هو عيد الحب إذاً!
كيف لنا أن نختصر الحب في بضع كلمات؟ فعل الكتابة، مهما كانت مرونة اللغة التي نستعين بها للتعبير عنه، أو براعة وبلاغة من ينطق بها، لم ولن يستطيع وصف تلك المشاعر الساحرة، التي تهب الإنسان قدرة خارقة تجعله يخرج من قيود نفسه ليتحد مع نفس أخرى كانت يوماً غريبة عنه.
الحب معادلة صعبة، أن تمنح جزءاً من وقتك ووجدانك لشخص أخر هو شأن كبير، لا يقدر عليه إلا من أخلص وتدبر. أخلص قلبه لمن يحب، وتدبر وخطط كيف يحافظ على الحب الذي يربطه به ويقويه مع مرور الزمن، فالحب كالورد لو لم يروى يتضاءل مع الوقت حتى يتلاشى. من فعل ذلك، أولئك هم الفائزون المخلدون في جنات النعيم.
أن تحب هو أن تتعرف على روحك، تلمسها، تحاورها، وتحررها. أن تحب هو أن تدرك أن الإنسان في أصله كان مخلوقاً جميلاً صافياً، قبل أن يلوثه الغرض، والغرض مرض. أن تحب، هو أعظم فعل إنساني على الإطلاق، لكنه الفعل الأصعب والأكثر تعقيداً أيضاً، خصوصاً لو كنت تسكن في محيط يعتبر الحب حرام أو عيب، ويلبسه ما ليس فيه أو منه. الحب شعور بالأمان المطلق، حيث لا يوجد أمان، الحب والخوف ضدان لا يمكن لهما أن يجتمعا في نفس القلب.
لهذا لا تتعجب عندما ترى تجار بقالة في دولة عربية ما يمنعون بيع نوع معين من البسكويت أو الشكولاتة لأنه مكتوب على غلافها عبارات حب. ولا تتعجب كذلك وأنت تتابع الكم المبالغ فيه من الكراهية الذكورية، تجاه الإعلامية الجميلة قلباً وقالباً رضوى الشربيني، فقط لأنها تشجع النساء، لا سيما الفتيات والبنات الصغيرات، على أن يحببن أنفسهن أولاً، قبل أن يقبلن بتقديم الحب لطرف أخر، فتتكون لديهم حصانة ضد الاستغلال والاستعباد باسم الحب، كما جرت العادة في مجتمعنا المتدين بطبعه.
ولا تندهش عندما يخرجون عليك بفتاوى تحرم الاحتفال بعيد الحب، أو يوم الفلانتين، وتعتبره من الفواحش التي يعاقب عليها الله، بينما هو الذي أوجد هذا الحب في قلوبنا، لتسمو به أرواحنا التي نفخها في هياكلنا الضعيفة كنفحة منه. نحن نقدر على الحب فقط لأن فينا روحاً من الله. الله محبة، ومن لا يدرك ذلك فقد ضل ضلالاً كبيراً.
على مدار أربعون سنة مرت، هي كل عمري على هذه الأرض، اختبرت في عالم الحب الكثير، صادفت من أحب حباً منزهاً مجرداً بلا غاية ولا سبب، وقد كانوا هم الأكثر سمواً، ولكن أيضاً الأكثر شقاء. رأيت من اتخذ الحب وسيلة لتحقيق غرض أو مصلحة شخصية، وكانوا هم الخاسرون دائماً، حتى لو بدا لهم أنهم كسبوا. ورأيت من ابتلاه الله بقسوة قلب أعجزته عن إعطاء أو استقبال الحب، وهم الصاغرون الضعفاء. ورأيت من اعتبر الحب مجرد مقدمة لإشباع غريزة حيوانية للبقاء واستمرار النوع، وهم المتشبهون بالحيوانات، أجساد بلا روح.
ولأن عيد الفلانتين هو فرصة لنتذكر كم هو رائع أن نحب، هو فرصة أيضاً لنتعلم أن لا نضع مشاعرنا في يد الشخص الخطأ، فكم من الآثام ارتكبت باسم الحب خصوصاً في حق النساء في مجتمعاتنا الشرقية. وهذا بعضاً مما تعلمت:
لا تسامحي زوج يرى في ضربك أو شتمك أو التنمر بك وسيلة لاستعراض رجولته، أو حبيب يرى في قسوته عليكِ إعلاء لكرامته، أو صديق يرى في تجاهله لك وإذلالك بالصمت أو تكرار اختفائه وظهوره في حياتك وسيلة للتحكم بك والسيطرة على مشاعرك. هؤلاء ليسوا رجال ولا يستحقون جائزة ثمينة مثل قلبك.
لا تقبلي أن تكوني مجرد أداة تسلية وتقضية وقت فراغ في حياة رجل، حتى لو كان هذا الرجل هو مركز الكون بالنسبة لك. لا تعطي من وقتك وقلبك وطاقتك أكثر مما يمنحك هو، لا تعامليه كأولوية لو لم يضعك هو تاجاً على رأسه، وقدم سعادتك على كل شيء آخر، وإياك أن تقبلي أن تكوني رقم ٢ في حياة أي رجل مهما كان حبك له. حبي نفسك، ذلك أهم ألف مرة.
لا تضيعين وقتك بانتظار رجل تعرفين في قرارة نفسك أنه ليس لك، ولن يكون، لا تقبلي من وقته ومشاعره الفتات الذي يرميه لك كلما سمحت ظروفه، وتسمين هذا حب! هذه سذاجة. فالساذج فقط هو من يعرض نفسه للاستغلال من قبل شخص آخر ويستمر في إقناع نفسه أنه سعيد.
لا تستمري في أي علاقة من أي نوع، ولو حتى مجرد صداقة، مع رجل يرى في التلاعب بمشاعر الآخرين هواية، هؤلاء الذين يتمتعون بتطبيق المناورات الرجالية عليك مرضى نفسيين، والبعد عنهم غنيمة. الرجل الحقيقي مباشر في كل شيء، ومباشر في مشاعره أكثر شيء، الحياة قصيرة جداً وجميلة جداً، فلا تضيعي وقتاً طويلاً معه.
لا تقبلي أن يعاملك رجل بجفاء أو عدم اهتمام ويستخسر فيكِ الكلمة الحلوة بحجة إنه رجل و"ما يصحش يقول كلام حب" أو "مش بيعرف يقول كلام حلو"؛ هو ببساطة لا يجدك جديرة بحلو كلامه، هذه هي الحقيقية المرة، لأنه لو كان حقاً لا يحسن صياغة كلامه معك، فهذا معناه أن لديه خلل نفسي وعليه أن يتعالج منه، سلميه لأقرب طبيب قبل أن يتفشى المرض.
لا تسلمي قلبك ومشاعرك لرجل ليس لديه استعداد أن يعتذر لك عندما يخطئ في حقك، وإذا ما واجهتيه بالحقيقة هرب، هذا النوع من الرجال أسمته الكاتبة المبدعة أحلام مستغانمي "الرجل الأرنب" أي أنه الرجل الذي يختبئ ويجري بعيداً عنك كلما واجهته بأي مشكلة، بدلاً من أن يتحدث معك للوصول للحل. ثم يظل في اختفائه هذا شهوراً منتظراً أن تبادري أنت بعدما يهدك الشوق إليه بمصالحته، وكأنك أنت التي ارتكبت الخطأ وليس هو. الرجل الذي يمارس عليك لعبة الصمت والاختفاء، ليس رجل، هو أرنب. "لا تحزني على أرنب فر خارج حياتك. إن رجلا هرب مرة، سيهرب كل مرة من كل امرأة. كوني أول من يهرب من رجل كهذا، حتى لا تمنحيه فرصة هدر وقتك أو إهانتك".
أنتِ ملكة وقلبك هو المعبد الذي يطوف به المريدين، فلا تمنحيه إلا لعابد زاهد مخلص أظهر كل آيات الحب.