بات الحديث عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإدراج جماعة الإخوان المسلمين على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية أمر أقرب للتحقق، وهو الأمر الذي لم نتخيل أنا وزملائي في "الحملة الشعبية لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" أنه سيتحقق في غضون تلك الفترة القصيرة لولا فوز الجمهوري دونالد ترامب برئاسة أمريكا.
فقد أنطلقت "الحملة الشعبية لإدارج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" في أغسطس 2013 عقب فض أوكار الإخوان في رابعة والنهضة، كمحاولة لصد الأكاذيب التي راح الإخوان يروجونها في العالم عن كونهم معارضة سياسية مسالمة وأن الجيش والشرطة قتلوا منهم أبرياء وبلا وجه حق.
وثقنا عبر الثلاث سنوات الماضية ما يزيد على ثلاثة ألاف جريمة أرتكبتها جماعة الإخوان بشكل مباشر، ما بين قتل أبرياء وحرق منازل وكنائس وأقسام شرطة ومنشآت عامة وخاصة وتخريب متعمد وترويع آمنين.
ودعمنا كل حادث بوثائق رسمية وصور وفيديوهات تجعل من الصعب تكذيبها. ثم ترجمنا الوثائق التي تضم جرائم الإخوان في مصر وحملناها إلى صناع القرار في ألمانيا وبريطانيا وأمريكا وهي الدولة الأهم على الإطلاق.
فقد كنا نعلم أن بريطانيا أقصى ما تستطيع فعله هو فتح تحقيقات في شرعية نشاط الإخوان على أراضيها، وأن ألمانيا أقصى ما استطاعت فعله هو وضعهم تحت مراقبة هيئة الشورى، أما أمريكا فلديها قوائم تصدرها بشكل دوري عن التنظيمات الإرهابية في العالم، وأننا لو نجحنا في إدراج الإخوان على تلك القوائم، سنحقق ضربة قاسمة للتنظيم الدولي للإخوان، لن يفيقوا منه ربما للأبد، لأن هذا التصنيف سيترتب عليه تجميد كل أنشطتهم المعلنة والمقنّعة، وبالتالي تجفيف منابع تمويلهم للتحركات التي تهدد الأمن القومي في مصر.
وبمجرد أن وصلنا إلى صناع القرار في أمريكا وبدأنا في طرق الأبواب، وجدنا استجابة قوية داخل الكونجرس وبعض مراكز الأبحاث الكبرى ومنظمات المجتمع المدني، تبعها استجابة أقوى من مواطنين عاديين ونشطاء ومنظمات مدنية ترى في الإخوان نفس التهديد الذي نراه نحن على أمنهم القومي أيضاً، وانضموا لحملتنا وأمدونا ببيانات وتحقيقات من مكتب التحقيقات الفيدرالية ووثائق من المحاكم الأمريكية تثبت تورط جماعة الإخوان ورموزها في أمريكا في دعم والتخطيط لأنشطة تخريب داخل أمريكا وخارجها، فضلاً عن دعمها المالي والمعنوي لتنظيمات إرهابية في الشرق الأوسط، وكانت هذه الوثائق خير داعم لنا في حملتنا لإقناع إدارة أوباما بضرورة وضع الإخوان على قوائم الإرهاب.
ورغم مماطلة الإدارة الأمريكية، كانت الاستجابة من الكونجرس الذي كان أغلبه من الجمهوريين مبهرة، فقد أضطرت اللجنة القضائية بالكونجرس بعد تقديم 49 مشروع قانون لإدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية الدولية، إلى إصدار توصية للإدارة الأمريكية في شهر أبريل الماضي بضرورة اتخاذ اللازم بهذا الشأن في خلال ستين يوماً، وهذا معناه أن إدارة أوباما كانت مضطرة إما أن ترد برد قاطع ومقنع تشرح فيه أسباب عدم إقدامها على تنفيذ هذه الخطوة، أو تنصاع صاغرة لرغبة الكونجرس وتعلن الإخوان كتنظيم إرهابي. لكن كما كان متوقعاً ماطلت إدارة أوباما من جديد بحجة الاستعداد للانتخابات الرئاسية.
وعلى عكس كل التوقعات، لم تأتي نتيجة الانتخابات بالسيدة هيلاري كلينتون التي ساندت الإخوان خلال سنوات الربيع العربي، ولكن أتت الانتخابات برجل الأعمال الجمهوري دونالد ترامب الذي يضع ضرورة إعلان الإخوان كتنظيم إرهابي على قمة أولوياته، ومن يومها يعيش التنظيم الدولي للإخوان الكابوس الأكبر في تاريخه، فقد أصبحوا مهددين بالفناء، وليس لهم ملاذ آخر يلجأون إليه، لا فوق الأرض ولا تحت الأرض، ولا حتى يوم العرض أمام الله الذي كذبوا وتاجروا باسمه لتحقيق طموحاتهم السياسية.
لكن كعادتها، ما زالت جماعة الإخوان الإرهابية تعافر من أجل البقاء، لكن ليس بـ"التوجه إلى الله" حسبما دعى وليد حشمت في أول رد فعل على فوز ترامب، ولكن بالكذب والتحايل وتزييف الحقائق مجدداً، وقد بدأت الجماعة الإرهابية بالفعل في تنفيذ خطة النجاة، على ثلاثة محاور:
المحور الأول، داخل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قام التنظيم الإرهابي للإخوان في أمريكا، والذي يتمثل في شبكة من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والخيرية، بإعادة نشر أكذوبة الإسلاموفوبيا، والتي تعني أن الأمريكين يضطهدون المسلمين ويعتدون عليهم بناءاً على دينهم أو طريقة ملبسهم، وهو أمر أجزم أنه غير موجود داخل المجتمع الأمريكي، وأنا هنا أتحدث كإمرأة محجبة عاشت في تلك البلاد سنوات، ربما واجهت هذا التعصب في حدود ضيقة جداً في بعض الدول الأوروبية، لكن في أمريكا الأمر مختلف، فالتنوع الشديد داخل هذا المجتمع يجعله في أغلبه متسامح مع كل شيء، بغض النظر عن عنصرية البعض.
المحور الثاني، داخل الولايات المتحدة أيضاً، ويتمثل في قيام المنظمات المدنية التابعة لشبكة الإخوان بالسعي لعمل شراكات مع منظمات يهودية أمريكية كبرى، بحيث تغسل كل ماضيها القذر بإدعاء أنها منظمات سلمية تسعى لنشر التسامح، ويهمها وحدة وتماسك المجتمع الأمريكي، وظناً منهم أيضاً أن تقوم هذه المنظمات اليهودية التي أحدثوا شراكة معها بالدفاع عنهم في حالة وضعهم ترامب تحت مفرمته عما قريب، وأحدث أشكال هذا التعاون قد تمت قبل أيام بين منظمة إسنا الإخوانية الشهيرة، واللجنة اليهودية الأمريكية واحدة من أقدم المؤسسات في أمريكا وأشهرها.
المحور الثالث، في مصر، حيث أعلنت جماعة الإخوان وبشكل صريح وعلى لسان أكبر قياداتها برغبتها في المصالحة مع مصر، وبهذا تكون ضمنت لنفسها مكان يعودون إليه بعد أن ضاقت بهم الأرض، لكن هيهات أن يقبل الشعب المصري بالمصالحة مع إخوان الدم ومنحهم قبلة الحياة بعد أن طعنوا مصر بخناجرهم الباردة لأعوام، حتى أسقطوها ورقصوا فوق جثتها طيلة عام.
وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، علينا أن نمارس الحذر الشديد من تحركات الإخوان الإعلامية أو السياسية في الفترة القادمة، وعلينا أيضاً أن نستعد لكل السيناريوهات المحتملة، العنيفة أو غير العنيفة، إما داخل مصر أو في أمريكا، في أعقاب تنفيذ ترامب وعده بإعلانهم ضمن التصنيفات الإرهابية العالمية.