في أقل من شهر واحد، يترقب العالم بفضول اصطفاف ما يزيد على ٢.٥ مليون ناخب ليبي أمام مراكز الاقتراع لاختيار ممثليهم السياسيين المستقبليين في البرلمان والرئاسة. لكن على الرغم من الجهود الهائلة التي يمارسها المجتمع الدولي من أجل ضمان عقد الانتخابات في وقتها المحدد في ديسمبر، لا يزال من غير المرجح أن تتم الانتخابات في ظل حالة الانقسام الشديدة التي ما زالت ليبيا تعاني بسببها.
إن الهدف الرئيسي من عقد هذه الانتخابات هو تحقيق الأمن والاستقرار الذي طال انتظاره في ليبيا، بعد سنوات من المعاناة مع الحرب الأهلية وإرهاب داعش والقاعدة، والمليشيات المسلحة المحلية والأجنبية، التي قضت على كل ما هو جميل في ليبيا على مدار عقد كامل. أما الهدف غير المباشر، وربما الأكبر أثراً، من تحقيق الاستقرار في ليبيا عبر عملية ديمقراطية هو إعادة المناطق المتأثرة بالاضطرابات الليبية إلى العمل وفقاً للقوانين والأعراف الدولية، وعلى رأسها طبعاً مشاكل الصراع في منطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى الصراعات الأخرى في مناطق شمال ووسط إفريقيا.
دعونا نأمل أن تتم علمية التصويت بالشكل السلمي والديمقراطي الذي يسعى له ويتمناه المجتمع الدولي. إن نجاح هذه العملية الانتخابية في إقامة نظام حكم جديد ومستقر سيفتح أبواب المستقبل المزدهر أمام الشعب الليبي، وسوف يؤدي ذلك بالتالي إلى تعزيز الاستقرار والأمن في شمال ووسط إفريقيا وشرق المتوسط. لكن يظل كل ذلك مجرد تمنيات وأحلام، طالما أن الانقسامات العميقة بين القبائل والفصائل الليبية في المناطق الشرقية والغربية لم يتم حلها بعد.
القائمة الأولية للمرشحين الرئاسيين المحتملين، الذين سجلوا أنفسهم حتى الآن، هي مؤشر واضح على ذلك، حيث تضم القائمة أكبر مثيري المشاكل في ليبيا، سواء كانوا من بنغازي أو طرابلس. على رأس القائمة اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الذي يتمتع بقبضة قوية على المناطق الشرقية والجنوبية، وهو متهم بالفعل بتخطيط وتنفيذ عمليات قتل جماعي طالت المئات من الشعب الليبي في سنوات الحرب الأهلية. على الرغم من ذلك، فإن قانون الانتخابات المرن للغاية لم يمنعه من الترشح.
كما يمكن قول الشيء نفسه عن سيف الإسلام القذافي الذي ظهر في مكتب تسجيل المرشحين مرتديًا عباءة وعمامة والده الرئيس الأسبق معمر القذافي، الذي أطيح به من السلطة وقتله الثوار خلال سنوات الربيع العربي. في نفس الوقت، كان من المفارقات العجيبة أن نرى عقيلة صالح، رئيس البرلمان والحليف المقرب لحفتر، يقرر الانضمام إلى السباق على المقعد الرئاسي، هذا على الرغم من أن هناك مزاعم بأن عقيلة صالح تعمد صياغة نصوص وشروط الترشح في قانون الانتخابات، الذي صدر رسمياً في أكتوبر، ليناسب حفتر تحديداً ويحسن فرصه.
بوجود هذه الأنواع من المرشحين، لا يمكننا أن نتوقع أن يخرج أي شيء إيجابي من هذه الانتخابات. سيكون فوز أي منهم كارثيًا على مستقبل ليبيا وسيؤدي في النهاية إلى فشل الدولة مرة أخرى بشكل قد يكون من الصعب جدًا التعامل معه أو احتواء أثاره هذه المرة. في الوقت نفسه، ليس هناك ما يضمن أن أي منهم سيقبل نتائج التصويت دون تحويلها إلى حالة من العنف والاقتتال الذي قد يعيد إشعال الحرب الأهلية. في الحقيقة، لا أستطيع أن أتخيل أن اللواء حفتر، على سبيل المثال، سيقبل الخسارة في هذه الانتخابات دون محاولة إثارة الجحيم ضد طرابلس كما فعل من قبل مع حكومة الوفاق السابقة. من هذا المنطلق، ليس هناك ما يضمن أن هذه الانتخابات، بهذا الشكل، ستحقق الهدف الرئيسي للعملية السياسية؛ ألا وهو إحلال الأمن والاستقرار على المدى الطويل لليبيا والشعب الليبي.
إن الانتخابات والتصويت هي ممارسات ديمقراطية لا يمكن أن تقوم لها قائمة في ظل المشهد السياسي الليبي الذي يسيطر عليه الفوضى والانقسام، وتلعب فيه الميليشيات دور أهم من دور الجيش المنقسم والضعيف. إن هذا الممارسة الديمقراطية التي تعتمد على صناديق الاقتراع هي ممارسة سياسية تتطلب أرضية صلبة من الوحدة الاجتماعية والأمن القومي لتنجح وتستمر، وإلا فقد تفشل بطريقة تقضي على عملية الحل السياسي برمتها وتضخم المآسي العديدة التي تعاني منها ليبيا حالياً.