Tuesday, December 21, 2021

قطر، تركيا والاقتصاد المصري الصاعد


في ١٣ ديسمبر، أعلنت شركة النفط العملاقة، رويال داتش شل، المعروفة باسم مختصر "شل"، عن قيامها ببيع ١٧٪ من حقوقها في مشروع حقول النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخاصة بمصر في البحر الأحمر، إلى شركة قطر للطاقة. بعد الموافقات الحكومية من الجانبين، ستكون هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تقوم فيها قطر باستثمارات مباشرة في قطاع النفط المصري. من ناحية، يشير هذا إلى مدى قوة وسرعة تطور العلاقات بين مصر وقطر، منذ المصالحة الخليجية في يناير. لكن الأهم من ذلك، أنه يشير إلى مدى قوة الاقتصاد المصري، وخاصة قطاع الطاقة الصاعد، الذي أصبح عامل جذب عمالقة الاستثمار في النفط من داخل منطقة الشرق الأوسط وخارجها.

سوف يسمح العقد لشركة قطر للطاقة بامتلاك حصة ١٧٪ في كل من البلوك ٣ والبلوك ٤ الذي تتولى شركة شل مسؤولية إدارته وتشغيله، من خلال شركة تابعة لها باسم "شل للتنقيب والإنتاج (٩٣) بي في". بينما، ستحتفظ شل، التي تمتلك ٤٣٪ من البلوك ٣ و٢١٪ من البلوك ٤، بحق تشغيل وإدارة المشروع. يوجد مستثمر خليجي آخر في نفس المشروع هو الشركة الإماراتية "مبادلة" والتي تمتلك ٢٧٪ في البلوك ٤. إلى جانب ذلك، تستثمر شركتان مصريتان في المشروع، هما بي أتش بي بتروليوم (مصر) المحدودة بنسبة ٣٠٪ في بلوك ٣ و٢٥٪ في بلوك ٤، وشركة ثروة للبترول ش.م.م بنسبة ١٠٪ في بلوك ٣ و١٠٪ في بلوك ٤. 

قامت شل ببيع الأسهم لشركة قطر للطاقة والمستثمرين المذكورين أعلاه بناءً على اتفاقية محاصصة، تمكن مشغل المشروع من إضافة أطراف جديدة إليه عن طريق بيع نسبة مئوية من حصص المشروع. ولكي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، يجب على الحكومة والبرلمان المصريين المصادقة على الإجراء. بالنظر إلى العلاقات المتطورة بشكل إيجابي بين قطر ومصر، فمن المرجح جدًا أن ترحب القيادة المصرية بالاستثمارات القطرية في قطاع الطاقة المصري.

منذ توقيع اتفاقية العلا، خلال القمة الخليجية التي عقدت في يناير، صممت مصر وقطر على إصلاح علاقتهما الممزقة وبناء تعاون مثمر، ليس فقط لتحقيق المصالح الثنائية للبلدين، ولكن أيضًا للتعاون على الإدارة المشتركة للمشاكل الإقليمية المزمنة، وعلى رأسها الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. منذ تجدد اشتعال الحرب بين إسرائيل وحماس، في شهر مايو، تعمل مصر وقطر بتنسيق كبير على مشروع إعادة إعمار قطاع غزة وتقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين الذين يعيشون هناك. كان هذا المستوى من التعاون بين مصر وقطر درب من الخيال قبل أشهر قليلة فقط.

على عكس ما يعتقد معظم الناس، هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي تستثمر فيها شركة قطر للطاقة بشكل مباشر في القوة الاقتصادية الصاعدة لمصر، المتمثلة في النفط والغاز الطبيعي وغيرها من موارد الطاقة. في الماضي، كانت جميع استثمارات قطر في قطاع الطاقة في مصر تتم بشكل تلقائي من خلال كون قطر مستثمر في الشركة العربية للتكرير، واقتصرت فقط على المساهمة غير المباشرة في مشروع واحد بدأ في عام ٢٠١٢، في ظل حكم الإخوان المسلمين، ولم يكتمل حتى عام ٢٠١٩. لتوضيح الأمر أكثر، يجب أن نعرف أن الشركة العربية للتكرير مملوكة لعدة مساهمين من القطاع الخاص، منهم مجموعة القلعة القابضة وبعض المستثمرين الخليجيين، مثل الشركة القطرية "قطر للبترول"، والتي غيرت اسمها لاحقًا إلى "قطر للطاقة"، والتي تمتلك ٣٨.١٪ من أسهم الشركة العربية للتكرير. بدورها، تمتلك الشركة العربية للتكرير نسبة ٦٦.٦٪ من الشركة المصرية للتكرير، وهي شركة مصرية مملوكة للدولة. ولهذا حدث تعاون غير مباشر بين شركة قطر للبترول والشركة المصرية للتكرير في الماضي. لكن، مرة أخرى، لم يكن استثمارًا مباشرًا في قطاع الطاقة المصري، وانحصر في مشروع واحد فقط، كما أنه لم يكن بضخامة الاستثمارات الحالية التي تسعى قطر إلى ضخها في مشروعات الطاقة المصرية في البحر الأحمر. 

بالإضافة إلى قطر، تتخذ علاقة مصر مع تركيا منعطفًا إيجابيًا جديدًا بفضل الاقتصاد وقطاع الطاقة تحديداً، حيث بدأ الجانبان في الاستفادة المثمرة من ثروة البحر المتوسط من الغاز الطبيعي. وفقًا للبيانات التي نشرتها "أس أند بي جلوبال بلاتس" في الفترة ما بين أكتوبر وديسمبر، صدرت مصر إلى تركيا سبع شحنات من الغاز الطبيعي المسال، تم استخراجها من محطتي إدكو ودمياط، الواقعتان على شواطئ مصر في البحر المتوسط. هذه هي المرة الأولى التي تزود فيها مصر تركيا بمثل هذا الحجم الكبير من صادرات الغاز الطبيعي المسال، على الرغم من عقودها القائمة مع اليونان وقبرص، داخل منظمة شرق المتوسط للغاز. في الماضي، اقتصرت الصادرات المماثلة من مصر إلى تركيا على الزيوت المعدنية والبلاستيك.

تُعد استثمارات قطر في قطاع الطاقة المصري واعتماد تركيا المتزايد على مصر في إمدادها بالغاز الطبيعي مؤشرات على القوة المتزايدة للاقتصاد المصري، وهو ما يتوافق مع توقعات صندوق النقد الدولي لمصر في العام ٢٠٢٢، بأن تكون ثاني أكبر اقتصاد في إفريقيا بعد نيجيريا، وثاني أكبر اقتصاد في الدول العربية بعد السعودية، بإجمالي ناتج محلي غير مسبوق يتجاوز ٤٣٨ مليار دولار. 

إن الحفاظ على علاقات صحية ومتوازنة مع جميع جيرانها في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط وأفريقيا هو السر الحقيقي وراء النجاح الاقتصادي لمصر، في الثلاثة أعوام الأخيرة، على الرغم من انتشار الجائحة التي تسببت هز الاقتصادات الأكثر رسوخًا حول العالم. سيكون من المهم أن نشاهد كيف ستتمكن مصر في الفترة القادمة من الحفاظ على التوازن بين علاقاتها الاقتصادية المتنامية على محور قطر تركيا، في مقابل علاقاتها القائمة مع البلدان الفاعلة في الخليج العربي وحوض المتوسط.