ما بين قوات تتصارع هنا و رصاص يتطاير هناك، وقف اللبنانيون و أهالي بيروت في حيرة و ترقب ممزوجة بالرعب من فكرة وقوع حرب أهلية جديدة في بلادهم التي لا تكاد أن تفيق من نكبة إلا و تسقط في مصيبة شد وطأة منها.. ربما هذا هو قدرك يا لبنان فتجلد!
أحببت أن أطلعكم على المقال الرائع الذي وصلني عبر الإيميل اليوم من صديقتي العزيزة و الصحفية الشابة الواعدة كارول كرباج. كارول لم تكتب هذا المقال كصحفية و لكن كإبنة لهذا الوطن الجميل الذي كتب عليه أن يعيش وسط أصوات الرصاص و النيران التي أشعلها أبنائه بأيديهم و التي لم و لن تنال من جماله!
العزيزة كارول.. لك مني أنت و كل الشعب اللبناني الصامد كل الاحترام و التقدير
في الملجأ.. اختبأنا بين الخوف والأمل
كتبت: كارول كرباج –
من داخل بيروت
10 مايو 2008
عادت أصوات الرصاص ومعها عويل النساء.. عاد الخوف ورائحة الموت والغضب ومشاهد الدمار. دموع تسقط كالرصاص من عيون أمي وهي تتمتم بصوتها المرتجف "انها الحرب مجدداً!"
أصداء حقد مدوية. ابتعدوا عن النوافذ والشرفات. الجميع الى الملاجئ. انها الحرب مجدداً.
المكان ضيّق. التوتر والرعب يجعله أكثر ضيقاً. خوفك محاصر في بضعة أمتار.. معها أحلامك الكبيرة منها والصغيرة!
قذيفة أر بي جي. ب 7. لم ننس بعد أسماءها. المكان يضيق أكثر فأكثر. وانت تتلاشى مع وجوم المحاصرين بقربك، مع بكاء الأمهات في الشارع.. وسجالات سياسية لا بداية لها ولا نهاية.
ذكريات استيقظت على وقع اصداء النيران. تعانقني أمي وتتذكر بحرقة قلب كيف كانت تركض قبل عشرين سنة تحت القصف في الحي المجاور ورصاص القناصة يداعب الهواء.. كنت حينذاك انظر الى الوطن يشتعل من بطن أمي.. مستهجنة ورافضة كيف يتقاتل أبناء الوطن.. تردّدت.. أيستحق هذا الوطن ان أولد من اجله؟
أخي يصغي اليها.. فيتذكر بدوره كيف كان أبي يخاطر بحياته تحت القنص والقصف كي يؤمن لنا الحليب والخبز. الذكريات فعلاً مؤلمة.. لكنها تلطّف أجواء الرعب وتخفّف من ضيق المكان.. تذكرنا ان الحروب هي ايضاً ألفة ومحبة.
قذيفة أخرى. في لبنان، كل الأجيال محكوم عليها ان تشرب من كأس الحروب. وكأن ذكرى المجازر والقتل على الهوية وأعداد المخطوفين والمفقودين والمهجرين والليالي الطويلة في الملاجئ وتحت الأدراج، ومشهد اكتظاظ الجرحى والقتلى في المستشفيات، والوقوف لساعات سعياً لربطة خبز وسقوط القذائف العشوائية.. وكأن كل ذلك لا يكفي!
رصاص الـ ب 7 يكسر الصمت مجدداً. الجميع متمترس امام التلفاز. نتوق الى خبر.. الى نتفة معلومة.. فنحن لا يصلنا سوى الرصاص! يا الهي، ايعقل ان نشاهد نشرة جوية في ظل هذه الاشتباكات؟ الشتائم تنهمر على المحطة.. هل تسمح حرارة المعارك بنشرة جوية!؟
أترقب وجه أبي. لم أر يوماً تعابير الضعف والانكسار في عيونه. صامت من لحظة اعلان "الدفاع عن السلاح بالسلاح". "لقد أعذر من أنذر"، كم من السهل ان نلفظ هكذا عبارة!
ينظر الينا وفي عيونه الكثير من الاعتذار.. فهو لم يأت بنا الى الحياة كي نحاصر بالخوف والموت.. بل لننطلق بالأحلام والطموح!
لم أعد أحتمل. المكان يضيق مجدداً مع أصوات المذيعين والمذيعات وتصاريح آخر الليل الصادرة عن أصحاب القصور واللحى.. بيانات تنذر بالمزيد والمزيد من النيران!
مع تجدد الاشتباكات، كانت ايضاً النكات تتساقط من وحي المناسبة.. وسيلة لتفادي الموت البطيء والتمسك بما تبقى من أمل...
على أصوات الرصاص، انتظرنا طلوع الشمس.. علّه يقلب صفحة ليلتنا الداجية ويأتي بنهار مشرق!
----------------
الصورة المنشورة أعلاها منقولة عن موقع كارول كرباج على فليكر، لمزيد من الصور أضغط على الرابط التالي:
http://www.flickr.com/photos/carolekerbage