Monday, September 13, 2021

حقوق الإنسان في الجمهورية الجديدة


"إن كافة الحقوق والحريات مترابطة ومتكاملة وثمة ارتباطاً وثيقا بين الديمقراطية وحقوق الإنسان"؛ بهذه الكلمات البليغة أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، أول وثيقة من نوعها في تاريخ مصر، ليفتح بذلك صفحة جديدة من الحوار بين الدولة والمجتمع المدني، لا سيما الشق الحقوقي منه، بما يشكل مرحلة فاصلة في تاريخ العمل الحقوقي في مصر، بين أمس من الصراعات والتناقضات مع السلطة السياسية، وغدٍ ترعى فيه القيادة السياسية بنفسها العمل الحقوقي وتحميه، وتساهم أيضاً في صياغته وتطويره. لو أن هذا انتصار كبير للحركة الحقوقية المصرية، فهو انتصار أكبر للدولة المصرية يعكس ثباتها واستقرارها، ويعد تحول سياسي مهم يليق بالجمهورية الجديدة.

يجرى العمل على الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، منذ ثلاث سنوات، مباشرةً بعد تأسيس اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، بموجب قرار من رئيس مجلس الوزراء، في عام ٢٠١٨. تتولى هذه اللجنة، وهي الأولى من نوعها أيضاً، رسم خارطة الطريق لعملية التطور الذاتي للدولة في ملف حقوق الإنسان، والتعامل بشكل مباشر مع الشكاوى التي تثيرها بعض المنظمات الدولية من وقت لآخر بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر. وكان على رأس أولويات أعمال هذه اللجنة هو وضع استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ذات إطار زمني واضح، ومدعمة بخطة عمل قابلة للتنفيذ والتقييم من قبل الجهات المعنية في الدولة. 

إن حقوق الإنسان هي قيم عليا يحترمها المصريون، وخاصة الشباب الذين قادوا الثورة في عام ٢٠١١. صحيح أن مصر لا تزال تعاني من تأخر في النهوض بالحقوق السياسية والمدنية. لكن على الجانب الآخر، عمل الرئيس السيسي بلا هوادة، منذ توليه السلطة في عام ٢٠١٤، على النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. مصر الآن بلد مختلف تماما، ولم يعد الملف الحقوقي نقطة ضعف بالنسبة للدولة المصرية، بل على العكس تماماً، حيث انه في غضون سبعة أعوام فقط، استطاعت الدولة أن تحرز تقدم غير مسبوق في ملفات حقوقية شائكة، مثل الحريات الدينية وحقوق المرأة وتمكين الشباب، ومحاربة الفساد المالي والإداري، فضلا عن نجاحات غير مسبوقة على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من تطوير العشوائيات وتحسين مستوى معيشة الطبقات الدنيا، وحفظ كرامة المواطنين ضد الفقر، وما زالت مسيرة الإصلاح مستمرة.

ومن هذا المنطلق، فإن الإعلان عن استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، هي خطوة طال انتظارها، تأتي في إطار التحول الشامل الذي نراه في منهجية الدولة المصرية بشكل عام، بحيث أصبحت أكثر استقراراً من الناحية الأمنية، وبالتالي أكثر انفتاحاً على المستوى السياسي. هذا واضح تماماً في تناول الاستراتيجية للبعد الخاص بالحقوق السياسية، خصوصاً الحق في التنظيم والتجمع السلمي، وهو أحد الحقوق التي كانت قد تعطلت السنوات الماضية بسبب الظروف الأمنية القاسية التي تعرضت لها مصر في إطار حربها مع الإرهاب.

تعد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس السيسي في يوم ١١ سبتمبر، هي أول خطة عمل طويلة الأمد لتطوير أداء الدولة المصرية في ملف حقوق الإنسان، حيث يمتد مداها الزمني بين عام ٢٠٢١ و٢٠٢٦، وتشمل أربعة محاور رئيسية، هي: الحقوق المدنية والسياسية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، حقوق المرأة والطفل وذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، ونشر ثقافة حقوق الإنسان بين العامة، مع مراعاة نقطة في غاية الأهمية، أشار لها الرئيس السيسي في حفل إطلاق الاستراتيجية، هي "تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، وبين حق الفرد والمجتمع، وضرورة مكافحة الفساد لضمان التمتع بتلك الحقوق والحريات".

من المؤكد أن الاستراتيجية الجديدة، والتي تعد أول وثيقة من نوعها في تاريخ مصر، ستكون بمثابة خارطة طريق لتفعيل النصوص الدستورية والقوانين التي تدعم حقوق الإنسان في مصر، كما أنها ستكون دافع لإصدار المزيد من هذه القوانين وتفعيلها على أرض الواقع وبين الناس، خصوصاً أن الاستراتيجية خصصت قسم لتعزيز نشر ثقافة حقوق الإنسان بين المواطنين، وهو أمر افتقدته مصر بشدة السنوات الماضية.

بالإضافة إلى ما هو متوقع أن تحدثه الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان من طفرة مهمة في الداخل المصري، من المتوقع أيضاً أن يكون لها تأثير على صورة مصر في الخارج، خصوصاً في ظل استمرار بعض المنظمات الدولية في الهجوم على الدولة المصرية واتهامها لها بشكل مستمر بالتقصير في هذا الملف، على غير الحقيقة.