كان أسبوعاً حافلاً ذلك الذي بدأ بقرارات إصلاح اقتصادي جريئة وضعت مصر على أول طريق التنمية الحقيقية بعد طول انتظار، وانتهى بموافقة البنك الدولي على إقراض مصر 12 مليار دولار، وما يمثله ذلك من دعم المجتمع الدولي، الذي طال انتظاره أيضاً، لرؤية وسياسات صانع القرار في مصر.
لكن ما بين هذا وذاك، وقع العالم في حالة من الاضطراب لا أظن أنها ستزول قريباً، ويجب علينا أن نستعد لعواقبها، بما يجنبنا أثارها السلبية على مستقبلنا الاقتصادي والسياسي. لكن كيف؟
جاءت نتيجة الانتخابات الأمريكية بما لم يتوقعه أحد، فقد أصبح دونالد ترامب بين عشية وضحاها، أقوى رجل في العالم، والمتحكم في مصير شعوب الأرض لأربع سنوات قادمة على الأقل، ويبدو أننا لم نكن وحدنا المتفاجئين بهذه النتيجة، فحتى الأمريكيين أنفسهم المؤيد لترامب والمؤيد لهيلاري على حد سواء، أصابتهم نفس المفاجأة.
وبينما أنصرف أنصار ترامب ليحتفلوا باعتبار أن الأمر قد حُسم ولا رجعة فيه، خرج أنصار كلينتون في مظاهرات بالآلاف في المدن الرئيسية، وقاموا بجمع ملايين التوقيعات على استمارة تطالب بسحب الثقة من أعضاء المجمع الانتخابي في 19 ديمسبر، ومن ثم إعادة التصويت وفقاً للدستور.
وما زالت موجات التظاهر مستمرة منذ خمسة أيام، حتى يوم كتابة هذا المقال، وسقط واحد من المتظاهرين قتيلاً أول أمس في مواجهات مع الشرطة، وهو أمر ينذر بمزيد من الاشتعال والغضب والتصعيد، حتى أن بعض مراكز الأبحاث الكبيرة في واشنطن بدأت تتكهن بانطلاق ما أسموه "الثورة البنفسجية" في أمريكا على غرار ثورات الربيع العربي وشرق أوروبا.
بُنيت المظاهرات ضد ترامب على كرة الغضب المتعاظمة التي خلفتها تصريحاته العنصرية في نفوس الأقليات والمهاجرين، مع العلم أن أمريكا هي في الأساس مجتمع مهاجرين، ونسبة ما فيه من أقليات عرقية ودينية كبير عدداً ونوعاً، حتى فئة "الرجل الأبيض" التي تسمي نفسها "الأمريكيين" وينتمي لها ترامب، هم في الأصل مهاجرون من بريطانيا وبعض الدول الأوروبية القديمة قبل ستمائة عام.
أضف إلى ذلك غضب النسبة الكبيرة من الشباب الذين يؤيدون الأفكار التقدمية التي يرفضها ترامب وحزبه مثل حرية زواج المثليين والإجهاض، والذين يميلون أكثر للحزب الديمقراطي الذي يغازلهم بحلو الكلام عن الحقوق المدنية وحقوق الإنسان والديمقراطية التي تحمل أمريكا لواء نشرها في ربوع العالم.
في اتحاد كل هؤلاء معاً قوة، لا يجب أن يستهين بها ترامب وأنصاره، خصوصاً لو أن تحركاتهم تلك تمولها منظمات حقوقية كبرى وتباركها أجهزة مهمة داخل الإدارة الأمريكية، حتى أنهم أعادوا فتح قضية تزوير كانت مرفوعة ضده عام 2010، والمفترض أن يمثل ترامب أمام المحكمة نهاية هذا الشهر للدفاع عن نفسه فيها، وهي سابقة لم تحدث لأي رئيس منتخب قبله، ومؤشر خطير على أن هناك أصحاب نفوذ داخل الإدارة الأمريكية لا يرغبون في وجوده، وبالتالي سيحاولون بشتى الطرق عدم تمكينه.
حتى لو مر الشهران القادمان بسلام، وتم تنصيب ترامب بشكل رسمي في يناير، فأتوقع أن يعاني ترامب كثيراً في الأربعة سنوات القادمة، بسبب عدم تعاون أجهزة الدولة معه، وربما لن يستطيع ممارسة كل صلاحياته بالشكل الذي يريد. أي أنها ستكون أربع سنوات من الجحيم بالنسبة له، وربما بالنسبة لنا في الشرق الأوسط أيضاً.
لا شك أن قدوم ترامب، قد جعلنا في مصر والعالم العربي نتنفس الصعداء، فمجرد وصوله للبيت الأبيض هو إعلان وفاة للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان وتهديد قوي لكل التنظيمات الإرهابية التي تعيث فساداً في أرضنا منذ سنوات، وهو أيضاً افتتاح لصفحة جديدة للعلاقات مع مصر من المتوقع أن يكون فيها الرئيس الأمريكي الجديد خير معين للرئيس السيسي على تنفيذ عملية الإصلاح الشامل ليس في مصر فقط ولكن في العالم العربي كله، ولو صدق ترامب في تنفيذ ما وعد به في حملته بشأن الشرق الأوسط واستعادة العلاقات مع روسيا، فهذه بشرى بأننا قد نفيق أخيراً من كابوس تبعات الربيع العربي.
أي أن استمرار ترامب وتمكينه من أداء عمله خلال الأربع سنوات القادمة هو أمر يصب في مصلحتنا تماماً، وبالتالي يجب علينا أن نجد طريقة مناسبة نستطيع بها ضبط موازين الأمور داخل أمريكا، وأن لا نكتفي بمشاهدة الأحداث من بعيد. واعتقد أن كلمة السر في إنقاذ ترامب تكمن في ثلاثة محاور:
أولها؛ توحد دول الخليج العربي على إعلان الدعم الكامل لترامب، مستغلين ما لديهم من نفوذ اقتصادي داخل الولايات المتحدة، حيث أن دول التعاون الخليجي وحدها تستثمر من الأموال داخل أمريكا ما يستطيع أن يزلزل الاقتصاد الأمريكي تماماً في حالة سحبها أو يعيد أمريكا إلى مقدمة الدول المستقرة اقتصادياً في حالة استمرار ضخها، وهذا سيجعل الأجهزة الغير متعاونة مع ترامب داخل الإدارة الأمريكية تعيد التفكير فيه كخيار استراتيجي يحتاجون له، وأن مصلحة بلدهم تعتمد بشكل مباشر على استمراره وتمكينه من أداء مهام عمله، وليس كضيف ثقيل على قلوب موظفي البيت الأبيض.
وثانيها؛ أن تعمل القيادة العسكرية في مصر أن تبدأ في تحركات فورية تلعب فيها دور حجر الزاوية في تجديد العلاقات بين العسكرية الأمريكية والعسكرية الروسية، حيث أن مصر هي الدولة التي تمتلك علاقات عسكرية قوية مع الطرفين وتحظى بثقتهما، ويكون ذلك الربط في شكل اجتماعات عاجلة تقوم بها قيادات الجيش المصري مع القيادات العسكرية في روسيا أولاً ثم مع القيادات العسكرية في الولايات المتحدة، ويكون محور هذه اللقاءات هو كيف يمكن للأطراف الثلاثة التعاون في ظل انتخاب رئيس أمريكي جديد لمواجهة داعش وفلول الإرهاب في الشرق الأوسط بالكامل، وهو أمر يتفق عليه الأطراف الثلاثة بالفعل، وأعتقد أن هذا الجهد سيصب أيضاً في مصلحتنا المباشرة حيث أنه سيمكن ترامب، رغم ما سيلاقيه من معارضة في الداخل الأمريكي، من تنفيذ ما وعد به في حملته الانتخابية من محاربة الإرهاب في العالم العربي وليس محاربة الدول العربية.
وثالثها؛ هو الدعم الإعلامي والمجتمعي لفكرة احترام نتيجة الانتخابات، سواء عبر وسائل الإعلام التقليدي أو السوشيال ميديا، خصوصاً أن أغلب النشطاء والمحللين في أمريكا اليوم يقارنون الآن بين تمرد المصريين ضد حكم الإخوان، وبين تمرد بعض الأمريكين على حكم ترامب، والمقارنة هنا غير صحيحة بالمرة، حيث أن الإخوان وصلوا للحكم في مصر المنهكة آنذاك تحت وطأة تهديدات بالفوضى استمرت لخمسة أيام في ميدان التحرير، وعبر انتخابات غلب عليها التلاعب والتزوير، أما ترامب فقد أتى عبر انتخابات نزيهة في دولة مستقرة وطاعنة في الديمقراطية، وبالتالي يجب أن ننبه الشعب الأمريكي لخطورة ما قد ينتج عن هذه المظاهرات من فوضى سياسية ودمار اقتصادي أكبر قد لا يستطيعون السيطرة على نتائجه لاحقاً، ونحن كمجتمع مدني مصري لدينا من الخبرة في هذا الأمر ما يمكننا بل ويحتم علينا نقلها للشعب الأمريكي، في النهاية نحن لا نريد لأمريكا أو شعبها أن يمر بما عانيناه من خراب في الخمس سنوات الأخيرة، لأن هذا لو حدث سيزيد العالم ألماً.
خلاصة القول، إننا في مصر والعالم العربي نستطيع فعل الكثير لدعم ترامب وتمكينه من أداء مهام عمله التي تصب في مصلحتنا تماماً، ولعل الثلاث تحركات التي اقترحتهم في مقالي هنا تكون ملهمة لصناع القرار في المنطقة للقيام بما يلزم، من أجل ضمان مكان أفضل لنا على رقعة شطرنج المستقبل.