كانت مصر واحدة من ١٤١ دولة تصوت تأييداً لقرار الأمم المتحدة التاريخي لإدانة الغزو الروسي غير المبرر لجارتها أوكرانيا، في الاجتماع الاستثنائي للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي عقد في 2 مارس، سابع أيام الحرب. قد جاء موقف مصر متفقاً مع مبادئ وقيم القيادة المصرية التي تقدر الحفاظ على سيادة الدولة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن القيادة المصرية قد حسبت سيناريوهات ما بعد الأزمة والتي جعلتها تؤيد الانحياز لموقف القوى الغربية، أوروبا والولايات المتحدة، في هذه المواجهة العالمية، على الرغم من معاهدات الصداقة والتعاون الاستراتيجي التي وقعتها مع روسيا، في السنوات الأخيرة.
في أكتوبر ٢٠١٨، وقع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والرئيس الروسي بوتين، اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، بهدف تعزيز التقارب الشخصي والسياسي الذي بدأ يتنامى بينهما منذ تولي الرئيس السيسي السلطة في عام ٢٠١٤. كان الغرض من الاتفاقية هو تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، لكن إلى جانبها كان هناك جهد مبذول لتعزيز التعاون العسكري أيضاً. في نفس الشهر الذي تم فيه توقيع هذه الاتفاقية، وقعت مصر عقودًا دفاعية مع روسيا، بقيمة ٢ مليار دولار، لشراء أسلحة وذخائر من بينها الطائرات المقاتلة الروسية الشهيرة السوخوي، طراز سو-٣٥. في ذلك الوقت، أثارت الصفقة استفزاز إدارة الرئيس ترامب في أمريكا، والذي اتهم مصر بشراء أسلحة روسية بأموال المساعدات الأمريكية، حيث أنه من المعروف أن الولايات المتحدة تقدم لمصر مساعدات عسكرية سنوية، قيمتها ١,٣ مليار دولار، منذ حوالي أربعين سنة.
على الرغم من أن مصر كانت تخاطر بتحالفها طويل الأمد مع الولايات المتحدة لفتح صفحة جديدة مع روسيا، إلا أن روسيا لم تكن أبدًا شريكًا موثوقًا به لمصر. لمدة ست سنوات، بين عامي ٢٠١٥ و٢٠٢١، حظرت روسيا الرحلات الجوية إلى مصر بشكل أثر سلبا على قطاع السياحة وضاعف المعاناة الاقتصادية للشعب المصري. بالإضافة إلى ذلك، وقفت روسيا إلى جانب إثيوبيا ضد مصر في نزاعهما الطويل الأمد على نهر النيل، على الرغم من أن مصر أوضحت أن الأمن المائي هو مسألة تتعلق بالأمن القومي وطلبت مساعدة روسيا في حشد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للتدخل من أجل حل النزاع. لكن بدلاً من ذلك، في يوليو ٢٠٢١، أدان ممثل روسيا في مجلس الأمن القيادة المصرية لتهديدها إثيوبيا بعدم المضي في ملء السد المتنازع عليه قبل ضمان حصة مصر في مياه النيل. وقد مثل ذلك إحراجًا دولياً وخيبة أمل كبيرة لمصر على يد روسيا التي تقول إنها صديقتها وحليفتها.
في المقابل، شهدت العلاقات والمصالح الاقتصادية بين مصر والدول الأوروبية نموًا مستمرًا في السنوات القليلة الماضية. على سبيل المثال، اشترت مصر معدات عسكرية متطورة من فرنسا وألمانيا، بالإضافة إلى صفقاتها الاقتصادية والبحرية مع دول جنوب أوروبا واليونان وقبرص. وفي الوقت نفسه، يتزايد اعتماد أوروبا على مصر كمصدر للغاز الطبيعي بشكل مستمر، وذلك بفضل بزوغ نجم مصر، في السنوات الثلاث الماضية، كمركز إقليمي في شرق البحر المتوسط لتسييل الغاز وتصديره إلى آسيا وأوروبا. في الربع الأخير من عام ٢٠٢١، بدأت مصر رسميًا في إرسال شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى تركيا وجنوب أوروبا. في يناير ٢٠٢٢، ولأول مرة على الإطلاق، أرسلت مصر شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى هولندا في شمال غرب أوروبا. من المتوقع أن تؤدي المواجهة الحالية بين روسيا والغرب، والعقوبات الاقتصادية المفروضة من أوروبا والولايات المتحدة على الاقتصاد الروسي، لا سيما الغاز والنفط الروسي، إلى تعزيز صناعة الغاز في مصر بطرق غير متوقعة. فقد أعلنت إسرائيل، الأسبوع الماضي، أنها بدأت لأول مرة في تصدير كميات إضافية من الغاز الطبيعي إلى مصر، عبر خط الغاز العربي الذي يمر عبر الأردن، بعد أن تم تجديده.
على الرغم من هذه الأسباب المنطقية التي تفسر سبب قرار مصر عدم الانحياز لروسيا في هذه الحرب بالذات، فإن الموقف الرسمي للدولة المصرية جاء مفاجأة للعديد من المثقفين والإعلاميين المصريين الذين أمضوا أيامًا منذ بداية الحرب، يشيدون بالعدوان الروسي على أوكرانيا ويحلمون بعودة الأيام الخوالي للنظام العالمي ثنائي القطبية، رغم كونه أمراً مستحيلاً بحسابات المنطق والسياسة. ربما لن تستغرب لو علمت أن عدداً منهم ما زال مخلصاً للفكر الناصري / الاشتراكي الذي أزدهر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، في أوج ازدهار الاتحاد السوفيتي، وما زال لديهم أمل أن بوتين قادر على أن يعيد أمجاد الاتحاد السوفيتي باعتدائه على الدول المجاورة وانتهاك سيادتها، وهو ما يعتبر جريمة في عرف القانون الدولي.