تحسباً لأول زيارة يقوم بها رئيس الولايات المتحدة، جوزيف بايدن، إلى الشرق الأوسط، في منتصف يوليو، لم تتوقف اللقاءات بين قادة الدول العربية. كانت جميع الزيارات المماثلة التي قام بها رؤساء أمريكيون سابقون إلى المنطقة في غاية الأهمية، حيث شكّلت كل واحدة منها أساس لتغييرات حادة في الأجندات السياسية والاقتصادية للمنطقة، والتي انعكست فيما بعد على السياسات العالمية للدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها. من هذا المنطلق، يريد القادة العرب التأكد من عدم تجاهل أولوياتهم الإقليمية والفردية، بينما يعطي بايدن الأولوية للتعامل مع تداعيات الحرب في شرق أوروبا.
يقوم بايدن أخيرًا بأول زيارة له للمنطقة، كرئيس، في الفترة من ١٣ إلى ١٦ يوليو، وفقًا لبيان رسمي صادر عن البيت الأبيض. استغرق الأمر عامين منذ توليه رئاسة أمريكا، شهد فيهما العالم تهديدات ضخمة كان أخرها الغزو الروسي لأوكرانيا، حتى يدرك بايدن أن التفاعل مع الشرق الأوسط جزء أساسي لضمان نجاح إدارته في تحقيق أهدافها. واضح أن التحول الجذري في موقف بايدن تجاه الشرق الأوسط، مؤخراً، من البرود والتباعد إلى الدفء والانفتاح، هو في أصله محاولة يائسة لاسترداد ما فقدته إدارته والحزب الديمقراطي الذي ينتمي له من تأييد شعبي، خصوصاً مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس.
يخبرنا جدول الرئيس الأمريكي إن محطته الأولى ستكون في إسرائيل، حيث سيلتقي بمسؤولين إسرائيليين وفلسطينيين. مع ذلك، من غير المرجح أن يتمكن الرئيس بايدن من إحداث فارق يذكر في عملية السلام المتوقفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لا تزال صدمة استجابة إدارة بايدن البطيئة للحرب في غزة، العام الماضي، حية في أذهان وقلوب العديد من الأطراف فيا لمنطقة. هذا فضلاً على واقع عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده الحكومة الإسرائيلية حالياً، مما سيعيق أي دور محتمل يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة لجذب المزيد من الدول العربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، على غرار النجاح الكبير الذي حققه الرئيس الأمريكي السابق ترامب، في هذا الملف.
في الحقيقة، كان ترامب أيضاً أكثر نجاحًا في التواصل مع قادة دول الخليج. الجزء الأهم من زيارة بايدن للمنطقة سيكون في جدة، حيث سيحضر قمة إقليمية سميت باسم "قمة دول مجلس التعاون الخليجي + ٣". تتولى المملكة العربية السعودية تنظيم القمة واستضافتها، ومن المتوقع أن يحضرها قادة جميع دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى رؤساء مصر والعراق والأردن.
تكمن الأهمية الخاصة لزيارة بايدن للسعودية، الأسبوع القادم، في أن الولايات المتحدة تحاول، ولأول مرة، اللحاق بقطار التغيير الإقليمي الذي يمضي قدمًا دون موافقتها ورغماً عن إرادتها، في وقت الغرب غارق في تبعات الأزمة الأوكرانية. ربما أيضاً، الأمر المثير هو أن الولايات المتحدة لم تعد هي من يملي التغيرات على المنطقة، وفق مصالحها، بل أن دول المنطقة، سواء من العرب أو غيرهم، قد بدأوا في تصميم نموذج شراكة جديدة يقومون من خلاله بإدارة شئونهم وتحديد مستقبلهم، بغض النظر عن ما تريده أي دولة أخرى. في القلب من كل هذا تلعب السعودية دور رئيسي في إدارة هذه الشراكات الجديدة. جدير بالذكر أن إدارة بايدن قد أعلنت خصومتها مع السعودية منذ اليوم الأول، إرضاءً لناخبي بايدن من اليسار المتطرف الذي اخترقته جماعات الإسلام السياسي بقوة، رغم كون السعودية أقدم حليف للولايات المتحدة في منطقة الخليج العربي.
من هذا المنطلق، يجب أن يكون الهدف الأهم للرئيس الأمريكي بايدن من زيارته المرتقبة للمنطقة، خلال أيام، هو كسب قادة الشرق الأوسط في صفه، حتى يتمكن من الاستفادة مما يمكنهم تقديمه لحل المشاكل العالمية الحالية، وخاصة الأزمة الاقتصادية المتصاعدة. لتحقيق ذلك، يحتاج بايدن إلى اتباع طريقة سلفه ترامب في التواصل مع قادة المنطقة، خصوصاً في منطقة الخليج، والتي عرفت بـ "الدبلوماسية الشخصية"، واعتمدت على التواصل بشكل براجماتي مباشر بين القادة، وقد كانت هي اللغة السياسية المثالية التي أمكن لقادة الشرق الأوسط فهمها والاستجابة لها بما حقق مصالحهم ومصالح الولايات المتحدة أيضاً.
إن الأثار الضخمة على منظومة الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية، التي خلفتها سلسله الأزمات الصحية والأمنية على المسرح العالمي، في السنوات الأخيرة، تنبئ بتغيير مشابه لما فعلته الحروب العالمية في ميزان القوى في العالم. لا يزال في يد الرئيس بايدن فرصة الحفاظ على مكانة الولايات المتحدة في المقدمة كأهم قوة عظمى، وبإمكانه أيضاً ترك الساحة مفتوحة للمنافسين الشرقيين – روسيا والصين - للبزوغ كقوى عظمى جديدة حاكمة للنظام العالمي الذي يتشكل في الوقت الحالي. السياسة التي ستتبناها إدارة بايدن تجاه الشرق الأوسط، في النصف الثاني من ولايته، سوف تكون هي العامل الحاسم في لعبة الشطرنج العالمية تلك.