من الواضح أن المجتمع الدولي، وكذلك حلفاء السودان الإقليميين، حذرون للغاية بشأن الطريقة الصحيحة للتفاعل مع الاضطرابات السياسية الأخيرة في السودان. إنهم يحاولون بشكل يائس عكس الخطوة التي اتخذها الفريق عبد الفتاح البرهان ضد الجناح المدني في مجلس السيادة السوداني، والذي يتولى البرهان رئاسته منذ توقيع الاتفاق المنظم له في أبريل ٢٠١٩. لكن، في الحقيقة، لسنا متفائلين بأن أيًا من الأطراف المعنية لديه القوة اللازمة لتغيير المشهد القاتم في السودان بشكل فعال، هذا ببساطة لأنهم لا يفهمون بشكل مناسب أن التطورات الأخيرة أكبر حجمًا وأعمق تأثيرًا من وصفها بأنها محاولة انقلاب جديدة، في بلد تاريخه مزدحم بالانقلابات العسكرية، فضلاً على الضعف المزمن في قدرات الأحزاب والتكتلات السياسية المدنية. ومن ثم، ما الذي يحتاج المجتمع الدولي أن يفعله بالضبط لإعادة السودان إلى مسار التحول الديمقراطي أو على الأقل استعادة الأمن والاستقرار السياسي إليه؟
في صباح يوم الاثنين ٢٥ أكتوبر، استيقظ الشعب السوداني ليرى أن المطارات قد أغلقت، وأن حالة الطوارئ قد تم فرضها على مستوى الدولة. في تلك الليلة، كان البرهان قد أقال زملائه المدنيين في مجلس السيادة، وقرر حل الحكومة، واعتقل كبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. في خطاب ألقاه في وقت لاحق من ذلك اليوم، برر البرهان الاستيلاء القسري على السلطة بأنه "إجراء ضروري لتجنب اندلاع حرب أهلية". منذ أشهر، لم تتوقف الخلافات السياسية بين فريقي حمدوك والبرهان داخل مجلس السيادة، حتى أنه في شهر سبتمبر، شن البرهان محاولة انقلابية متهورة ضد حمدوك، لكنها فشلت بسبب الضغط الدولي وعدم التخطيط السليم. ورداً على مسألة اختطاف حمدوك، أكد البرهان أن رئيس الوزراء ليس معتقلا أو مختطفاً، بل تم استضافته في بيت البرهان هو وأسرته كضيوف، وفي اليوم التالي لهذه التصريحات، تم إطلاق سراح حمدوك من منزل البرهان بعد ضغط وإلحاح من الولايات المتحدة.
في أول رد فعل، نزلت أعداد غفيرة من الشعب السوداني إلى الشوارع للاحتجاج على قرارات البرهان والمطالبة بعودة مجلس السيادة الذي كان يتولاه قيادات مدنية وعسكرية مشتركة منذ عام ٢٠١٩. يبلغ تعدد الشعب السوداني ٤٥ مليون نسمة، غالبيتهم من الشباب المتحمسين للتغيير الديمقراطي، لكنهم أيضاً مثقلون بتراث من الفساد السياسي والفشل الاقتصادي للدولة. مع الأسف، قُتل نحو عشرة مواطنين عندما أطلقت القوات العسكرية النار على تجمعات غاضبة خارج مبنى وزارة الدفاع، في ذلك اليوم. على الرغم من أن قوات الأمن، حسبما ورد من تقارير، اعتقلت جميع الرؤوس المنظمة للاحتجاجات، إلا أن المظاهرات في الشوارع لم تتوقف حتى الآن.
على الصعيد الإقليمي، أدانت جامعة الدول العربية خطوة البرهان، دون وصفها صراحة بأنها "انقلاب"، في حين أصدرت تركيا وقطر بيانات رسمية منفصلة عبرتا عن قلق كل منهما تجاه الاضطرابات في السودان ووصفتها بـ "محاولة انقلاب". لكن على الجانب الآخر، لم تصدر السعودية أو الإمارات أي بيان بهذا الشأن حتى هذه اللحظة، على الرغم من كونهما أكبر دولة داعمة للسودان عقب سقوط عمر البشير في ٢٠١٩، حيث وعدت السعودية والإمارات بثلاثة مليارات دولار لدعم القيادة الانتقالية التي كان يتولاها البرهان، بصفته قائد الجيش آنذاك. وقد تم بالفعل إيداع خمسمائة مليون من هذا المبلغ في البنك المركزي السوداني منذ عامين. وبالمثل، لم تتفاعل مصر، الجار الأقرب والحليف الأهم للسودان، مع الأحداث الأخيرة لا بالخير ولا بالشر، هذا على الرغم من حقيقة أن مصر أدانت سابقًا محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها البرهان في سبتمبر، لكن على ما يبدو، فضلت مصر التزام الصمت هذه المرة حتى لا تكسر تحالفها مع السودان ضد إثيوبيا في الصراع الدائر منذ فترة على نهر النيل.
أما على المستوى العالم، فهناك اهتمام كبير بما يجري على عكس ما كان متوقعاً، هذا ربما لأن موقع السودان الجغرافي يجعله نقطة محورية للتدفق التجاري عبر إفريقيا. علاوة على ذلك، فإن استقرار السودان وأمنه ضروريان للسيطرة على الانتشار المتزايد للتنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة. لذلك، سارعت الولايات المتحدة وقوى دولية كبرى أخرى، مثل المملكة المتحدة، إلى إدانة استيلاء الجيش على السلطة مصحوباً بوضع ضغوط اقتصادية على الدولة، على أمل إجبار البرهان على تخفيف قبضته واستعادة القيادة المدنية. في اليوم التالي لانقلاب البرهان، أعلن وزير الخارجية الأمريكية، بلينكين، أن إدارة بايدن ستعلق المساعدات المستحقة للسودان (تقدر بـ سبعمائة مليون دولار) حتى يتراجع البرهان عن قراراته الأخيرة. على الرغم من ذلك، كان المسؤولون الأمريكيون حريصين جدًا على عدم وصف الأحداث الجارية في السودان بأنها انقلاب.
بالتوازي مع ذلك، قرر البنك الدولي تعليق المساعدات التي كان يعتزم تقديمها للسودان حتى إعادة تمكين الحكومة المدنية. لسوء الحظ، ستزيد هذه العقوبات الاقتصادية من معاناة الشعب السوداني الذي أنهكه الفقر الممتد منذ سنوات، دون أن يكون لها أي تأثير حقيقي على البرهان. وفي ٢٨ أكتوبر، التقى الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان مع البرهان وعرض عليه التدخل كوسيط لتسوية سياسية بين الجناحين المدني والعسكري في المجلس السيادي، لكن حتى هذه المحاولة لا تبدو ذات جدوى، ببساطة لأن البرهان لم يعد بحاجة إلى التفاوض مع القيادة المدنية بينما هو الآن يستحوذ على جميع السلطات في قبضة يده.
بمصطلحات أكاديمية، لا يمكن تعريف الإجراءات التي اتخذها البرهان يوم الاثنين بأي صفة سوى أنها انقلاب. إن لم يكن انقلاب على سلطة مدنية فهو على الأقل انقلاب على الاتفاق الذي تم على إثره تشكيل المجلس السيادي ووعد الشعب بحلم الديمقراطية، التي تبدو أمراً مستحيلاً الآن. لكن في تقييم واقعي للحقيقة المرة، فإن ما فعله البرهان هو مجرد إعادة تنظيم السلطات التي ينعم بها بالفعل، منذ الإطاحة بنظام البشير في الثورة الشعبية التي اندلعت في ربيع ٢٠١٩.
إن الذين يتابعون المشهد السياسي المعقد في السودان منذ ذلك الحين، يعرفون جيداً أن البرهان والجيش الذي يقوده ما كانا ليسمحا أبداً لحكومة مدنية بحكم البلاد بشكل مستقل ودون تدخل منهم. لقد كان البرهان هو الحاكم الحقيقي للبلاد منذ الإطاحة بالبشير عام ٢٠١٩، ويبدو أنه سيبقى في سدة السلطة لسنوات كثيرة قادمة. في ضوء هذه الحقيقة، يحتاج اللاعبون الإقليميون والمجتمع الدولي إلى البحث عن الطريقة المثلى للتعامل مع الوضع في السودان، وتقليل الأضرار المحتملة قدر الإمكان.