Friday, March 11, 2022

دور الخليج في مساعدة الغرب للقضاء على بوتين


 توشك الحرب التي أشعلها الرئيس الروسي، بوتين، في أوكرانيا على الدخول في الأسبوع الثالث من القتال الميداني التقليدي، ولا يزال الشعب الأوكراني يدافع ببسالة عن أرضه ووطنه، بدعم دولي غير مسبوق، بينما يلحق بروسيا عار الهزيمة الدبلوماسية والاقتصادية، حتى وإن كانت تبدو متفوقة عسكرياً. على الرغم من ذلك، فإن غرور بوتين ما زال يعميه عن إدراك الحفرة العميقة التي أسقط نفسه فيها، وبدلاً من أن يسحب قواته لتجنيب بلاده نزيفًا إضافيًا من المال والعنصر البشري، يقوم بتجنيد مرتزقة سوريين ليحلوا محل قواته المنهكة والمحبطة للغاية في داخل أوكرانيا.

في الثامن من مارس، صرح وزير الدفاع البريطاني، بن والاس، لوسائل الإعلام أن هذه الحرب تمثل نهاية بوتين. "مهما حدث، فإن الرئيس بوتين هو قوة مستهلكة في العالم وقد انتهى، وجيشه قد انتهى، وعليه أن يدرك ذلك." كما أكد والاس أن بوتين أصبح عبئًا على روسيا. "لقد أنهك جيشه، إنه مسؤول عن مقتل آلاف الجنود الروس، ومقتل الأبرياء. لقد هبط باقتصاده إلى الصفر. عليه أن يتحمل مسؤولية أفعاله".

على ما يبدو، فإن قادة العالم أيضاً مصممون على تحقيق نبوءة والاس بالقضاء على بوتين من خلال هذه الحرب. قبل ساعات قليلة من تصريحات والاس، التقى رئيس الولايات المتحدة بايدن، عبر الفيديو، برئيس الوزراء البريطاني جونسون، والرئيس الفرنسي ماكرون، والمستشار الألماني شولتز. أعاد القادة الأربعة، الذين يقودون العمل الدولي من أجل إنهاء الغزو الروسي لأوكرانيا، تأكيد عزمهم على "مواصلة رفع تكلفة الحرب على روسيا" ومواصلة "توفير المساعدة الأمنية والاقتصادية والإنسانية" لأوكرانيا.

لكن، في غضون القيام بذلك، يجب على زعماء العالم التأكد من أن تصعيد الضغوط الاقتصادية على روسيا لن يؤدي في النهاية إلى إسقاط نظام الاقتصاد الدولي ككل. ليس معنى هذا أن يتوقف الغرب عن محاربة بوتين من أجل إنهاء حربه غير المبررة على أوكرانيا، بل على العكس من ذلك، لقد أثبتت العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا فعاليتها حتى الآن. إلا أن العقوبات التي تستهدف روسيا بدأت بالفعل في إحداث صدمات في الاقتصادات المحلية الأخرى، بما في ذلك اقتصادات الدول التي فرضت العقوبات. على سبيل المثال، تضاعفت أسعار السلع الغذائية الأساسية، مثل القمح، ثلاث مرات، في حين قفزت أسعار النفط الخام، وهو مسألة حياة أو موت بالنسبة لأوروبا، من متوسط ٣٠ دولار إلى أكثر من ١٣٠ دولارًا أمريكيًا للبرميل.

ومن المتوقع أن تعاني معظم الدول العربية من تدهور اقتصادي نتيجة لذلك، لكن لدى دول الخليج العربي، وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر، القدرة على أن تلعب دورًا محورياً في تخفيف الضغوط على الاقتصاد الدولي، أثناء وبعد الأزمة العالمية الحالية، بل بإمكانها أيضاً أن تحسم نتيجة الحرب لصالح أحد الطرفين، نظرًا لحقيقة أن الجانب الذي يظل صامدًا لفترة أطول هو الذي سيفوز في النهاية. فليس سراً أن السعودية وقطر يتحكمان حرفيًا في محابس الطاقة التي يمكن أن تحافظ على وقوف الولايات المتحدة وأوروبا، لفترة طويلة من الزمن، في مواجهة روسيا. إذ أن السعودية هي أكبر منتج للنفط في منطقة الشرق الأوسط، والثالث في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، بينما قطر هي أكبر منتج للغاز الطبيعي في المنطقة، والثالث في العالم بعد روسيا وإيران.

على الرغم من أن معظم الدول العربية كانت مترددة في الانحياز إلى أي طرف في بداية الحرب، إلا أنها أيدت قرار الأمم المتحدة بإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، خلال الجلسة الاستثنائية للجمعية العامة للأمم المتحدة التي عقدت في ٢ مارس، سابع أيام الحرب. والمدهش، أن جميع دول الخليج العربي الست، التي تحمل حرفياً جميع الأوراق الرابحة في الاضطرابات الدولية الحالية، قد صوتت لصالح قرار الأمم المتحدة، بما في ذلك دولة الإمارات، رغم امتناعها عن إدانة روسيا في مجلس الأمن قبل ذلك بأيام معدودة. وربما كانت تلك رسالة واضحة مفادها أن العرب اختاروا الوقوف بجانب القوى الغربية، حلفائهم المفضلين تاريخياً، في مواجهة العدوان الروسي غير المبرر على جارتها. لكن بالتأكيد كان لهذا التحيز ثمن. 

تتوارد أنباء منذ أيام عن أن مستشاري البيت الأبيض يحاولون إقناع الرئيس بايدن بابتلاع كبريائه والسفر إلى السعودية لإصلاح العلاقات المتوترة مع الأسرة الحاكمة وإقناعهم بزيادة إنتاج النفط من أجل السيطرة على الارتفاع الكبير في أسعار موارد الطاقة التي يعاني منها العالم كله الآن. كما أنه، قبل أيام قليلة من اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، دعا الرئيس بايدن أمير قطر، تميم بن حمد، إلى واشنطن، حيث ناقشوا زيادة صادرات الغاز الطبيعي إلى أوروبا، تحسبًا لأي تصرف جنوني من جانب بوتين. في المقابل، منحت الولايات المتحدة قطر مكانة مميزة بإعلانها حليف استراتيجي من خارج الناتو.

ولكن، على الرغم من كون قطر أحد عمالقة إنتاج الغاز الطبيعي في العالم، فهي لا تستطيع وحدها أن تحل محل روسيا في تلبية احتياجات أوروبا، حيث يتجاوز متوسط استهلاك أوروبا من الغاز الطبيعي ٤٠٠ مليار متر مكعب سنويًا، بينما يبلغ متوسط إنتاج قطر السنوي من الغاز ١٨٠ متر مكعب، أغلبهم مربوط بتعاقدات سابقة مع دول أسيوية. لكن ربما من وجهة نظر متفائلة، قد تكون هذه فرصة سائغة لدول شمال إفريقيا لتوسيع وجودهم في سوق الطاقة الأوروبي، إلى جانب دول الخليج العربي، حيث أن موقعهم الجغرافي المتميز على الشواطئ الجنوبية للبحر المتوسط يعتبر ميزة إضافية تحسن من فرصهم في هذا الصدد. ويبدو أن العالم قد بدأ بالفعل باستغلال هذه الفرصة، فقد أعلنت إسرائيل، في يوم ٣ مارس، أنها بدأت ضخ كميات إضافية من الغاز الطبيعي إلى مصر، عبر خط الأنابيب العربي الذي يمر من الأردن، بهدف معاونة مصر على زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال الذي يمكنها أن تشحنه بسهولة، لاحقاً، إلى دول أوروبا.

كما كان الحال في معظم الأحداث الإقليمية والعالمية الكبرى التي ضربت الشرق الأوسط والمناطق المحيطة به، في العقد الماضي، يبدو أن دول الخليج العربي ستكون محملة هذه المرة أيضاً بمسؤولية دعم القوى الغربية أثناء انشغالهم بالقضاء على أسطورة بوتين وعهده، وكذلك سيكون لهم دور محوري وحاسم في احتواء أثر الفوضى العالمية التي ستنجم عن هذه العملية الضرورية لإعادة التوازن للعالم. بالتأكيد، سيشكل ذلك بداية حقبة جديدة، يبزغ فيها الشرق الأوسط كقوة عالمية عظمى، في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب، بعد عقود كان فيها مجرد تابع يبحث عن جناح شرقي أو جناح غربي لينزوي تحته ويستظل بظله.