في ربيع ٢٠١٢، تلقيت دعوة غريبة من الحملة الرئاسية لمرشح جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، لحضور اجتماع تنظمه قيادات الحملة مع العاملين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني من أجل طرح أجندة الإخوان في ملف حقوق الإنسان، وخصوصاً قضايا حقوق المرأة والحريات الدينية، وبالرغم من غرابة الدعوة، وبعد طول تفكير وتردد، قررت أن أحضر الاجتماع، خصوصاً أن عدداً لا بأس به من الحقوقيين المصريين كانوا حاضرين بالفعل.
بدأ الاجتماع في فندق فيرمونت بمحاضرة نظرية مملة جداً وطويلة جداً عن رؤية الإخوان تجاه حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، قدم المحاضرة جهاد الحداد، الإخواني ابن الإخواني، فأبوه هو عصام الحداد القيادي المسؤول عن العلاقات الخارجية بالجماعة آنذاك، وجهاد الحداد لمن لا يتذكر هو ذلك الشاب الذي تكرر ظهوره على القنوات الأجنبية أثناء اعتصام رابعة وهو يصطحب مراسلي القنوات الأجنبية في جولة داخل أوكارهم، وهو يكرر أكذوبة أن الاعتصام سلمياً، برغم ما رصدته الكاميرات من أكفان ونعوش وأسلحة وذخائر وأدوات تعذيب، كان يقول أنها موجودة فقط للدفاع عن النفس!
بعد المحاضرة سأل أحد الحقوقيين المنصة عن رؤية الجماعة لحقوق المرأة خصوصاً أن الرؤية الدينية التي تتبناها الجماعة تجاه المرأة متناقضة تماماً مع المواثيق الدولية في هذا الشأن، فجاء الرد من المنصة صادماً بأن الجماعة تحترم المرأة وتقدرها، ثم أردف المتحدث قائلاً: "مثلاً نحن نرى أن من حق المرأة أن تطالب زوجها بأجر مقابل تنظيف بيته وإرضاع أولاده ورعايتهم"، وهذا طبعاً رأي مبني على نظريتهم التحقيرية القائمة على فكرة أن المرأة هي كائن تابع سخره الله لإمتاع وخدمة الرجل. وبينما ضجت القاعة بالضحك، شعرت وقتها بأن أحدهم قد غرس خنجراً في صدري، وقلت لنفسي إننا – كنساء – مقبلون على أيام سوداء، لو حدث وفاز مرشح الإخوان في هذه الانتخابات. وقد كان!
ما أن وصلت جماعة الإخوان للحكم في يونيو ٢٠١٢، إلا وأخرجت الجماعة كل عقدها تجاه المرأة، بل وحاولوا أن يمنحوا أفكارهم المريضة شرعية قانونية من خلال البرلمان الذي احتله السلفيين آنذاك، فلم يمر يوماً واحداً منذ توليهم الحكم دون المطالبة بمنع المرأة من مزاحمة الرجل في حقل العمل، وإلغاء القوانين التي تعطي المرأة الحق في حرية السفر والتنقل دون إذن الأب أو الأخ أو الزوج، وإلغاء قانون الخلع الذي يعطي المرأة الحق في تطليق نفسها، بل وأبشع من كل ذلك كان هو سعيهم المستميت لإلغاء القوانين التي تجرم ختان الإناث وزواج القاصرات. والطريف إلى حد البكاء هنا، هو حقيقة أن المتحدث الأشهر باسم الجماعة في هاتين القضيتين تحديداً (ختان الإناث وزواج القاصرات) كانت امرأة وليس رجلاً، هي عزة الجرف، أم أيمن، مسؤولة تجنيد المجاهدات في الجماعة، والتي أصبحت، بقدرة قادر، عضو بالبرلمان المصري، تحت حكم الإخوان.
لهذا لم يكن مستغرباً أن تكون نساء مصر في مقدمة الصفوف التي قادت ثورة ٣٠ يونيو ضد الإخوان، وكن هن الأعلى صوتاً والأكثر انتشاراً، وهن بذلك لم يرغبن فقط في الثورة على القمع باسم الدين الذي حاولت الجماعة الإرهابية ممارسته ضدهن، ولكن أيضاً استرداد الهوية المصرية الأصيلة التي حاولت الجماعة الآثمة طمس ملامحها من خلال إخماد صوت المرأة، واعتبارها هي وصوتها عار وعورة.
كانت ثورة ٣٠ يونيو خط فاصل بين مرحلة كفاح ومرحلة حصاد، فقبلها مرت المرأة المصرية بعقود مؤلمة كانت فيها تكافح من أجل أخذ مساحة مناسبة لها في مجتمع يتعمد وضعها تحت مقصلة التمييز على أساس النوع طوال الوقت، بسبب عقلية جمعية تشوهت بفعل أفكار أبوية متوارثة شديدة التعنت وأفكار دينية شاذة شديدة الجهل، ولم تفلح أي من المبادرات الجبارة التي أطلقت في عهد السيدة الأولى سوزان مبارك، فيما قبل ثورة يناير ٢٠١١، والتي أنصفت المرأة على مستوى القوانين والتشريعات بشكل لا يقبل الجدل؛ لم تنجح في إحداث أي تغيير حقيقي على مستوى القواعد الشعبية من حيث نظرة المجتمع وطريقة تعامله مع المرأة.
أما بفضل ثورة ٣٠ يونيو، ثم تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي، محب المرأة ونصيرها، رئاسة البلاد، فقد دخلت المرأة المصرية وبعد طول انتظار في مرحلة الحصاد الحقيقي؛ حصاد عقود من الحلم المصحوب بالعمل والإخلاص لأم الدنيا مصر، فأصبحت المرأة صانعة قرار وسياسية وإعلامية يشق لها الغبار، ولأول مرة في تاريخ مصر ينعقد برلمان تحتل فيه المرأة نسبة ١٥٪، ولأول مرة في التاريخ تتصدر المرأة المناصب السياسية العليا بالدولة بهذا العدد، فلدينا في الحكومة الحالية على سبيل المثال ثماني وزيرات، ولأول مرة أيضاً يتم تعيين المرأة المصرية في منصب محافظ، ناهيك عن تزايد عدد القاضيات، والأمر المهم هنا هو أن كلهن أصحاب كفاءة، وأن مهاراتهم في مجال تخصصهم، وليس نوعهن، كانت هي المعيار الرئيسي في اختيارهن لتلك المناصب.
وحتى على المستوى الاقتصادي، أصبحت المرأة، من كل المراحل العمرية والطبقات الاجتماعية عنصر فاعل ومؤثر في إدارة عجلة الاقتصاد، إما في مناصب عليا أو حتى على مستوى مبادرات الأعمال الناشئة التي تجد لنفسها أرض خصبة في السوق المصري في السنوات الأخيرة، وكذلك الأمر على مستوى المبادرات الاجتماعية والمجتمع المدني، والأنشطة الإعلامية سواء عبر قنوات الإعلام التقليدي أو وسائل الإعلام الجديدة على الأنترنت.
لقد كان للمرأة المصرية دور لا يغفله التاريخ في خلق أسطورة ٣٠ يونيو، وكذلك كان لثورة ٣٠ يونيو دور لا ينكره أحد في تمكين المرأة المصرية من استعادة حقوقها وتفعيل دورها من أجل رفعة الوطن، كتفاً إلى كتف بجانب الرجل. فالمرأة والرجل كجناحي طائر، إذا اجتمعا، حلق الوطن في أعالي المجد. طوبى لقائد عظيم أدرك هذه الحقيقة ولم يتردد لحظة في تصحيح ميزان الأمور، وإعادة المرأة إلى المكانة التي تستحقها.