Saturday, January 12, 2008

حين ميسرة تاني .. معلش أصل الفيلم ده عمل حاجة في عقلي



طيب كويس و الله .. أصل أنا خوفت على نفسي بسبب اللي حصل لي بعد مشاهدة فيلم حين ميسرة، أتضح إني مش لوحدي اللي تأثرت إلى حد الألم اللامعقول، الدكتور طارق الغزالي حرب هو كمان أصابه ما أصابني و ما أصاب "كل صاحب فهم و تدبر" على حد قوله:




سرطان العشوائيات الذي ينتشر لـ«حين ميسرة»

بقلم د. طارق الغزالي حرب

المصري اليوم

12 يناير ٢٠٠٨


كانت ليلة صعبة للغاية، تلك التي حاولت النوم فيها عقب مشاهدتي الفيلم الرائع «حين ميسرة»، للمبدع الموهوب المخرج خالد يوسف، الذي حمل فيلمه المتميز رسالة خطيرة ومهمة، نفذت إلي العقول والقلوب الحية، وفتحت العيون الغافلة والآذان الصماء،

مفادها أن النظام، الذي يحكمنا منذ بداية السبعينيات قد ارتكب جريمة كبري في حق هذا الوطن وفي حق أجيال وأجيال من أبنائه.. وهي أنه في ظل الانشغال بتنمية ثروات وامتيازات طبقة صغيرة جداً من أهل السلطة والسلطان وحلفائهم من أصحاب الثروات، التي لا يعرف أحد من أين أتت وتكونت..

وفي ظل الانشغال بشطر مصر إلي قسمين - ولا أقول نصفين - لا علاقة لهما ببعضهما البعض.. لم يشعر النظام ببدايات مرض خبيث بدأ ينمو في كل بقعة من جسد الوطن، في قلبه وعلي أطرافه، اسمه العشوائيات. لقد تضمن سيناريو الفيلم حواراً عبقرياً كان يتحدث فيه أحد أبطال الفيلم الرائعين من ساكني العشوائيات إلي صديقه، ويذكره بواقعة تمرد جنود الأمن المركزي التي حدثت في منتصف الثمانينيات،

والتي تم فيها لأول مرة فرض حظر التجول في القاهرة والجيزة ونزول دبابات الجيش إلي الشوارع، وكيف أنه في هذا الوقت خرج هو وأصدقاؤه إلي الشارع ليعرفوا ماذا سيحدث لهم إذا خالفوا حظر التجول هذا، ومشوا في الشارع ليشاهدوا الدبابات عن قرب،

فقال لصديقه: لم يحدث شيء لنا.. يبدو أن هؤلاء الناس لا يروننا، ثم أضاف بأسي: صعب علي الإنسان أن يشعر أنه يأتي إلي الحياة ويذهب دون أن يشعر به أحد!! إنها الحقيقة واضحة وناصعة.. لم يشعر النظام - وهو المستمر إلي الآن - وقتها بهؤلاء الناس.. أصابهم العمي والطرش والخرس.. فتركوا المرض يستفحل، وعشش الصفيح والبنايات الهشة القبيحة تكثر وتتمدد،

والمنطقة الصغيرة المحدودة تتحول تحت سمع وبصر المسؤولين، أو في غفلة منهم، الله وحده يعلم - إلي أحياء كبيرة مزدحمة تتلاصق فيها البيوت والأجساد، ولا يوجد بداخلها أي أثر يدل علي أن هذا المكان تابع لدولة أو نظام حكم.. بشر تحكمهم وتتحكم فيهم غرائزهم، وتنتشر بينهم جميع الموبقات، ولا يحصلون علي أي خدمات.. لتكون هذه الأحياء البيئة المناسبة لنمو جميع الأمراض والآفات الاجتماعية، التي يحملها ساكنو هذه الأحياء التعسة معهم، عندما يخرجون منها إلي حيث يعملون لدي وبين أبناء مصر الأولي ومصر الأخري..

فتسود أخلاق الرعاع والألفاظ السوقية المنحطة، وتنتشر المخدرات بجميع أشكالها وجميع صور الانحراف النفسي والجسدي.. إنني أعتقد أن ما نراه في الشاراع المصري الآن من فوضي عارمة خرجت عن نطاق السيطرة،

وما نسميه الآن ظاهرة أطفال الشوارع، نتاج طبيعي لانتشار هذا السرطان المدمر المسمي بالعشوائيات.. وأن ثقافة «البلطجة» و«الفتونة» التي يمارسها الكثير من مختلف طبقات الشعب بلا حياء، ونراها رأي العين حولنا في كل مكان.. هي أيضاً مظهر من مظاهر المرض الخبيث الذي انتشر واستفحل.

لقد أثار هذا الفيلم الذي أعتبره علامة مهمة في تاريخ السينما المصرية، قضية، لا أبالغ حين أقول إنها الأهم الآن علي الساحة المصرية.. ذلك لمن يفهم ويتدبر.. أتمني ألا يظن هؤلاء الذين يتاجرون بفقر هؤلاء الناس، ويظنون أنهم قادرون على استغلالهم أىام الانتخابات، سواء بشراء أصواتهم أو فى أعمال البلطجة، أن هذه الأماكن كلها تحت سىطرتهم، وأنهم فى مأمن.

إننى أدعو إلى مشروع قومى كبىر ىقوم فىه كل واحد من مليارديرات مصر الكبار، الذين يتصدرون المشهد السياسي المصري، بالتكفل بعمل حي سكني كامل توفر له الدولة الأرض بالمجان، وتزوده بالخدمات التعليمية والصحية والترفهية وخدمات النقل والمواصلات.. تنتقل إليه إحدي البؤر العشوائية، علي أن يكون ذلك بأطراف المدن الجديدة خارج نطاق القاهرة الكبري، وبتخطيط وتنسيق مع المحافظين.. ثم يتم بعد ذلك إزالة هذه السبة العشوائية من علي وجه مصر الحضاري..

وأعتقد أن عدد المليارديرات علي أرض مصر المحروسة، كفيل بأن ينجح هذا المشروع في جراحة الاستئصال هذه المطلوبة لهذا المرض الخبيث.. قبل أن نفيق علي يوم نندم فيه علي ما فعلنا يوم لا ينفع الندم، حين يكون تشخيص حالتنا: «حالة ميئوس منها» والعياذ بالله.