أمست انتخابات الرئاسة الأمريكية على بعد يوم واحد، وهو اليوم الذي سيتحدد فيه مصير العالم على يد بضعة مئات من الناخبين الأمريكيين، وعليه سيضر العالم إما لاحتواء جنون رجل الأعمال المغرم بالمظاهر دونالد ترامب، أو مواجهة دهاء السياسية المحنكة هيلاري كلينتون، وكلا المصيرين مُر! لا سيما بالنسبة لدولة مثل مصر، تصارع من أجل الحفاظ على أمنها وتحقيق التطور الديمقراطي، في وسط اللهيب المستعر في أرجاء الشرق الأوسط.
يجب أن تبدأ القيادة السياسية في مصر الاستعداد بوضع استراتيجية للتعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد، ومحاولة التأثير عليه وتوجيه سياساته بما يخدم مصالحنا، وأن لا ننتظر لنشكل موقفنا كرد فعل على مواقف المرشح الفائز من قضايا مصر أو قضايا الشرق الأوسط كله، مثلما كنا نفعل في الماضي، فعلى الرغم من التحديات الجسام التي تمر بها مصر اقتصادياً وأمنياً، إلا أنها ما زالت هي الحليف الأصلح والأفضل من وجهة النظر الأمريكية، وأبلغ دليل على ذلك هو ما عبر عنه كلا المرشحين الديمقراطية كلينتون والجمهوري ترامب أثناء اجتماعيهما بالرئيس السيسي في نيويورك قبل شهرين.
واعتقد أن من مصلحتنا نحن أيضاً أن نستعيد هذه العلاقات، ليس فقط بهدف استمرار التعاون الاقتصادي والعسكري وتوسيع نطاقه، ولكن أيضاً لما سيمكننا ذلك من استعادة دور مصر الريادي في منطقة الشرق الأوسط، وهو الدور الذي فقدناه لصالح دول أخرى مثل السعودية منذ ثورة يناير، وكان لهذا التحول بالغ الأثر في قلب موازين الأمور في المنطقة، بدءاً من الحرب الغير مبررة ضد اليمن، ودعم التنظيمات الإرهابية والمعارضة المسلحة في سوريا ضد النظام والجيش الرسمي للدولة. أي أنه من واجب مصر أن تسعى بكل ما لديها من قوة لاستعادة دور الأخت الكبرى بين الدول العربية، لما يمثله من ضمانة حقيقية للتعجيل بحل مشكلات المنطقة التي خلفها الربيع العربي وتوابعه.
أما على مستوى الإصلاحات الداخلية، فإن استعادة مصر لعلاقات قوية مع القيادة الأمريكية الجديدة، سيعيد الولايات المتحدة للعب دورها المفيد جداً في دعم مصر مالياً واستراتيجياً في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تجري على قدم وساق داخل مصر الآن، وذلك من خلال استعادة الاتفاقيات والبرامج التي كانت تتم بين البلدين في تمويل وتنفيذ مشروعات مع الوزارات الخدمية مثل الصحة والتعليم وأمثالهما لتطوير أحوال المواطنين المعيشية، وهو الأمر الذي بإمكانه أن يرفع الكثير عن كاهل الحكومة المصرية التي تعمل وحدها تماماً، اللهم إلا باستثناء مساعدات مالية محدودة وغير مضمونة على المدى الطويل من بعض دول عربية أخرى.
ويجب أن نتذكر دائماً أن العلاقات الدولية تعتمد فقط على حجم المصالح التي نسعى لتحقيقها وليس أي معيار آخر. وكلامي هنا يعني أن سعي مصر لإخراج العلاقات المصرية الأمريكية من جمودها، أمر لا يجب أن يمثل أي تهديد من أي نوع لعلاقاتنا الأخرى إما العربية (مع السعودية مثلاً) أو الأوروبية (مع روسيا تحديداً) خصوصاً في ظل ما يتردد من اقبال القطبين الكبيرين الروسي والأمريكي على حرب عالمية ثالثة قد تكون حرب باردة أو حرب معلومات أو حرب مسلحة.
بل على العكس، استعادتنا لقوة ومتانة العلاقات المصرية الأمريكية، سيجعلنا قادرين على إدارة مصالحنا لدى الطرفين بالطريقة التي نرى أنها الأصلح لنا، بدلاً من أن نكون مجرد ترس في آلة قطب واحد منهما.
كل المؤشرات تقول أن هيلاري كلينتون هي الأقرب لقيادة العالم من خلال البيت الأبيض في واشنطن، لهذا فإن الاستراتيجية التي يجب أن تعكف القيادة المصرية على وضعها الآن لمحاولة إدارة العلاقات المستقبلية مع كلينتون، يجب أن تعتمد على ثلاثة محاور أساسية كانت هي أيضاً محاور رؤية كلينتون لسياسة أمريكا في الشرق الأوسط، أولها هو الحرب على الإرهاب ومواجهة داعش في سوريا، وثانيها هو ملف إيران وارتباط ذلك بأمن دول الخليج وبالتبعية أمن المنطقة العربية بأكملها، وثالثها هو ملف إسرائيل وقضية السلام. ولمصر في كل واحدة من هذه القضايا يد.