الجدل أنواع. هناك جدل سفسطائي، وهو جدل مجرد من الغايات، له بداية ولكن ليس له نهاية، مثل لعبة الشطرنج التي يلعبها الشخص نفسه مع نفسه، فقط ليثبت أنه الأذكى ويرضي غروره، أما موضوع الجدل فهو غير مهم. وهناك الجدل الحرام، وهو الجدل في الحرام، الذي تعلم جيداً بالمنطق والعقل والطبيعة الإنسانية وفطرتك الدينية أنه حرام وغير إنساني بالمرة، لكن رغم ذلك تبقى تجادل فيه لتبرر لنفسك أو لغيرك ارتكابه دون تأنيب ضمير، والمفارقة هنا أن الجدل الحرام غالباً ما يكون مصحوب بأدوات دعم يتم اقتطاعها من نصوص دينية أو تقاليد مجتمعية في محاولة لتبرير ما لا يقبل التبرير.
من أشهر أمثلة الجدل الحرام هو الجدل الاجتماعي والديني الدائر الآن حول أحقية الرجل في ممارسة العنف ضد المرأة، خصوصاً المرأة القريبة له، سواء كانت زوجته أو أبنته أو حتى أخته.
هل سبق وشاهدت حيوان ذكر، مهما كانت وحشيته، يضرب زوجته حتى يقوّمها؟ أو يقتطع جزء من الأعضاء التناسلية لأبنته (فيما يعرف عندنا في عالم البشر باسم ختان الإناث) حتى يحافظ على شرف القطيع وطهارته؟ مع الأسف، البشر فقط هم من يرتكبون تلك الفظائع، ويبررون إيذاء النساء بحجة الحفاظ عليهن، بل ويقودون الأدلة الدينية والمجتمعية على تبرير جرائمهم، وكأن الأمر يحتاج الجدل لإثبات أو نفي أن كل فعل فيه إيذاء لإنسان أخر هو حرام، سواء كان إيذاء جسدي أو نفسي، لا سيما لو كان هذا الإنسان قريب لك وأنت مسؤول أمام الله عن حمايته وأمانه.
نحن في العام ٢٠٢٢، وما زالت مصر أم الدنيا، وأقدم حضارة في التاريخ، تعاني من العنف الأسري الذي يستهدف النساء والأطفال على وجه الخصوص بشكل مرعب، على الرغم من المبادئ الدستورية والقوانين المدنية التي تجرم الاعتداء الجسدي وتحظر التعذيب، خاصة بين أفراد الأسرة الواحدة، ورغم جهود الحكومة الحالية والحكومات السابقة، والمبادرات الرئاسية الحالية والسابقة، من أجل محاربة كافة أشكال العنف ضد المرأة، التي تمارس نهاراً جهاراً في مجتمعنا، منذ عقود.
وفقًا لقاعدة البيانات العالمية حول العنف ضد المرأة، التي تتولى إدارتها وتحديثها هيئة الأمم المتحدة للمرأة، تتعرض ٢٦٪ من النساء في مصر للعنف الجسدي و/أو الجنسي على يد أزواجهن. في دراسة حكومية صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، عام ٢٠١٧، فإن ٤٢٪ من النساء في مصر يتعرض للاعتداء من قبل أزواجهن. تزداد نسبة العنف ضد المرأة بشكل خاص في الأسر التي تعتمد فيها النساء على الرجال في توفير المال ومتطلباتهم الاقتصادية، وهنا لا تقتصر المأساة على العائلات الفقيرة أو الريفية التي تهمل تعليم البنات وتحرمهم من المنافسة في سوق العمل، ولكن في العشر سنوات الأخيرة امتدت هذه الآفة بشكل واضح إلى الطبقة المتوسطة، حيث أصبح من العادي أن ترى الشاب يشترط لإتمام الزواج أن تترك خطيبته عملها لتتفرغ لخدمته وتربية الأطفال، بينما يخرج هو للعمل وكسب عيش الأسرة، والكارثة أن كثير من البنات قبلن بهذا الوضع رغم ما لديهن من تعليم وكفاءة وخبرة عملية، فانتهى بهم الحال بعد سنوات من الزواج بلا عمل وبلا استقلال اقتصادي عن الزوج، وبالتالي أصبحوا أكثر تقبلاً للعنف من قبل الزوجة.
حتى في العدد القليل جداً من الحالات التي تجرأت فيها النساء على تقديم شكاوى قانونية في مركز الشرطة أو رفع دعوى لدى المحكمة ضد الزوج الذي مارس العنف ضدهن، اضطررن في النهاية للتنازل عن الدعوة والعودة للزوج، بسبب لوم المجتمع المحيط لهن، سواء الجيران أو العائلة الأكبر، أو بسبب عدم تفكيك الأسرة والإضرار بمستقبل الأطفال، في حال تم حبس أبوهم. بل الأبشع من ذلك، تجد من يلوم المرأة على أنها أوصلت زوجها لأن "يخرج عن شعوره" ويضربها.
والأكثر بشاعة من ذلك، هو الإحصاءات المتعلقة بممارسة جريمة ختان الإناث، والتي تعد أفظع جرائم العنف الأسري على الإطلاق، ليس فقط لأنها تقوم بتشويه جسد إنسان، ولكن لأنها تمارس بواسطة الأبوين ضد بنات صغيرات، ما بين ٨ و١١ سنة، لا حول لهن ولا قوة للدفاع عن أنفسهن. وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، في عام ٢٠١٥، ثبت أن ٨٧٪ من النساء المصريات، بين سن ١٥ و٤٩ سنة، قد تعرضن للختان في طفولتهن. في عام ٢٠١٩، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن ما لا يقل عن ٩٠٪ من النساء المصريات البالغات قد تعرضن لعملية ختان الإناث في طفولتهن. وفقًا لمسح الصحة العامة، الذي نشرته وزارة الصحة المصرية، في عام ٢٠١٤، فإن ٩٢٪ من النساء في مصر، بين سن ١٧ و٤٩ سنة، قد تعرضن للختان في طفولتهن. مع الأسف، تمارس جريمة الختان في مصر منذ قرون، وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، على الرغم من كونها أحد أخطر انتهاكات حقوق المرأة ومن أكبر التهديدات لسلامتها، حيث لا يترك الختان أثار مدمرة على أجساد ونفوس الفتيات تبقى معهن طيلة حياتهن فقط، ولكن أيضًا بعض الفتيات فقدن حياتهن أثناء إجراء العملية.
يصادف اليوم الذكرى السنوية لليوم العالمي للأمم المتحدة لعدم التسامح مطلقًا مع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية. يطالب نشطاء حقوق الإنسان من جميع أنحاء العالم بوضع حد لهذه الممارسات الفظيعة. في غضون ذلك، لا تزال المناقشات الدينية والاجتماعية مفتوحة في مصر حول شرعية ممارسة جريمة تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية على الفتيات القاصرات أو حق الزوج في الاعتداء جسديًا على زوجته لإظهار تفوقه. العنف الأسري وباء يتطلب أكثر من قوة القانون للقضاء عليه.