لعل السؤال الذي يشغل الرئيس السيسي وفريقه الآن هو عن النقطة الرئيسية والأهم التي يجب أن تناقش باستفاضة ونخرج منها بنتائج حقيقية ومؤثرة لصالح مصر من اللقاء المرتقب في مطلع أبريل بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
هل هي مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، أم مكافحة الإرهاب داخل مصر، أم إدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولي، أم السلام بين فلسطين وإسرائيل، أم إحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة في الداخل، أم المساعدات العسكرية؟
كلها موضوعات مهمة، وستطرح للنقاش حتماً، ليس فقط بين الرئيسين ولكن في كل المحافل الإعلامية والسياسية التي ستحيط باللقاء، وربما أيضاً في كل وسائل الإعلام التي ستسعى لاستضافة الرئيس السيسي أثناء وجوده في واشنطن، وإن كنت أفضل أن يرفضها الرئيس لأنها في غالبها ستكون محاولة لضرب ترامب من خلال السيسي، أكثر منها إتاحة الفرصة للرئيس المصري أن يقدم وجهة نظر بلده في العلاقات الخارجية التي تربط البلدين وترسم مصير الشرق الأوسط كله.
لكن تبقى النقطة الأهم من كل ذلك، والتي أتمنى على الرئيس السيسي أن يضعها على قمة أولويات هذا اللقاء، هي مناقشة فرص التعاون الاقتصادي بين البلدين، ليس عن طريق المساعدات، التي تجعل من مصر حليف مضطر للدولة العظمى، ولكن عن طريق تقديم عروض استثمارية مغرية للجانب الأمريكي، تجعل مصر شريك لا يمكن الاستغناء عنه، وتجعل الرئيس الأمريكي ولو بدافع المصلحة الأمريكية البحتة، يقبل على فتح قنوات اقتصادية جديدة بين البلدين، تبدأ من زيادة تحرير التبادل التجاري، وتشجيع المستثمر الأمريكي على استغلال ما لدى مصر من امتيازات بشرية، من حيث كثرة عدد السكان وتوافر قوة عمل رخيصة التكلفة، وامتيازات جغرافية نظراً لموقع مصر الفريد بين الثلاث قرات الأهم في أي عملية استثمارية في المستقبل.
لماذا يجب أن يكون الاستثمار والتعاون الاقتصادي هو المحور الأهم في حديث الرئيسين؟
أولاً لأن مصر بحاجة لتوفير ما يضمن لها مواصلة مسيرة التنمية الاقتصادية التي بدأها الرئيس منذ توليه الحكم قبل ثلاثة سنوات، والتي اعتمدت في غالبها على منح ومساعدات من دول عربية، كنا نعرف أنها لن تستمر طويلاً، وربما الرقم الزهيد للمساعدات في ميزانية 2016/2017 التي يناقشها البرلمان الآن هي أكبر حافز على أننا يجب أن نبحث عن موارد جديدة وطويلة الأمد، وليس أفضل من فتح فرص استثمارية مع دولة مثل أمريكا كحل لاستمرار التنمية الاقتصادية في مصر، خصوصاً في ظل صعوبة عمل تنمية حقيقية في مجال السياحة الذي يعتبر المورد الأكبر لاقتصاد مصر، بسبب التوتر الممتد في العالم العربي.
ثانياً الرئيس ترامب هو رجل أعمال قبل أن يكون رجل سياسة، وفهمه للغة الأعمال أكبر بكثير من فهمه للغة السياسة، وحملته الانتخابية "أن نجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" كانت كلها تدور على محور توفير الرخاء الاقتصادي للمواطن الأمريكي، وهي خير دليل على أن الاقتصاد هو كل ما يشغل تفكير هذا الرجل، وقد رأينا كيف تعامل ترامب منذ توليه الحكم مع الدول التي لديه هو شخصياً أعمال اقتصادية بها، من خلال شركاته الخاصة، بما في ذلك روسيا التي تعتبر العدو التاريخي لأمريكا.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، مع من نتنافس على جذب المستثمر الأمريكي والحكومة الأمريكية لمصر؟ هناك طرفان يتجاذبان معنا في هذه المعادلة، الطرف الأول هو دول التعاون الخليجي والتي رغم ثرائها واستقرارها تتفوق عليها مصر في القوة البشرية، وحرفية العمالة ورخصها، فضلاً على توافر مساحات كبيرة من الأرض يمكن للمستثمر الأجنبي بناء مصانعه عليها، وتشغيلها، والطرف الثاني هو الصين، التي توازي مصر من حيث حرفية ووفرة العمالة، لكن تتفوق عليها مصر من حيث الموقع الجغرافي، فهي أقرب للولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي تكلفة نقل المواد الخام إليها ونقل المنتجات منها ستكون أوفر بكثير على المستثمر، وكذلك تكلفة تسويق البضائع المنتجة في دول أسيا وأوروبا وأفريقيا ستكون أفضل بكثير لو تم إدارتها من داخل مصانع المستثمرين وشركاتهم في مصر، وأيضاً كون مصر طرف في كل الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة الحرة وما لديها من موانيء برية وبحرية وجوية يجعلها هي الاختيار الأفضل لأي مستثمر.
لو أن مصر تتمتع بكل هذه الامتيازات الطبيعية، ما العائق إذاً في جذب الاستثمارات الأمريكية أو الأوروبية لمصر؟ التحدي الأكبر ربما هو الاستقرار الأمني والسياسي، وقد قطعت مصر شوطاً كبيراً في هذا الجانب، لكن حتى اليوم لم يتم تسويقه بالشكل الملائم لدى الغرب، وهذا يضع تحدي خاص على الرئيس السيسي في زيارته المقبلة لأمريكا، لتوضيح حقيقة أن مصر أصبح لديها من الاستقرار ما يضمن للمستثمر عدم تهديد مصالحه في المستقبل، أما التحدي الثاني، وربما الأسهل، هو تعقيدات الإجراءات الحكومية التي عادةً ما يواجهها أي مستثمر داخلي أو خارجي، وقد لمسنا جهد واضح من الدكتورة سحر نصر، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي، في الأشهر القليلة الماضية لتجاوز هذه العقبات، لكن ما زال هناك المزيد الذي يجب أن يبذل في هذا الإطار خصوصاً على مستوى الإصلاحات الداخلية في الوزارة نفسها.
وخلاصة القول، أن موضوع التشارك الاقتصادي بين مصر وأمريكا يجب أن يكون على رأس أي حوار يتم بين الرئيسين، ولو حسن تقديمه والتفاوض بشأنه، سيشكل محور أساسي في التعاون بين البلدين على كل المستويات الأخرى، بما في ذلك المحور الأمني من حيث محاربة الإرهاب في المنطقة، والمحور السياسي من حيث قضية السلام وتوازونات القوى في الشرق الأوسط.