Thursday, December 02, 2021

سيناريوهات الانتخابات الليبية كلها تخدم حفتر

 


من خلال بعض الحسابات المنطقية، يمكننا بسهولة أن نستنتج أن المجتمع الدولي يقوم برهان خاسر على ما يمكن أن تسهم به الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة في مستقبل ليبيا، حيث ترتفع احتمالات إعادة ليبيا إلى جحيم الحرب الأهلية، نتيجة الخلافات المتوقعة على نتائج الانتخابات، في ظل الانقسامات الداخلية الشديدة والتدخلات الخارجية السافرة، التي تعتمد على الميليشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب في إدارة مصالحها داخل ليبيا، هذا بالإضافة إلى الاستقالة المفاجئة لـ "يان كوبيس"، في مثل هذا التوقيت الحرج، من منصبه كمبعوث خاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. 

ليس هناك ما يضمن أن يقبل أي من طرفي الصراع السياسي في ليبيا بشكل سلمي نتائج التصويت دون إثارة نزاع قد يتصاعد في النهاية إلى أعمال عنف. العراق هو أحد أحدث الأمثلة على كيف يمكن للميليشيات المتحيزة سياسياً أن تحول الممارسة الديمقراطية لبلد ما إلى قطعة من الجحيم. وبهذا المعنى، ليس هناك ما يضمن أن هذه الانتخابات لن تتحدى الهدف الرئيسي للعملية السياسية، وهو تحقيق الأمن والاستقرار على المدى الطويل في ليبيا.

أعلنت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا الأسبوع الماضي أن ٩٨ شخص، بينهم امرأتان، تقدموا بالفعل للتنافس في الانتخابات الرئاسية في ٢٤ ديسمبر. إن هذا العدد الهائل للمتقدمين هو نتيجة لقانون الانتخابات المعيب والفضفاض الذي يسمح لأي مواطن ليبي، فوق ٤٠ عامًا، بالترشح للمقعد الرئاسي، بغض النظر عن خبرته السياسية أو أهليته للمهمة. 

من المنظور الإيجابي، والوردي إلى حد ما، فإن العدد الهائل للمتقدمين هو مؤشر على أن الشعب الليبي حريص على ممارسة الديمقراطية، بغض النظر عن البؤس السياسي والاقتصادي الذي عاشه في السنوات الست الماضية. لكن، من المنظور السلبي والأكثر واقعية، يعد هذا إنذار خطير بحجم الانقسامات الشديدة بين السياسيين الفاعلين داخل ليبيا. بعبارة أخرى، يظهر من نوعية المرشحين وانتماءاتهم السياسية والقبلية أن الانقسامات السياسية في ليبيا تمتد إلى ما هو أعمق من الصراع الواضح بين الفصائل الشرقية والغربية، إلى صراعات فرعية داخل كل من هاتين الفرقتين.

قامت المفوضية الوطنية للانتخابات بتصفية قوائم المرشحين، وانتهت إلى استبعاد ٢٥ اسم الأسبوع الماضي، من بينهم سيف الإسلام القذافي الذي يحظى بشعبية كبيرة بين قبائل الجنوب. استبعاد القذافي يعني أن الانتخابات الرئاسية ستختزل في منافسة شرسة بين عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، وخليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي في بنغازي. بهذا المعنى، لا يوجد سوى عدد قليل من السيناريوهات المحتملة التي قد تخرج عن الانتخابات الليبية. مع الأسف، لا يبدو أن أيًا منها قد يفيد ليبيا على المدى الطويل، وجميعها يخدم حفتر أكثر من أي مترشح أخر، سواء نجح في حصد أغلبية الأصوات أم لم ينجح. 

في أفضل السيناريوهات، يمكن أن تخلق هذه الانتخابات نظام حكم مشابه للنظام الحالي في ظل حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة. بمعنى آخر، سيكون هناك رئيس وحكومة من طرابلس، مع سيطرة محدودة أو معدومة على المناطق الشرقية، والتي ستستمر في البقاء تحت قبضة حفتر القوية. لا يزال سيناريو تعيين حفتر وزيرًا للدفاع في أي حكومة مستقبلية أمر غير واقعي، خاصةً إذا فاز الدبيبة في الانتخابات وأصبح رئيسًا. ونتيجة لذلك، سيحشد حفتر الميليشيات الشرقية الخاضعة لسيطرته لزعزعة أمن واستقرار الحكومة الجديدة وبالتالي تعريض البلاد لحرب أهلية جديدة.

في أسوأ السيناريوهات، يمكن لحفتر أن يجمع أصوات القبائل الشرقية والجنوبية التي كانت ستذهب لابن القذافي، وبالتالي قد يتمكن من الفوز بالمقعد الرئاسي. بمجرد حدوث ذلك، سيقوم حفتر على الفور بحل القيادة العسكرية في طرابلس والانتقام من خصومه السياسيين القدامى في المناطق الغربية. سيؤدي هذا إلى زيادة الاستقطاب السياسي بين الميليشيات في طرابلس وتحويل البلاد إلى ساحة حرب مرة أخرى. لقد هدد قادة مليشيات طرابلس بالفعل بإشعال نزاع عنيف، عندما أعلن حفتر أنه يخوض الانتخابات. الآن، قد تتخيل ماذا سيفعلون إذا أصبح حفتر هو الرئيس.

في جلسته الشهرية بشأن ليبيا في نوفمبر، توعد مجلس الأمن بمعاقبة أولئك الذين يحاولون عرقلة الانتخابات. ليس من الواضح ما هو نوع العقوبة، وما إذا كان لمجلس الأمن الدولي سلطة معاقبة أي طرف داخل ليبيا من الأساس. بالرغم من ذلك، لا ينبغي للمجتمع الدولي أن ينفض يديه عن ليبيا بمجرد إجراء الانتخابات، بل يحتاج المجتمع الدولي إلى إعداد ليبيا لما قد يحدث بعد هذه الانتخابات، لا سيما فيما يتعلق بالفرص الكثيرة التي تتحها هذه الانتخابات للمشير حفتر، سواء فاز بالأصوات أو لم يفز.