Thursday, September 23, 2021

نجم مصر الساطع وحقوق الإنسان



قبل يومين، اختتمت مصر بنجاح استضافتها لأضخم تدريبات عسكرية في تاريخ عملية النجم الساطع، والتي أجريت على مدار أسبوعين في قاعدة محمد نجيب العسكرية، تحت إشراف القيادة المركزية للجيش الأمريكي بوصفها مدير التدريب، وبمشاركة قوات برية وجوية وبحرية من ٢١ دولة، وهو أكبر عدد لدول مشاركة في هذه التدريبات الهامة والتي تعقد بشكل سنوي منتظم منذ عام ١٩٨١. في تلك الأثناء، كانت الإدارة الأمريكية للرئيس بايدن تدرس اقتطاع جزء من المساعدات العسكرية السنوية المستحقة لمصر، تحت زعم دفع الدولة المصرية إلى تحسين أدائها فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان. كيف إذاً نفهم هذا التناقض بين أمريكا التي ترى في مصر شريك عسكري لا غنى عنه، وأمريكا التي ترفض أداء مستحقات مصر من المساعدات العسكرية التي تنص عليها اتفاقية السلام. 

تعد تدريبات النجم الساطع هي أحد العلامات المميزة في تاريخ الشراكة الاستراتيجية الراسخة والممتدة منذ عقود طويلة بين الولايات المتحدة ومصر، لا سيما على المستوى العسكري. عند تدشين التدريبات، يوم ٢ سبتمبر، ألقى مدير التدريب من القيادة المركزية الأمريكية كلمة أكد فيها على أهمية مصر الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة ودورها المحوري في حفظ أمن منطقة الشرق الأوسط وحفظ موازين الأمن والسلم العالميين. هذا الدور المصري المهم أمر تتفق عليه كافة الإدارات الأمريكية، بغض النظر عن ما تتبناه من مواقف إيجابية أو سلبية تجاه الدولة المصرية أو من يتولى القيادة السياسية فيها.

لكن على الرغم من ذلك، تصر إدارة الرئيس بايدن على ارتكاب نفس الخطأ الذي سبق ووقعت فيه الإدارات السابقة، بالتلويح بعصا تجميد المساعدات العسكرية، أو على الأقل اقتطاع جزء منها، أملاً في أن ذلك قد يشكل ضغط ما على الإدارة المصرية لتطوير ملف حقوق الإنسان. لقد أثبتت هذه السياسة فشلها على مر الزمن، ولم تحقق الغرض المرجو منها، في أي من الحقب السابقة، وهي بالتأكيد لن تنجح من القيادة السياسية المصرية الحالية، بل على العكس سبق وارتدت هذه السياسة الفاشلة بشكل سلبي على مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.

على سبيل المثال، هددت الإدارة الجمهورية للرئيس جورج بوش، في عام ٢٠٠٥، بقطع جزء من حزمة المساعدات الاقتصادية والعسكرية الأمريكية السنوية المستحقة لمصر، إذا لم يقم الرئيس مبارك، الذي كان يحكم البلاد آنذاك، بإتاحة مساحة في البرلمان لجماعة الإخوان المسلمين، الذين قدموا أنفسهم للمجتمع الدولي كمعارضين سياسيين، في ذلك الوقت. ونتيجة لذلك، اكتسب الإخوان المسلمون والسلفيون المتطرفون نفوذ اجتماعي وثقافي وسياسي أكبر داخل مصر، بينما حدث شلل في العلاقة بين مصر والولايات المتحدة لفترة أربع سنوات، إلى حين تم استبدال بوش بأوباما في عام ٢٠٠٩، مما أعاق بشكل كبير دور الولايات المتحدة ومصالحها في منطقة الشرق الأوسط. 

بعد عشر سنوات، قاد خلالها المصريون ثورتين ناجحتين أسقطتا نظام مبارك في عام ٢٠١١، ونظام الإخوان المسلمين في عام ٢٠١٣، استخدمت الإدارة الأمريكية للرئيس باراك أوباما نفس الأداة الخطيرة بأن قامت بالخلط بين المساعدات العسكرية وملف حقوق الإنسان. ومثلما سبق وحدث مع الرئيس بوش، جاءت خطوة إدارة أوباما بنتائج عكسية، حيث ألحقت أضرارًا جسيمة بالنفوذ السياسي والعسكري للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، بينما في المقابل لم ينتج عنها أي إصلاحات ملموسة في مجال حقوق الإنسان، كنتيجة مباشرة لهذا الضغط.

على مدى العقود الأربعة الماضية، اعتمدت مصر على الولايات المتحدة كمصدر حصري للتسليح، حيث تتلقى مصر حزمة مساعدات اقتصادية وعسكرية سنوية من الولايات المتحدة قدرها ١,٣ مليار دولار، بموجب اتفاق السلام الموقع بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٩. بعد أشهر قليلة من إزاحة نظام الإخوان المسلمين من السلطة، في عام ٢٠١٣، قررت إدارة أوباما تجميد المساعدات العسكرية لمصر، وبالطبع أثر ذلك على قدرة مصر على شراء المعدات العسكرية التي تحتاجها، ثم تم رفع تجميد المساعدات جزئيًا في عام ٢٠١٥، ثم عاد تطبيقه مرة أخرى في عام ٢٠١٦، ثم رفع مرة أخرى في عام ٢٠١٨، بعد أن تولى ترامب الرئاسة، ثم عاد ترامب واقتطع جزء منها في نهاية فترة حكمه.

في خضم تلك التناقضات، وجدت مصر نفسها مضطرة للتخلي عن الولايات المتحدة كحليف عسكري حصري لها، وقررت أن تنوع مصادر التسليح الخاصة بها لتجنب عواقب سوء استخدام الولايات المتحدة للمساعدات العسكرية في ممارسة الضغوط السياسية. اليوم، يشمل المصدرون العسكريون والحلفاء لمصر كل من روسيا والصين واليابان وألمانيا وفرنسا وإيطاليا. وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، احتلت مصر المرتبة الثالثة بين أكبر ٢٥ مستورد للأسلحة في العالم في عام ٢٠١٩. 

لا يمكن لأحد أن يتجاهل حجم الجهد الذي تبذله إدارة الرئيس السيسي، ورغبته الشخصية الصادقة، في الارتقاء بحالة حقوق الإنسان في مصر على كل المستويات، ولعل نجاح الدولة المصرية، خلال خمس سنوات أو أقل، في إحداث طفرة على مستوى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، والحريات الدينية، وتمكين المرأة، هو أكبر دليل على ذلك. لو أن الإدارة الأمريكية الحالية صادقة فعلاً في رغبتها في تطوير حقوق الإنسان في مصر، مع الحفاظ على مصر كأهم حليف استراتيجي وعسكري لها في منطقة الشرق الأوسط، فعليها إذاً أن تتوقف عن السياسة القديمة الفاشلة التي تتمثل في الضغط على مصر بالمساعدات العسكرية، وأن تبحث عن طرق عملية لإمداد الدولة المصرية بما تحتاجه من أدوات وخبرات وتدريب لتحويل رغبتها في تطوير ملف حقوق الإنسان إلى واقع.