يترأس وزير الخارجية المصري سامح شكري الوفد المصري الذي يجري أحدث جولات الحوار الاستراتيجي بين مصر وأمريكا، هذا الأسبوع. بحسب البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بشأن الاجتماع، سوف يلتقي شكري مع كبار المسؤولين من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع الأمريكية، الذين سيكونون برفقة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ولعلها تكون فرصة جيدة لمناقشة النهج المعيب المتمثل في استخدام حزمة المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر كأداة للضغط من أجل تحسين حقوق الإنسان، والتي لا تؤتي بأي ثمار، لكنها فقط تضر بالعلاقة بين الطرفين. فمنذ شهرين تقريباً، هددت الولايات المتحدة بقطع جزء من المساعدات العسكرية حتى تفرج الدولة المصرية عن عدد من السجناء، الذين اكتشف السيناتور الأمريكي تيد كروز لاحقًا أنهم أعضاء في جماعة الإخوان المسلمين.
تستمد هذه الجولة من الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي أهميتها ليس فقط من كونها الأولى التي تعقد في ظل إدارة بايدن، ولكنها أيضًا الأولى منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، قبل عقد كامل من الزمن. وقد عبر البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية بخصوص هذا الاجتماع عن تشوق الولايات المتحدة للتحاور مع مصر من جديد، مؤكداً على "أن مصر شريك حيوي للولايات المتحدة. نحن ملتزمون بتقوية الشراكة بين الولايات المتحدة ومصر الممتدة منذ أربعين عامًا من خلال تعزيز التعاون الأمني، والنهوض بحقوق الإنسان، وتنمية علاقاتنا الاقتصادية والعلاقات الثقافية المهمة"
إن نطاق الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر، والذي بدأ منذ أكثر من عقدين، أوسع من الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية المباشرة للعلاقة الثنائية التي استمرت أربعين عامًا بين مصر والولايات المتحدة. لقد ساهمت الحلقات السابقة من هذا الحوار الاستراتيجي في تحديد أجندة المناطق التي تهم الولايات المتحدة وتتمتع مصر بتأثير سياسي أو اقتصادي عليها؛ وهي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، منطقة شرق المتوسط، ومنطقة شرق إفريقيا.
هذه المرة، يجري الحوار الاستراتيجي بين مصر والولايات المتحدة بينما تمر جميع المناطق المذكورة بأوقات عصيبة وظروف سياسية واقتصادية وأمنية شديدة التعقيد. لا يزال الشرق الأوسط، لا سيما منطقة الخليج والمشرق العربي، يحاول النجاة من عواقب الانسحاب الأمريكي الفوضوي للغاية من أفغانستان، والذي سوف يزيد من معاناة المنطقة مع حالة شبه مستمرة من انعدام الاستقرار السياسي وانتشار جماعات الإرهاب. وبالمثل، فإن منطقة شرق إفريقيا تعج بالحروب الأهلية التي وفرت تربة خصبة للمنظمات الإرهابية والميليشيات القبلية. حتى أن حوض البحر المتوسط تعرض لزلزال سياسي وأمنى كبير في ظل سلسلة من الصراعات الإقليمية التي تعيد الأن تشكيل المستقبل الجيوسياسي والتوازن الاقتصادي للمنطقة. وربما لحسن الحظ، تلعب مصر دورًا محورياً في حسم مسارات ونتائج هذه الصراعات.
إلا أن المثير في هذه الجولة، هو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني لم يعد على رأس أولويات أجندة الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ومصر، هذا على الرغم من حقيقة أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان السبب الرئيسي الذي دفع إدارة كلينتون لبدء الحوار الاستراتيجي مع مصر، في عام ١٩٩٨. ومن المفارقات، أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني كان أيضًا السبب وراء قرار إدارة بايدن التصرف بشكل أكثر ودية مع قيادة الرئيس السيسي في مصر، على الرغم من حالة الحذر والترقب التي أظهرتها إدارة بايدن تجاه مصر في بداية توليها، وذلك بعد نجاح مصر بمفردها في السيطرة على الصراع المسلح بين حماس وإسرائيل، قبل أربعة أشهر، مما أجبر الإدارة الأمريكية على النظر بجدية أكبر إلى مصر الجديدة، كشريك إقليمي لا يمكنها الاستغناء عنه أو تهميشه.
إن استئناف الحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن، بعد توقف طويل، هو في حد ذاته سبب يجعلنا متفائلين بنتائج الاجتماع وبمستقبل العلاقات بين مصر وأمريكا بشكل عام. ولكن، يجب ألّا ينسينا ذلك نقاط الخلاف المحورية، فيما يخص الأجندة الثنائية والإقليمية، لدى كل من الطرفين، والتي يظهر فيها تباين واضح بين وجهة نظر الرئيس السيسي والرئيس بايدن، بشكل ربما يعيق من تفعيل أي نتائج إيجابية لهذه المحادثات أو غيرها. وأهمها، أولاً تباين وجهات النظر بين مصر وأمريكا حول جماعة الإخوان المسلمين، الذين تتعامل معهم مصر كتنظيم إرهابي بينما تتعامل معهم الولايات المتحدة كنشطاء حقوقيين ومعارضة سياسية مصرية. وثانياً، الموقف تجاه النزاع القائم على نهر النيل بين مصر والسودان وأثيوبيا، والذي تعتبره مصر مسألة حياة أو موت، بينما لا تكترث الإدارة الأمريكية به كثيراً، على الرغم من أنه يمثل تهديدًا خطيرًا للسلم والأمن الدوليين. ومن ثم، يجب أن يكون مناقشة وحل هذه المواقف المتباينة هو الخطوة الأولى تجاه أي حوار أو تعاون استراتيجي بناء ومثمر بين البلدين.