إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لم يكن أبداً رجل الوعود السياسية الكاذبة. لم يحدث أن تعهد السيسي أمام المواطنين بفعل شيء إلا واتخذ كل ما يلزم لتحقيقه على أرض الواقع، ومهما كانت صعوبته، لا سيما لو أن الأمر يتعلق بتمكين المرأة أو المواطنين المسيحيين، الذين حرموا من حقوقهم الأساسية لفترات طويلة، لأسباب سياسية واجتماعية يطول شرحها.
في الثاني من يونيو، عقد الرئيس السيسي اجتماعا نادرا لكنه مهم مع مجلس القضاء الأعلى. وصدر خلال الاجتماع عدد من القرارات التاريخية، وتشمل بناء "مدينة العدالة" في العاصمة الإدارية الجديدة، وهو أمر بالغ الأهمية لتحسين البنية التحتية للسلطة القضائية في مصر، وتسهيل زيارة المواطنين للمحاكم والخدمات الأخرى المتعلقة بالقضاء. بالإضافة إلى ذلك، اتفق الرئيس والقضاة على إجراء عدة إصلاحات بشأن عملية تعيين القضاة وتكليفهم بالمهام، بما يضمن الشفافية وتكافؤ الفرص للمرشحين للمناصب القضائية.
من المهم هنا الإشارة إلى أن القضاء المصري يتمتع باستقلالية كاملة يكفلها له الدستور، وقد ساعد استقلال النظام القضائي في مصر على استمرار السلطة القضائية كأحد أهم أعمدة الدولة، بأعلى درجات القوة والثبات، حتى في أوقات الفساد الصعبة والتحولات السياسية التي ضربت السلطة التنفيذية للدولة أكثر من مرة في الخمسة عقود الماضية.
لقد كان القرار الأهم على الإطلاق بين كل القرارات غير المسبوقة التي تم الإعلان عنها في اجتماع الرئيس مع مجلس القضاء الأعلى هو أنه، أخيراً، تم تحديد الأول من أكتوبر موعدًا لبدء عمل القاضيات السيدات رسميًا في مجلس الدولة والنيابة العامة. يأتي هذا القرار كتابع لتوجيهات سابقة من الرئيس السيسي لوزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ومجلس الدولة لاتخاذ الإجراءات المناسبة للسماح للقاضيات بالوصول إلى الوظائف الشاغرة في النيابة العامة ومجلس الدولة.
أخذ الرئيس السيسي هذا القرار الحاسم، ضمن احتفالات يوم المرأة العالمي، في ٨ مارس، كهدية من الرئيس للنساء المصريات. ويعد هذا قراراً ثورياً بمعنى الكلمة، حيث أن الرئيس السيسي هو أول رئيس للدولة يجرؤ على تفعيل هذا الحق الدستوري للمرأة، بينما فضل كل أسلافه إبقاء الملف محفوظاً على الرف لسنوات عديدة، خوفاً من الاصطدام بالتحيزات الاجتماعية والدينية غير المنصفة، التي كانت سبباً في منع المرأة من تقلد المناصب العليا في الدولة، حتى زمن قريب.
في العام ٢٠٠٧، ضمن العديد من الإصلاحات الإيجابية التي تم إجراؤها لصالح المرأة من قبل السيدة الأولى آنذاك سوزان مبارك؛ مُنحت المرأة المصرية الحق الدستوري في تولي منصب قاضية جالسة على منصة القضاء، لأول مرة في التاريخ. لكن منذ ذلك الحين، اقتصرت المهام التي تكلف بها القاضيات على دوائر محاكم محددة، تنظر في القضايا التي ترتبط في الغالب بقانون الأحوال الشخصية ومحكمة الأسرة. فقط بعد وصول الرئيس السيسي إلى السلطة بأجندة تدعم دور المرأة في الحياة العامة، بدأت القاضيات تشهدن تحسناً نوعياً في المهام الموكلة إليهن.
يكفل الدستور المصري والقوانين واللوائح ذات الصلة للمرأة حقها في السعي والمنافسة على الوظائف العامة، بما في ذلك المناصب في سلك القضاء. تنص المادة ١١ من الدستور الحالي على أن: "للمرأة حق تقلد المناصب الإدارية العامة والعليا في الدولة، والتعيين في السلطات والمكاتب القضائية دون تمييز". تنص المادة ٩ من الدستور على أن: "تلتزم الدولة بتوفير تكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز". كما تنص المادة ١٤ من الدستور على أن: "البحث عن الوظائف العامة حق مكفول لجميع المواطنين على أساس الكفاءة دون محاباة أو وساطة".
اليوم، تعمل في مصر ٦٦ قاضية في القضاء العادي، و١٩٨٠ قاضية في النيابة الإدارية، وأكثر من ٦٧٠ قاضية في هيئة قضايا الدولة، كما يوجد عدد من القاضيات اللائي عملن سابقًا بهيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا. وبرغم ذلك، فإن جميع الوظائف القضائية في مجلس الدولة كانت دائمًا مقصورة على الرجال. اعتاد مجلس الدولة، دون أسباب واضحة أو منطقية، على تجاهل الطعون الكثيرة التي تقدمت بها القاضيات والمجلس القومي للمرأة والبرلمان لتفعيل النصوص الدستورية في هذا الصدد. الآن فقط، بفضل شجاعة الرئيس سوف تتمكن القاضيات من التنافس مع نظرائهن الرجال على فرص العمل في مجلس الدولة.
إن هذه الدفعة القوية من قبل الرئيس السيسي للمرأة المصرية، ليست سوى خطوة واحدة في قائمة طويلة من القرارات الإيجابية التي اتخذها لتمكين المرأة في الحياة العامة، منذ توليه منصبه في عام ٢٠١٤. إذ تشغل النساء حاليًا ٢٥٪ من المقاعد في البرلمان المصري بغرفتيه، وتتولى المرأة المصرية لأول مرة مهمة قيادة ٨ وزارات في ظل الحكومة الحالية. صدق من قال إن عهد السيسي هو العصر الذهبي للمرأة المصرية.