أعلنت وزارة الدفاع المصرية، في وقت سابق من هذا الشهر، تعيين متحدث عسكري جديد هو العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ. يعتبر منصب المتحدث العسكري حديثًا نسبيًا على المجتمع المصري بالرغم من أهميته البالغة محلياً ودولياً. لقد لعب المتحدثين العسكريين الثلاثة السابقين للمتحدث الجديد دورًا محورياً في تعزيز العلاقات المدنية-العسكرية في مصر، على المستوى الداخلي، ودحض الاتهامات الجائرة التي يوجهها الإعلام الغربي إلى المؤسسة العسكرية من وقت لأخر. من المتوقع أن يلعب المتحدث العسكري الجديد، بما يمتلكه من مؤهلات، دورًا مهمًا يتناسب مع تطلعات مصر في المرحلة الهامة القادمة، والتي تسعى فيها مصر إلى إعادة تشكيل تحالفاتها العسكرية والسياسية على مستوى العالم.
إن القوات المسلحة هي المؤسسة الأهم في مصر، وهي تتمتع باستقلال سياسي واقتصادي مكنها من لعب دور مؤثر في كافة أرجاء حياة المصريين على طول تاريخها الممتد لأكثر من قرن، وهذا لا يشمل فقط الدور التقليدي للجيش المتمثل في الحفاظ على أمن الحدود والاستعداد لخوض الحرب. نحن نفتخر بأن الجيش المصري قد تم تصنيفه على مؤشر جلوبال فايرباور لعام ٢٠٢١ كثاني أقوى جيوش منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وضمن أقوى ١٢ جيش على مستوى العالم.
إلا أن دور الجيش المصري يمتد إلى ما هو أبعد من دوره العسكري التقليدي، ليشمل أيضًا الدور غير التقليدي المتمثل في توفير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين، من خلال دعم أداء الحكومة المدنية في هذه القطاعات كلما استدعت الضرورة. إن نجاح الحكومة المصرية، بمساعدة المؤسسة العسكرية، في التعامل مع التحديات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي فرضتها جائحة كوفيد، العام الماضي، هي أحدث الأشكال التي تبلور من خلالها الدور الاجتماعي والاقتصادي المهم للمؤسسة العسكرية المصرية.
للمؤسسة العسكرية دور محوري أيضاً على الصعيد السياسي أثبتته التحولات السياسية الحادة التي شهدتها مصر طوال العقد الماضي. على عكس توقعات قطاع كبير من المحللين الغربيين، لم يكن للدور الذي لعبته القوات المسلحة المصرية في إعادة التوازن للمسرح السياسي المصري، بعد ثورة ٢٠١١، أي تأثير سلبي على تطوير الدولة المدنية أو بناء قواعد الديمقراطية في الدولة. بل على العكس من ذلك، فإن المؤسسة العسكرية، التي انحازت لإرادة الشعب معتمدة على استقلاليتها ومصداقيتها بين المواطنين في ثورة يناير، هي التي تولت عملية تسهيل وتلطيف حدة التحولات السياسية الكبرى التي جرت على مدار أول خمس سنوات بعد الثورة. ولولا الدور الذي قامت به القوات المسلحة في هذه المرحلة، ما تحرر الناس من الخوف والعوز الذي سقطت بسببه دول أخرى مرت بنفس تجربة مصر مع الربيع العربي، وما تمكن المصريون من المشاركة في الانتخابات وغيرها من الأنشطة السياسية التي رسمت ملامح مستقبلهم.
لا تزال منطقة الشرق الأوسط بأكملها تكافح من أجل احتواء العديد من العواقب السلبية التي خلفتها ثورات الربيع العربي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر سقوط بعض الدول، والتدخلات الخارجية في شئون دول عربية، والحروب بالوكالة، والحروب الأهلية، وانتشار المنظمات الإرهابية. لكن مصر، بفضل جيشها القوي عسكرياً وصاحب التأثير الواسع سياسياً، كانت واحدة من دولتين فقط استطاعا النجاة من ويلات الربيع العربي عبر استعادة النظام العام، والحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة الوطنية، وإعادة تأسيس منظومة حكم مستقرة.
على الرغم من دورها الحاسم وتأثيرها الكبير على تفاصيل الحياة اليومية لعموم المصري، ظلت القوات المسلحة، طيلة عقود، كيانًا مغلقًا وغامضاً، بالنسبة لغالبية المصريين. لم يكن هناك اتصال مباشر بين مؤسسة الجيش والجمهور. كانت الأخبار العسكرية ترسلها وزارة الدفاع، في شكل بيان مكتوب أو مصور، إلى وسائل الإعلام الرسمية التابعة للدولة، والتي كانت تنشرها دون أي تدخل أو تعديل. فقط بعد ثورة ٢٠١١، وبدافع من حاجة الجيش للتواصل مع المواطنين، وحاجة المواطنين لفهم طبيعة عمل ودور المؤسسة العسكرية، ظهر منصب المتحدث العسكري.
اليوم، لا تمتلك المؤسسة العسكرية المصرية موقعًا إلكترونيًا أو اتصالات يومية نشطة مع وسائل الإعلام المحلية والدولية فحسب، بل تدير أيضًا صفحات لها عدد كبير من المتابعين على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة. على سبيل المثال، لدى صفحة المتحدث العسكري على موقع فيسبوك أكثر من ثمانية ملايين متابع، وعلى تويتر أكثر من ثلاثة ملايين متابع. لقد كان لهذا الانفتاح غير المسبوق في العلاقة بين القوات المسلحة والشعب المصري دورًا مهمًا، على مدار السنوات العشر الماضية، في مساعدة مصر في معركتها الرئيسية ضد أعداء الداخل والخارج، من أجل البقاء والبناء.
مثل أسلافه الثلاثة، يتمتع المتحدث العسكري الجديد، العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ بسيرة ذاتية مبهرة، تضم قائمة طويلة من الإنجازات المهنية والأكاديمية العسكرية والمدنية. بالإضافة إلى سجله المشرف في الخدمة العسكرية، حصل العقيد غريب على عدة شهادات عليا من مؤسسات أكاديمية دولية في ألمانيا واليونان والصين. كما يدرس للحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية. لا شك أن المتحدث الشاب، بكل ما يحمل من مؤهلات، هو الشخص المناسب لتمثيل الصوت الإعلامي للمؤسسة العسكرية المصرية في المرحلة القادمة، التي تقبل فيها مصر على تشكيل تحالفات إقليمية ودولية غير مسبوقة. نتمنى له التوفيق في هذه المهمة الصعبة.