أكتب لكم من داخل الشرق الأوسط لأؤكد أن زيارة الرئيس بايدن التي طال انتظارها للمنطقة، وتمت الأسبوع الماضي في سلام، كانت ناجحة بما يفوق التوقعات. في أولى جولاته في الشرق الأوسط، استطاع الرئيس بايدن أن يعوض غياب ثمانية عشر شهرًا غرق خلالها العالم في صدمات اقتصادية وجيوسياسية لم تكن متوقعة. أعرف أن كلامي هذا قد يراه البعض مناقضاً لم نشرته العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية التي لم ترد أن تعترف بنجاح الزيارة، لكن أدعوكم لتتمكنوا من رؤية الصورة على حقيقتها، أن تتجاهلوا صخب منصات الإعلام المتحيزة - بما في ذلك الناطقة باللغة العربية وموالية لروسيا، وكذلك وسائل الإعلام الأمريكية التي تخدم أجندات اليمين المتطرف أو اليسار المتطرف على حد سواء.
أولاً وأهم من كل شيء أخر، فإن تحلي الرئيس بايدن بالشجاعة في اعترافه الصريح بأن بأن سياسته السابقة "بالابتعاد عن الشرق الأوسط كانت خطأ"، كان له أثر واضح في استعادة الصورة الإيجابية للولايات المتحدة في قلوب وعقول شعوب المنطقة، خاصةً الشباب، الذين ما زال أغلبهم منبهراً بقيم الديمقراطية والليبرالية التي تمثلها الولايات المتحدة، وما زالوا يطمحون إلى تطبيقها في بلدانهم. على مدى السنوات الست الماضية، أدى غياب أمريكا الديمقراطية التي نعرفها، وتصاعد النفوذ الروسي والصيني على المنطقة نتيجة لذلك الغياب، إلى القضاء على وهج الطموح نحو التحول الديمقراطي التي اجتاحت المنطقة قبل عشر سنوات. من ثم، فإن عودة بايدن الناجحة إلى المنطقة تبشر بعودة قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات المدنية إلى الواجهة من جديد، وهو أمر عظيم – لو أنكم تعلمون.
هذا، في رأيي، هو أكبر مكسب جنته الولايات المتحدة من جولة بايدن الأولى في الشرق الأوسط. أيضا، هذا هو أفضل رد عملي على أولئك الذين يزعمون أن بايدن تخلى عن حقوق الإنسان لإرضاء بعض قادة المنطقة. على العكس من ذلك، يمكن لبايدن الآن فقط العمل مع قادة المنطقة بشكل أفضل وأكبر تأثيراً لتحسين أوضاع حقوق الإنسان واتخاذ خطوات فعلية نحو التحول الديمقراطي في دولهم. في مقال رأي نشرته صحيفة واشنطن بوست قبل أسبوع من الزيارة، كتب بايدن: "أعلم أن هناك الكثير ممن لا يتفقون مع قراري بالسفر إلى المملكة العربية السعودية. آرائي بشأن حقوق الإنسان واضحة وثابتة، والحريات الأساسية دائمًا ما تكون على جدول الأعمال عندما أسافر إلى الخارج، وكذلك سيكون الحال في هذه الرحلة". في الحقيقة، بايدن هو رئيس ديمقراطي، مما يجعل التشكيك في احترامه غير المشروط لحقوق الإنسان والحريات الفردية مزحة سخيفة يحلو لليسار المتطرف في أمريكا ترويجها.
يشكل الناخبون الأمريكيون المنتمين لليسار المتطرف الكتلة التصويتية الأكبر التي دعمت الرئيس بايدن في الانتخابات ضد ترامب الجمهوري، إلا أنهم انتقدوا بشدة زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط منذ اللحظة التي أعلن فيها عن نيته لعمل ذلك. ذهب بعضهم إلى حد وصف استعداد بايدن للذهاب إلى السعودية، ولقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأنه "خيانة". مع الأسف، هم الذين ضغطوا على الإدارة الأمريكية منذ بداية عملها لتبقى بعيدة عن الشرق الأوسط، ونجحوا في تحقيق ذلك لمدة ثمانية عشر شهرًا كاملة، مما أدى إلى إهدار الكثير من فرص التعاون المثمر مع المنطقة لصالح الولايات المتحدة والعالم بأسره. هذه الجماعات مغيبة بشكل سخيف بسبب وقوعها تحت تأثير خطاب نظري مثالي لا علاقة له بواقع الحياة في الشرق الأوسط.
لكن الخبر الجيد هو أن الرئيس بايدن وفريقه قرروا أخيرًا التخلص من هذا المنظور غير المثمر تجاه الشرق الأوسط، والتركيز بدلاً من ذلك على إعادة الانخراط وإعادة التعاون مع القادة في دول المنطقة. كتب بايدن في مقال رأي بواشنطن بوست: "من البداية، كان هدفي هو إعادة توجيه - ولكن ليس قطع - العلاقات مع [السعودية] التي كانت شريكًا استراتيجيًا لنا طيلة ٨٠ عامًا".
مصداقاً لذلك، قد وضع الرئيس الأمريكي بايدن أساسًا متينًا لديناميكية "الدبلوماسية الشخصية" التي تعمل بشكل مثالي مع عقلية القادة السياسيين في المنطقة، وخاصة العرب منهم. لا بد أن أزمتي الطاقة والغذاء العالمية، وتهديد إيران على العرب وإسرائيل، والتنافس الأمريكي مع روسيا والصين، كانت موضوعات لا مفر منها على جدول أعمال قمة جدة. لكن كان من الواضح أن الهدف الأساسي لبايدن من الزيارة كان استعادة ثقة القادة الإقليميين في إدارته، وبالتالي كسبهم في صف بلاده، حتى يتمكن من الاستفادة مما يمكنهم تقديمه لحل المشاكل العالمية الحالية، خاصة أزمة الطاقة. كان ذلك واضحًا بشكل خاص في الاجتماعات الودية والبناءة التي عقدها الرئيس بايدن مع السعودية والإمارات والعراق ومصر وإسرائيل وفلسطين.
في خطابه أمام قمة جدة، أكد الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستستمر في الانخراط كأهم شريك للشرق الأوسط. "بينما تزداد قدرة العالم على المنافسة وتزداد التحديات التي نواجهها تعقيدًا، أصبح الأمر أكثر وضوحًا بالنسبة لي - إلى أي مدى تتشابك مصالح أمريكا بشكل وثيق مع نجاحات الشرق الأوسط"، وأكد بايدن للمشاركين في القمة أن الولايات المتحدة "لن تنسحب وتترك فراغًا تملأه الصين أو روسيا أو إيران. وسنسعى للبناء على هذه اللحظة مع قيادة أمريكية نشطة وذات مبادئ".
لقد خلفت جولة بايدن في الشرق الأوسط الكثير من الطاقة الإيجابية والتفاؤل. لطالما كانت الولايات المتحدة الشريك الأقرب والأكثر موثوقية لدول وشعوب الشرق الأوسط. أنا شخصياً سعيدة للغاية برؤية الولايات المتحدة تعود إلى المسار الصحيح فيما يرتبط بعلاقتها بالمنطقة. أنا متأكدة من أن هناك العديد من الأشخاص الذين يشاركونني نفس المشاعر في مصر وإسرائيل والسعودية والأردن والعراق وأماكن أخرى. بعد ثمانية عشر شهرًا من الشكوى من الغياب غير المبرر للولايات المتحدة عن منطقتنا، يمكننا اليوم أن نقول أخيرًا: عودٌ حميد سيادة الرئيس بايدن.