في أقل من شهر، ستجري ليبيا أول انتخابات رئاسية في تاريخها، تحت مرأى ومسمع العالم، الذي يتطلع بشدة إلى نجاح ليبيا في إجراء هذه الانتخابات، وكذلك الانتخابات البرلمانية التي ستعقبها بشهر واحد. إلا أن الدول المجاورة لليبيا في الإقليم، مشغولة أكثر بما سوف يحدث بعد هذه الانتخابات، لا سيما فيما يتعلق باحتمال تجدد الصراعات العنيفة بين الأطراف المتنازعة والمنقسمة في غرب وشرق ليبيا. وهي مسألة تثير قلق مصر بشكل خاص، من بين كل جيران ليبيا في شمال أفريقيا أو في البحر المتوسط، نظراً لتأثر أمنها القومي واقتصادها، بشكل مباشر، بدرجة الاستقرار السياسي والأمني داخل ليبيا.
تشترك مصر مع ليبيا في كامل حدودها الغربية، وهي أطول حدود لمصر مع أي دولة، وهي عبارة عن خط طولي يمتد إلى ١١١٥ كيلو متر، حتى أنك إذا نظرت إلى الخريطة، يمكنك بسهولة طمس الخط الفاصل بين ليبيا ومصر لتراها كقطعة أرض واحدة، تتوسطها صحراء شاسعة ويعلوها بحر عريض. في فترة السبعينيات، اقترح الرئيس الليبي آنذاك، معمر القذافي، على الرئيس المصري السابق، أنور السادات، توحيد أراضي ليبيا ومصر في دولة واحدة، ولكن رفض السادات عرض القذافي، وترتب على ذلك توترات دبلوماسية انتهت بحلقة قصيرة من الصراع المسلح، معروفة أكاديمياً باسم "حرب الأيام الأربعة" (٢١-٢٤ يوليو ١٩٧٧). ولكن، سرعان ما تم استعادة السلام واستمرت العلاقات بين البلدين بشكل طبيعي.
وفي أعقاب الربيع العربي، مرت العلاقة بين ليبيا ومصر بمسار صعب. في الفترة من ٢٠١٢ إلى ٢٠١٦، وجدت الميليشيات والتنظيمات الإرهابية ملاذًا آمنًا في دول الربيع العربي التي وقعت في حروب أهلية، مثل سوريا وليبيا. عندما حكم الإخوان المسلمون مصر عام ٢٠١٢، أطلقوا سراح الإرهابيين الإسلاميين من السجن، بمن فيهم قتلة الرئيس السادات، وسمحوا لآلاف المتطرفين المصريين الذين قاتلوا مع القاعدة في أفغانستان، في حقبة التسعينيات، بالعودة إلى مصر.
في عام ٢٠١٣، عندما دعم الجيش المصري ثورة الشعب في الإطاحة بنظام الإخوان المسلمين من السلطة، وشن حملة موسعة للسيطرة على التنظيمات الإرهابية العاملة على الأراضي المصرية، لجأ العديد من الإرهابيين إلى زملائهم من الميليشيات الإسلامية في ليبيا التي مزقتها الحرب. ومن هناك شنوا عدة هجمات على رجال الشرطة والجيش المصريين الذين كانوا يعملون بالمدن الحدودية الغربية. لذلك تعاونت مصر مع الإمارات على دعم وتقوية ما تبقى من الجيش الليبي لمحاربة الميليشيات والتنظيمات الإرهابية التي أصبحت تشكل تهديد مباشراً على الأمن القومي المصري، آنذاك. ومن ثم، تم تشكيل ما يعرف الآن بـ "الجيش الوطني الليبي" بقيادة اللواء خليفة حفتر، في بنغازي، في منتصف عام ٢٠١٤.
في ديسمبر ٢٠١٥، تم تشكيل حكومة الوفاق الوطني المؤقتة السابقة بمبادرة من الأمم المتحدة. أعلنت حكومة الوفاق الوطني أن "الجيش الوطني الليبي" هو ميليشيا غير شرعية ورفضت الاعتراف به أو التعاون معه. ومع اشتداد الاشتباكات بين حكومة الوفاق الوطني والجيش الوطني الليبي، انحازت مصر والإمارات وانضمت لهم فرنسا إلى جانب قوات حفتر، في حين طلبت حكومة الوفاق الوطني المساعدة من تركيا، مما مهد الطريق للتدخل العسكري التركي في ليبيا، في ديسمبر ٢٠١٩، والذي ما زال مستمراً حتى اليوم. نظراً للخلاف السياسي طويل الأمد بين القاهرة وأنقرة، رأت مصر أن تدخل تركيا في ليبيا يمثل تهديدًا للأمن القومي، وقررت مواجهتها جنبًا إلى جنب مع القبائل في شرق ليبيا وجنوبها.
لكن، في ديسمبر ٢٠٢٠، قررت مصر تغيير سياستها في ليبيا من خلال إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع جميع الأطراف في المناطق الغربية والشرقية، عوضاً عن الميل إلى جهة واحدة فقط، وبالتالي بدأت بالتواصل المباشر مع حكومة الوفاق الوطني والاعتراف بها كحكومة شرعية مؤقتة، حيث سافر وفد مصري من مسؤولي المخابرات إلى طرابلس للقاء قادة حكومة الوفاق الوطني لأول مرة منذ توليها. وعندما تم انتخاب حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، في فبراير، كانت مصر من أوائل الدول في المنطقة التي تواصلت معها. في ١٨ فبراير، زار رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد دبيبة، الرئيس السيسي، في القاهرة، واتفقا على إقامة شراكة شاملة بين البلدين الشقيقتين لمساعدة ليبيا على استعادة السلام والاستقرار، وتحقيق تقدم على مستوى التنمية الاقتصادية.
الأسبوع الماضي في القاهرة، عقد الرئيس المصري اجتماع ثنائي مع محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي المؤقت، على هامش قمة "كوميسا"، وأكد الرئيس السيسي في الاجتماع أن الهدف الأساسي لمصر في ليبيا هو "تحقيق السلام والأمن للأشقاء الليبيين، وتفعيل الإرادة الحرة للشعب الليبي، وأن المصلحة العليا للدولة الليبية تأتي أولاً، انطلاقاً من مبادئ الحفاظ على وحدة الأراضي الليبية واستعادة الأمن والاستقرار وإنهاء التدخل الأجنبي".
تهدد الانقسامات الحالية بين الفصائل السياسية والعسكرية وانتشار المرتزقة الأجانب والميليشيات المحلية داخل ليبيا بأن أي خلاف على نتائج الانتخابات قد يحول البلاد إلى قطعة من الجحيم مرة أخرى. قد نشهد مشهدًا فوضويًا مشابهًا لما حدث في العراق على يد الميليشيات إثر إعلان نتائج الانتخابات الشهر الماضي. بل إنه قد يعيد إشعال الحرب الأهلية، والتي سيكون من الصعب للغاية السيطرة عليها هذه المرة. لذلك، يتعين على مصر وجميع الدول المجاورة المعنية بالشأن الليبي في شمال إفريقيا ومنطقة شرق المتوسط الاستعداد لهذا السيناريو. بالتزامن مع ذلك، يحتاج المجتمع الدولي إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة على وجه السرعة لمنع اندلاع العنف مرة أخرى بعد الانتخابات.