قليلة جدا هي تلك الأشياء التي تنعش الروح في هذه الحياة و من أهمها على الأطلاق - بالنسبة لي - هذه القصيدة:
يمــامـــة
شعر: محمد القدوسي
سأحكي لها كلَّ شيءٍ
كأني أريد لها أن تكون جبيني
و أن تحفظ العينُ
- عين اليمامِ –
لها عقلها .. لا جنوني
سأحكي لها كل شيءٍ
و أترك طفلة قلبي
لتلعب عند السماءِ
تشدُّ الأساطير من شعرها
أو تعابث نجماً
أتى ما استطاع من الذكرياتِ
و ناء بها
و تعرف – في ثقة –
أين يمضي الصغارُ
بما خبؤوه من الضحكاتِ
و ترسم فيروزةً لا جبال لها
و ياقوتةً .. كان قلبي
و ترسمه كيف مال لها
و يحكي لها .. ثم أحكي لها
في مديحٍ طويلٍ لهذا الفضاءْ
و هذا الوشاحْ
لسوسنة لا انتماء لها
خير ما خبأته اليمامة تحت الجناحْ
و أحكي لها
عن حدائق ماءٍ و خاتم وردْ
بدا لم تخنه سوى شوكةٍ
تذوب في العطر بدرَ التمامْ
و أحكي لها عن صديقٍ مضى يشبه
العاشقينَ
و لا يشبه الناس إلا بقدر الزحامْ
و تسألني .. فأقولُ أتى من بحيرة ريحٍ
نحلق فيها إذا ما صحونا
و نهرٍ من السهد لا يغلق الجفن حين ننام
سأحكي لها عن سماءٍ تأخرتُ عنها
و كل الحروب التي حين دقت طبولاً
تراجعت عنها
فلم يكترث للمعارك قلبي
و لم ينسحبْ
و ظلَّ يراهنُ أن السماءَ
ستحمل شمساً لأُفقِ السحب
و أن البحارَ القصيةَ ليست تظل بعيدةْ
و أن الخريف سيحملناللشتاءِ
إذا ما أردنا الشتاءْ
سأحكي لها كلَّ شيءٍ
و لستُ أُخَبِّئُ دمعاً
و لا حفنةً من عقيق الدماءْ
هي الآن .. تلعب عند السماءْ
و أختار نافذةً لتراقب منها الفرح
و أخرى لتُغلَقَ كي لا يمر إليها البكاءْ
هي الآن تجمع – واثقةً – ما مضى من
خطايْ
و أخبرها بالمخبَّأ منها
هنا
أو هناك .. انظري
تلك عاصفةٌ .. حاذري
و هنا خطوةٌ من مراعٍ و نايْ
هي الآن تجمع كلَّ الخطى
كلها
و ليست تحاذر حين تغيب النجومْ
فلا أُفْقَ .. كم أنتِ قاسية يا حياة ابتكار
المدى
و رسم النسيمْ
هي الآن تجمع – واثقةً – ما مضى من
خطايْ
و تسألني: ربما لا أكون أنا..
إنما كيف أصبحُ يوماً سوايْ؟
فأمسك رقتها بين عيني و بين رؤاي
و أحكي لها كل شيءٍ كأني أُهدهد روحي
أسلِّمها ما تبقى من اللغة الأمِّ .. من وقفة
البدوي الأخيرْ
و أفشي لها سرَّ رائحة البرتقالِ
و سرَّ الحريرْ
هي الآن تجمع كلَّ خطايْ
و تعرفُ: تلك خطى العاشق
المستهامْ
و تلك خطىً في طريقِ اليمامْ
و تلك خطى فاح منها الغرام
و تلك خطى الرَّجل المجهدهْ
سأفشي لها سرَّ قلبي إذاً
و سرَّ خطى مرقت شاردهْ.
------------
نقلا عن مجلة دبي الثقافية