي تستطيع، بل استطاعت بالفعل، أن تحقق أمور عظيمة في تاريخ البشر عندما أحسن البشر استخدامها. أنا رأيت بعيني وسائل التواصل الاجتماعي تمكّن النساء في المجتمعات المغلقة من التعبير عن أنفسهن ومحاربة مظاهر الاضطهاد الاجتماعي الممنهج ضدهن. كما رأيت أيضًا وسائل التواصل الاجتماعي تساعد في اكتشاف وإنقاذ أرواح اللاجئين الفارين من الحروب الأهلية والإرهاب الذي اجتاح منطقة الشرق الأوسط في العشر سنوات الأخيرة. 

من هذا المنطلق، فنحن إذاً لسنا بحاجة إلى مقاطعة وسائل التواصل الاجتماعي لنكون سعداء أو أحرار. على العكس من ذلك، نحن بحاجة إلى الانغماس في هذه التجربة الفريدة التي تميز عصرنا الحاضر، وتتيح لنا التواصل مع كل البشر بشكل غير مسبوق. ضمان السعادة والحرية في استخدامنا لهذه المنصات يتطلب تغيير تصورنا وأهدافنا نحن منها، وهذا أمر ليس بسيط.