عندما صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في ديسمبر ١٩٤٨، كان الهدف منه أن يكون دستورًا عالميًا يمكن لجميع البشر، من جميع الثقافات، التمتع بالامتيازات التي يضمنها والالتزام بالمبادئ التي ينص عليها. لكن، بعد أكثر من نصف قرن على إطلاقه، لا يزال معظم الناس ومعظم الحكومات غير قادرين على إدراك كافة المبادئ التي ينص عليها الإعلان، لا يقتصر ذلك على البلدان غير الديمقراطية أو غير النامية فقط، ولكن أيضًا في البلدان المتقدمة ذات أنظمة الحكم الديمقراطي الراسخة. بعبارة أخرى، فإن كل دولة في العالم، في مرحلة ما من تاريخها، فشلت في الالتزام بقيم حقوق الإنسان، وكان عليها أن تكافح لسنوات طويلة، وأحياناً عقود، لبناء هيكل مؤسسي يحترم حقوق الإنسان.
على سبيل المثال، ظلت ممارسة التمييز العنصري ضد المواطنين السود في الولايات المتحدة قضية لم تحل طيلة قرون. فقط في حقبة الستينيات من القرن الماضي، بدأت الأمور تتغير بعد تشكيل حركة الحقوق المدنية. منذ ذلك الحين، تطلب الأمر من القيادات الأمريكية المتتالية قدرًا هائلاً من الشجاعة والوقت والموارد لحظر العبودية ومنح حقوق متساوية لجميع المواطنين. استغرق الأمر عقود، ورغم ذلك ما زالت أمريكا، أكثر دولة ديمقراطية في العالم، تعاني من الحفاظ على حق إنساني أساسي كهذا.
على الرغم من هذه الحقيقة التي يؤكدها تاريخ البشرية بشأن الكفاح من أجل إدراك والاستمتاع بحقوق الإنسان، فإن الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لا تخجل من استخدام قضية حقوق الإنسان للضغط على حلفائها العرب بغرض تحقيق مكتسبات سياسية، بين الحين والآخر.
في ١٧ سبتمبر، أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يدعو الدول الأعضاء إلى مقاطعة أو سحب شركاتهم من "إكسبو دبي ٢٠٢" الذي سيبدأ في أكتوبر ويستمر حتى مارس من العام المقبل. وقد برر البرلمان الأوروبي هذه الخطوة على أنها وسيلة للاحتجاج على سجل حقوق الإنسان في دولة الإمارات. في الحقيقة، لا يحتاج الأمر إلى عين خبيرة لنفهم أن هذا القرار البرلماني له دوافع سياسية، وأنه يستغل حقوق الإنسان كعنوان من أجل وضع دولة الإمارات تحت الضغط وصرف انتباه الرأي العام العالمي عن نجاح الإمارات في تنظيم مثل هذا الحدث الدولي، كأول دولة عربية تستضيف هذا الحدث الضخم.
لكن على البرلمان الأوروبي أن يعلم أنه يضغط على المكان الخطأ. حقوق الإنسان ليست نقطة ضعف بالنسبة لدولة الإمارات حتى يتم مهاجمتها من خلالها. الإمارات واحدة من أفضل الدول في منطقة الخليج العربي، إن لم يكن بين جميع الدول العربية، عندما يتعلق الأمر باحترام وضمان الحقوق الإنسانية الأساسية، سواء لمواطنيها أو للوافدين لديها. لقياس هذا، يمكن للمرء أن ينظر ببساطة إلى حالة حقوق المرأة والحريات الدينية كمؤشرين رئيسيين، وأيضاً لأن هاتين الفئتين على وجه الخصوص هم الأكثر انتهاكاً في عموم منطقة الشرق الأوسط.
المرأة الإماراتية حاضرة وبقوة في كافة المواقع القيادية في الدولة الإماراتية، وكذلك في مختلف الأنشطة العامة، لا سيما في قطاع السياسة والأعمال. على سبيل المثال، حكومة الإمارات بها تسع وزيرات نساء، معظمهن من شابات. لا يوجد بلد آخر في المنطقة كلها، بما في ذلك مصر التي تدعم فيها الدولة حقوق المرأة بشكل كبير، لديها هذا العدد من الوزيرات الشابات. على المستوى العلمي، يكفي مثلاً أن نذكر أن المرأة الإماراتية الشابة كانت تمثل ما لا يقل عن نصف الفريق الذي قاد بعثة مسبار الأمل الإماراتية إلى كوكب المريخ، العام الماضي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الإمارات هي الدولة الوحيدة في منطقة الخليج العربي التي لديها مجلس ضخم ومؤثر لسيدات الأعمال، اللائي يقودن مئات المشاريع التجارية والخيرية الناجحة، سواء داخل الإمارات أو في جميع أنحاء العالم.
بالنظر إلى الحريات الدينية، اتخذت الإمارات خطوات غير مسبوقة، في السنوات الخمس الماضية، لتعزيز ودعم الحرية الدينية لجميع المقيمين على أراضيها، بما في ذلك إجراء تعديلات تشريعية وبناء دور عبادة لديانات غير الدين الإسلامي الذي يعتنقه الإماراتيين. حكومة الإمارات هي الحكومة العربية الوحيدة التي سمحت ببناء المعابد الهندوسية على أراضيها. ومنذ عامين تقريباً، تعمل حكومة أبو ظبي على بناء معبد هندوسي ضخم. هذا إجراء شجاع للغاية، ولا يمكن اعتباره أمراً عادياً في منطقة تعاني بشكل مزمن من التطرف والتعصب لدين واحد.
فوق كل ذلك، فإن القيادة الإماراتية حريصة على تحسين أدائها في ملف حقوق الإنسان على مستويات أخرى أكثر تقدماً. في شهر أغسطس، أصدر رئيس الدولة، الشيخ خليفة بن زايد، قرار بإنشاء هيئة وطنية لحقوق الإنسان على أساس مبادئ باريس، يكون الغرض منه مساعدة المكاتب الحكومية المختلفة على تطبيق حقوق الإنسان، وتثقيف الموظفين والجمهور بهذا الشأن. إنشاء هيئة كتلك هو سابقة بين كل دول الخليج العربي.
من الصعب أن نفهم لماذا قرر البرلمان الأوروبي، عن عمد، أن يتجاهل كل الإنجازات الإيجابية التي قامت بها حكومة الإمارات في مجال حقوق الإنسان، والتي ذكرت لمحة بسيطة منها في هذا المقال، ويصدر قرار غير ذي مصداقية كهذا. الطريقة الوحيدة لتفسير هذا الموقف الغريب هو أن بعض أعضاء البرلمان ربما تم دفعهم لممارسة بعض الضغوط السياسية على الإمارات لأسباب خاطئة. يحتاج هؤلاء إلى فهم أن قضية حقوق الإنسان ليست نقطة ضعف بالنسبة لدولة الإمارات، وبالتالي فإن ضغطهم من هذه الزاوية لن يعمل لصالح بلادهم أو لصالح حقوق الإنسان. بل قد يأتي بنتائج عكسية.