Tuesday, April 06, 2021

الاستعراض الملهم للحريات الدينية في مصر أثناء موكب المومياوات



شهدت القاهرة، يوم السبت ٣ أبريل، حفل نادر ومهيب، هو حفل الموكب الذهبي، الذي تم اثناءه نقل ٢٢ مومياء ملكية لملوك وملكات مصر الفرعونية، من المتحف المصري بميدان التحرير، وسط القاهرة، إلى المتحف القومي للحضارات المصرية بمنطقة مصر القديمة. إن عظمة الحفل، الذي أذهل أنظار المتابعين من جميع أنحاء العالم، لم تنبع فقط من تفرد الحضارة المصرية القديمة، ولكن أيضاً من استغلال الاهتمام العالمي بالحدث لاستعراض الآثار الثقافية والدينية للحضارات المتنوعة التي تعاقبت على مصر، طوال تاريخها الممتد لآلاف السنوات، وكيف استطاع الشعب المصري استيعابها دون أن يؤثر ذلك على هويته المصرية الأصيلة، وربما كان هذا هو الجزء الأكثر إلهامًا في الحدث بأكمله.

أثناء نقل المومياوات الملكية، قام عدد من الفنانين باستعراض تاريخ الحضارات المتعاقبة التي خطت آثارها على التراب المصري منذ عهد الفراعنة حتى يومنا هذا. وشمل ذلك استعراض حالة التعايش السلمي التي امتدت لقرون طويلة بين الديانات السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، قبل ظهور التحيزات السياسية والدينية، خاصة في منتصف القرن العشرين، التي أحدثت تمزقات عنيفة في وحدة وطبيعة النسيج المصري الفريد.

ليس من المبالغة القول إن الانتكاسات السياسية والاقتصادية التي عانت منها مصر خلال النصف الثاني من القرن العشرين تعود بشكل مباشر إلى التغيرات السلبية التي طرأت على طبيعة المصريين المتسامحة والمتقبلة لكل الأديان والحضارات. في فترة ما بين العشرينيات والأربعينيات من القرن الماضي، كانت العاصمة المصرية القاهرة ومدينة الإسكندرية الساحلية في الشمال بمثابة مراكز للتبادل الفكري والفني بين الثقافات الأوروبية والعربية والأفريقية. وبينما كانت الحروب العالمية تقضي على الأخضر واليابس في أوروبا بلا رحمة، كانت مصر تزهو تحت أضواء ما يُعرف تاريخيًا بالحقبة الليبرالي لمصر الحديثة. لكن، مع الأسف، كان ظهور الجماعات الإسلامية السياسية المتطرفة، مثل الإخوان المسلمين في العشرينيات والجماعات السلفية في السبعينيات، بالإضافة إلى الصراعات الجيوسياسية الإقليمية في البلدان المجاورة، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع السني الشيعي في منطقتي الخليج والشام، سبب في تدمير أجمل ما في المصريين، وهو قدرتهم التاريخية على التسامح وتقبل الآخر. 

لقد هددت العقيدة المتطرفة التي روج لها الإسلاميون، والتي تحولت فيما بعد إلى عمليات جهادية عنيفة بواسطة الجماعات السلفية المتطرفة، سلامة واستقرار المواطنين المسيحيين، ووضعتهم تحت ضغوط اجتماعية وسياسية لا تحتمل، طيلة عقود. في غضون ذلك، أدى ظهور الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في الأربعينيات، إلى جعل اليهود المصريين يدفعون ثمن صراع ليس لهم أي ذنب فيه، حيث لجأت الدولة المصرية، آنذاك، والتي اعتمدت أيديولوجية قومية عربية شديدة التحيز والتطرف، لممارسة التمييز ضد يهود مصر، بشكل جعل بقاءهم في مصر أمر أشبه بالمستحيل، وأضطر أغلبهم لمغادرة البلاد.

منذ انتخابه في عام ٢٠١٤، أظهر الرئيس السيسي تفانيًا لا مثيل له في مهمة تحسين الحريات الدينية في مصر، كأداة رئيسية لمكافحة التطرف والإرهاب واستعادة السلام والأمن والاستقرار في البلاد. فقد وصل الرئيس السيسي إلى السلطة في فترة الفوضى الشديدة وانعدام الأمن التي افتعلتها جماعة الإخوان المسلمين بهدف الانتقام من المصريين الذين عزلوهم من السلطة، في يونيو ٢٠١٣. ولم يتردد الرئيس السيسي في اتخاذ خطوات، كانت صادمة للبعض، من اجل إحياء التراث اليهودي والمسيحي في مصر، والضغط على الأزهر لتنقية الخطاب المتطرف في نصوص التراث الإسلامي، وبذلك تمكن السيسي من إعادة إيقاظ الطبيعة المتسامحة دينياً وثقافياً في قلوب عامة المصريين، والتي كانت دائمًا السر في ازدهار مصر على مدى تاريخها الطويل. كمثال حديث، في فبراير، اعتمدت وزارة التربية والتعليم تدريس مادة جديدة لطلاب المدارس الابتدائية والإعدادية، بعنوان "القيم المشتركة" يدرس فيها الطلاب النصوص الدينية والقيم المشتركة بين الأديان الإبراهيمية الثلاثة؛ اليهودية والمسيحية والإسلام، مع العلم أنه لم يتم تدريس النصوص الدينية اليهودية في المدارس المصرية منذ عهد جمال عبد الناصر.

أثناء نقل المومياوات الملكية، يوم السبت، استعرض الممثل المصري الشهير خالد النبوي الآثار الدينية التي تم تجديدها مؤخرًا من العصور اليهودية والمسيحية والإسلامية، بما في ذلك تجديد المعبد اليهودي إلياهو هانابي في الإسكندرية عام ٢٠٢٠، والذي يعود بناءه إلى القرن الرابع عشر؛ وترميم كنيسة أبو سرجة في القاهرة عام ٢٠١٦، والتي يعود تأسيسها للقرن الرابع؛ وأيضاً ترميم متحف الفن الإسلامي عام ٢٠١٧، بعد أن تعرض لهجوم إرهابي على يد عناصر الإخوان ضمن أحداث العنف التي سادت أرجاء البلاد في عام ٢٠١٤. واختتم نبوي عرضه المتميز عن تاريخ التسامح الديني في مصر بقوله: "على هذه الأرض، كل يوم، كان الناس دائمًا أحرارًا في ممارسة معتقداتهم". 

تحت تأثير هذه المشاهد الملهمة، دعونا نعمل بجدية أكبر لاستعادة مصر إلى كونها الأرض التي يمكن لكل إنسان ممارسة معتقداته، أياً كانت، بحرية كاملة فيها. ربما كان هذا التسامح الذي نفتقده كثيراً اليوم، هو السر الذي استطاعت مصر من خلاله الحفاظ على حضارتها العظيمة على مدى آلاف السنوات.