قبل أيام قليلة من انتقال السلطة رسمياً من الرئيس الجمهوري ترامب إلى الرئيس الديمقراطي جو بايدن، تعم الفوضى السياسية، بشكل غير مسبوق، أرجاء العاصمة الأمريكية واشنطن، من جراء الانقسامات السياسية الحادة داخل المجتمع الأمريكي، بين مؤيدي ترامب المنتمين إلى اليمين المتطرف، وبين مؤيدي بايدن المنتمين إلى الحركات اليسارية المتطرفة حديثة النشأة في داخل المجتمع الأمريكي. إلا أن ذلك لم يمنع إدارة الرئيس ترامب من إعلان بعض القرارات الهامة تنفيذاً لوعود ترامب السابقة بشأن ملاحقة التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط.
فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في الأسبوع الأول من شهر يناير، عن إدراج جماعة الحوثي في اليمن على قوائم الإرهاب، في خطوة لم يستغربها المراقبون بوصفها استكمال لمنهج إدارة ترامب في محاربة إيران وميليشياتها المنتشرة عبر المنطقة، لكن كانت المفاجأة حقاً هو قيام وزارة الخارجية الأمريكية، في منتصف يناير، بإعلان تشديد العقوبات على حركة حسم التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، والتي تعمل في مصر منذ عام ٢٠١٤، وإدراجها على قوائم التنظيمات الإرهابية الأجنبية، التي تصدرها الخارجية الأمريكية مرة كل عامين، وقد جددت هذه الخطوة الأمل لدى كثيرين في إمكانية قيام الولايات المتحدة بتصنيف جماعة الإخوان، أيضاً، كمنظمة إرهابية أجنبية.
وقد سبق أن وضعت الخارجية الأمريكية، في عام ٢٠١٨، كل من حركة حسم وجماعة لواء الثورة، الإخوانية أيضاَ، على القائمة الخاصة للتنظيمات الإرهابية الدولية، بسبب ما يقومون به من أعمال عنف تستهدف مدنيين، حيث أن حركة حسم هي عبارة عن ميليشيا مسلحة خرجت من رحم جماعة الإخوان المسلمين، بعد سقوط حكم الإخوان في مصر في يونيو ٢٠١٣، وقام بتكوين هذه الحركة عدد من شباب جماعة الإخوان الذين أرادوا تنفيذ عمليات إرهابية في ربوع مصر بهدف إحداث حالة من الفوضى تمهد لعودة الإخوان للحكم مرة أخرى، وقد استهدفت عمليات الحركة رجال الجيش والشرطة وأسرهم وبعض مؤسسات الدولة، وبعض الرموز السياسية مثل النائب العام المستشار هشام بركات الذي قامت حركة حسم باغتياله أثناء خروجه من منزله، في يونيو ٢٠١٥، وقد تمت عملية اغتياله بالتنسيق بين مؤسسي الحركة الذين هربوا من مصر إلى تركيا، وشباب ينتمي تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين كانوا يعيشون في مصر آنذاك.
كما ذكرت الخارجية الأمريكية، في نفس البيان، أنها راجعت وضع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، المصنفة مسبقاً كتنظيم إرهابي، وقررت الاستمرار في تصنيفها على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية. وجدير بالذكر هنا، أن جماعة الجهاد الإسلامي، رغم أنها تعمل في غزة، ومدعومة بقوة من إيران، إلا أنها في الأصل تنتمي لحركة حماس، التي هي بدورها أحد الأذرع العسكرية لجماعة الإخوان المسلمين، وحركة حماس أيضاً مصنفة كتنظيم إرهابي لدى أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأخرى، منذ التسعينيات.
إن تصنيف حركة حسم من قبل الخارجية الأمريكية كمنظمة إرهابية هو دليل جديد على أن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة تتخذ من ممارسة العنف منهجاً لها، وبالتالي هي مؤهلة تماماً لتصنيفها على أنها منظمة إرهابية أجنبية وفق القانون الأمريكي. ومن المؤسف أن كل التنظيمات المسلحة التابعة للجماعة ومنها حركة حسم ولواء الثورة وحماس والجهاد الإسلامي، كلها فصائل مسلحة تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة غير قادرة على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، لأسباب بعضها سياسي وبعضها قانوني.
من الناحية القانونية، فإن الثغرات القانونية التي يستند عليها الفريق الرافض لإدراج الإخوان على قوائم الإرهاب داخل أروقة صناعة القرار في أمريكا، ما زالت قائمة، ولم يتم حلها أو تقديم ما يثبت ضرورة تجاوزها، وأهمها هو عدم إمكانية إثبات أن جماعة الإخوان تتحرك ككيان واحد ينتهج كل أطرافه العنف، بما في ذلك القيادات والسياسيين التابعين لها، وبرغم كل ما قدمناه في السنوات الماضية كمراكز أبحاث ودول وحكومات إلى الإدارة الأمريكية من مستندات تثبت تورط جماعة الإخوان في أعمال عنف، وبرغم حقيقة أن الإخوان تتخذ فكرة الجهاد العنيف شعاراً ومنهجاً لها، إلا أن إثبات المسألة قانونياً لوزارة العدل الأمريكية ووزارة الخارجية وغيرها من الأجهزة المسؤولة داخل الولايات المتحدة بشكل لا يقبل الجدل، لم يتم حتى الآن.
أما من الناحية السياسية، فعلى الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين قد أصبحت ورقة محروقة بالنسبة لجميع الأطراف التي كانت تدعمها في السنوات الماضية، بدءاً بتركيا وقطر وانتهاءاً ببريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، نظراً للانقسامات الشديدة بين قياداتها وتشتت قواعدها، لكن ما بقي أردوغان وحزبه الإخواني في سدة الحكم في تركيا، وبقيت فصائل الجماعة في مناصب سياسية في دول مثل تونس والمغرب والأردن والحكومة الفلسطينية، سوف يستمر الوضع على ما هو عليه، وستحسب الولايات المتحدة ألف حساب لمسألة إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولي، حتى لا تخسر علاقاتها الدبلوماسية ومصالحها السياسية مع هذه الدول.
والحقيقة لست متفائلة بأن الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس جو بايدن قد تتخذ خطوات جادة نحو تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، لكن علينا مواصلة الجهد في توثيق عنف جماعة الإخوان المسلمين وتوعية الرأي العام، في جميع أنحاء العالم، بحقيقة الإيديولوجية المتطرفة التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين، وتتغذى عليها كل المنظمات الإرهابية الإسلاموية، التي تنشر الخراب في شرقنا الأوسط اليوم. على الأقل هذا النشاط في كشف الوجه القبيح للجماعة ربما يحد من قدرتها على الانتشار واستعادة قوتها في ظل حالة الفوضى الاقتصادية والسياسية والصحية التي تسود العالم كله الآن.