إن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا الأسبوع هي زيارة تاريخية بكل المقاييس، ليس فقط لأنها أتت بعد أربعة عقود من الشد والجذب بين الطرفين، أو لأنها الأولى التي نلحظ فيها تلك الحفاوة والإعجاب من قبل رئيس أمريكي برئيس مصري منذ السادات، وليس لأنها الأولى التي تقترب فيها مصر من أمريكا كشريك ذو رؤية ومصالح واضحة يتفاوض بشأن تحقيقها، ولكن لأن نجاح هذه الزيارة يرسم شكلاً جديداً لكوكب الأرض تحت مثلث القوى الأكثر تأثيراً في عالمنا اليوم.
هناك ثلاث زوايا لهذا المثلث، أولها بيد الولايات المتحدة الأمريكية، القوة الأعظم والمتحكم الرئيسي في كل المجريات السياسية والاقتصادية التي تسير عالمنا، وثانيها بيد روسيا، التي لها نفوذ كبير عبر قوتها العسكرية والناعمة أيضاً على كل ما هو شرقي، بدءاً من شرق أوروبا إلى شرق منطقتنا أيضاً، لدى روسيا علاقات ومصالح مؤثرة مع إيران وسوريا وكثير من دول الخليج العربي، وثالث هذه الزوايا قد أصبح اليوم وبعد هذه الزيارة الناجحة بيد مصر، الأخت الكبرى للدول العربية وأفريقيا شمالاً وجنوباً، وصاحبة العلاقات المتميزة مع دول أوروبية في حوض البحر المتوسط ووسط أوروبا.
لقد أثبت التاريخ، وتجارب الحاضر أيضاً، أن مصر هي الحليف الشرق أوسطي الذي لا يمكن الاستغناء عنه، فقد سبق وحاول أوباما ومن قبله بوش الرهان على دول أخرى مثل السعودية لما تتميز به من ثروات نفطية ونفوذ واحترام كبيرين في الخليج، لتحل محل مصر في لعب هذا الدور القيادي في المنطقة ولم يجنيا ثماراً تذكر.
إن على مصر دور كبير كطرف ثالث في هذه المعادلة، أولاً من حيث ضرورة إعادة ميزان الأمور لنصابها الصحيح، مصر الآن هي حليف لا يمكن الاستغناء عنه للطرفين الأمريكي والروسي، والطرف الضامن لاستقرار العلاقة بينهما في مواجهة عدو مشترك هو الإرهاب، وثانياً فمصر أيضاً هي الآن الضامن الحقيقي لأن أي من القوتين العظمتين لن يجور على حقوق المواطنين الأبرياء في منطقة الشرق الأوسط لتحقيق مكاسب سياسية لأي من الطرفين، خصوصاً بعد ما رأيناه من حالة العناد التي كانت تسيطر على الطرفين الروسي والأمريكي بشأن الموقف من سوريا والحرب على داعش على الأراضي السورية والعراقية، وكذلك الأمر بالنسبة للحرب في ليبيا.
كل هذا يشكل تحدي جديد لمصر، التي ما زالت تحارب على جبهتها الداخلية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً، والرئيس السيسي وجيشنا العظيم ليسا وحدهما في مواجهة هذا التحدي، بل نحن أيضاً كقوى شعبية وأحزاب سياسية ومجتمع مدني شركاء فيه، وعلينا أن ندرك حجمه وخطورته، بأن نركز جهدنا فقط على ما يبني لبنات المستقبل ولا نحمل الدولة أعباء أكثر مما تحتمل الآن، بما يمهد الطريق للقيادة السياسية لتحقيق كل الأمال المعقودة عليها.