أن تضطر عشرات الأسر المصرية لترك بيوتها في مدينة العريش لتلجأ إلى الكنيسة الإنجيلية في مدينة الإسماعيلية المجاورة، فراراً ممن يستهدفونهم بالقتل والحرق على أساس انتمائهم الديني، هو مشهد مؤلم وحزين، لكنه ليس مفزعاً لمن استقر في قلبه عظمة هذا الوطن وهذه الأرض التي كانت على طول تاريخها مقبرة للأعداء.
سكنت عصابات الإرهاب سيناء في وقت مر به الوطن مضطراً بلحظة وهن ما كان بيدنا أن نتحاشاها، بدأت معركتنا مع الإرهاب في سيناء منذ وقف المصريون على قلب رجل واحد في وجه جماعة الإخوان وأسقطوها قبل أن يسقط الوطن في براثنهم، فاستفحلت حماس في تمزيق قلب الوطن في سيناء، ثأراً لجماعتهم الأم وتنفيذاً لوعيد قيادات الإخوان، أمثال محمد البلتاجي الذي قال نصاً إن "الإرهاب في سيناء لن يتوقف إلا بعودة مرسي".
وما أن تلاشت أسطورة عودة مرسي، وأغرق الجيش المصري أنفاق حماس التي كانوا يتسللون عبرها كالفئران لإمداد عناصرهم الإرهابية بالمؤن والسلاح لقتال الجيش المصري، وأيقن الإخوان أنهم هالكون لا محالة، أجرت حماس تحالفات آثمة مع العناصر الإرهابية الشاردة داخل سيناء، أفرزت عصابة إرهابية جديدة باسم أنصار بيت المقدس، لتكمل مسيرة العنف والترويع، ومنذ عام، قامت هذه العصابة بمبايعة داعش عبر فيديو نُشر على الإنترنت، وأعلنت نفسها باسم جديد وهو داعش سيناء.
ما سردته آنفاً من حقائق يثبت أن أعدائنا في سيناء، ما هم إلا عصابة واحدة بأسماء مختلفة، محدودة القدرات والعتاد والرؤية، ليس لديها أي استراتيجية حقيقية، ولا تستطيع سوى ممارسة أعمال العصابات من استهداف أفراد من قواتنا المسلحة أو مواطنين أبرياء في منازلهم أو حتى القيام بتفجيرات بين الحين والآخر، لتوحي زيفاً بأن القوات المصرية غير قادرة على السيطرة، ويعتمدون في ذلك على الروابط القبلية لعناصرهم، ومعرفتهم الجيدة بالمنطقة وتضاريسها، وقدرتهم على الاختباء في أماكن وعرة يصعب على أي قوة جيش نظامية الوصول إليها.
فمن المعروف بالعلم والممارسة، أن حرب العصابات تتطلب مجهود أكبر بكثير من قوات الجيش للتعامل معها عن أي حرب عادية ضد جيش نظامي معادي.
وبالرغم من ذلك، استطاع الجيش المصري أن يقضي على تسعين بالمائة من العناصر والعمليات الإرهابية في سيناء على مدار الثلاثة أعوام الماضية، في الوقت الذي اهتمت فيه القيادة السياسية بتنمية العاصمة ومحافظات وادي النيل وقناة السويس، وشهدنا بأعيننا خروج مصر من عتمة النفق الذي دخلناه فيما بعد ثورة يناير إلى براح مشرق وواعد، في وقت قياسي. بل وقفت مصر مدافعة عن مصالح دول أخرى في المنطقة تعاني ويلات الإرهاب، ودافعت عنها دبلوماسياً وعسكرياً، ونتج عن ذلك مزيد من الضعف في صفوف العصابة الإرهابية الأكبر داعش في سوريا.
فكان من المنطقي، أن تحاول داعش وحماس والإخوان من وراءها أن تقض مضجع مصر بطريقين:
أولهما، شغل الرأي العام في مصر والشرق الأوسط، بإعادة تصدير أكذوبة أن اتفاق ما جرى بشأن توطين الفلسطينيين في سيناء، خصوصاً في ظل تقارب حذر، ما كان يجب أن يتم أصلاً، بين القيادة السياسية في مصر وقيادات حماس على إثر توترات سياسية لا محل لها من الإعراب دبت بين الرئيسين أبو مازن والسيسي على خلفية طلب مصر والإمارات تمكين محمد دحلان من العودة لفلسطين وممارسة حقه في المشاركة في الحياة السياسية من خلال حركة فتح، وهو الأمر الذي دفع أبو مازن للتودد إلى الدوحة وإسطنبول سعياً للحفاظ على منصبه، في حال نجح دحلان في منافسته، وهو أمر متوقع جداً.
وثانيهما، تصعيد حدة العنف واستهداف المواطنين المسيحيين في العريش على أساس طائفي، بالتوازي مع إطلاق صاروخين بشكل عشوائي في صحراء إسرائيل، والتي لم تصب أي هدف يذكر، وهدف عصابة الإرهاب التي تسمي نفسها داعش في سيناء من ذلك هو:
أولاً أن تحدث توتراً بين مصر وإسرائيل بما يخفف من حدة التعاون العسكري بين الطرفين ضد عناصرهم داخل سيناء، وهو ما فشلت فيه داعش حيث ازدادت ضراوة الضربات العسكرية ضدهم،
وثانياً ترويع المصريين بشكل عام وإحداث حالة من الارتباك السياسي، وهو ما نجحوا فيه جزئياً بإجبار الأسر المسيحية في العريش على الفرار إلى الإسماعيلية،
وثالثاً الحفاظ على صورة العصابة أمام مموليها وداعميها خصوصاً بعد أن فقدت قوتها في حلب وكثير من المدن السورية،
ورابعاً باستهدافها الوهمي لإسرائيل بصواريخ في الفراغ، واستهدافها المباشر للمسيحيين في العريش، فإنها تحاول كسب شرعية وتأييد لدى المتشددين دينياً في العالم العربي.
ونحن إذ نتابع هذا المشهد البغيض، علينا أن نعرف عدونا جيداً، فالمنطق والتجربة يقولان بأنه ليس ثمة خلاف بين داعش (أنصار بيت المقدس سابقاً) وحماس (ابنة الإخوان)، على الرغم من الوعيد الذي سمعناه في فيديوهاتهم، فما هذا إلا إعلان أو حملة تسويقية لتبدو داعش وكأنها هي أهم حركة إرهابية في المنطقة سعياً للحصول على المزيد من الأموال والسلطة من أصحاب المصلحة في تدمير بلادنا.
في النهاية كلهم عصابة واحدة بأسماء مختلفة، قد يكون بينهم خلافات على السلطة أو التمويل، لكن عقيدتهم واحدة وهدفهم واحد وهو النيل من مصر وأمنها، وهو الأمر الذي أوقن تمام اليقين أن جيشنا لن يسمح به أبداً، مهما طالت المعركة واشتدت.