Wednesday, July 01, 2020

الإسلاميون... تجار الدين والديمقراطية

الإخوان المسلمين في إيران


عندما نجحت ثورة يناير المصرية، في عام ٢٠١١، في إسقاط نظام مبارك، لم يتخيل أحد أن البلاد ستنتقل بهذه السهولة من ديكتاتورية مبارك إلى ثيوقراطية الإخوان المسلمين في غضون أشهر معدودة، بينما الشعب الذي قاد الثورة، من أجل الديمقراطية والحرية والحياة الكريمة، كان قد غرق في سلسلة لا نهائية من الانقسامات التي افتعلها الإسلاميون بين طوائف الشعب وبعضها، وبين الشعب ومؤسسات الدولة، بما فيها القوات المسلحة التي كان تحيزها لصف الشعب سبباً رئيسياً في نجاح الثورة وإسقاط نظام ديكتاتوري عمره ثلاثين عاماً.

 

وبينما انشغل الشعب بانقساماته المتأججة عمداً، بقي الإسلاميون – إخوان وسلفيين – محافظين على تماسكهم ووحدتهم التنظيمية، واضعين كل تركيزهم على هدف واحد، وهو الوصول إلى قمة السلطة في مصر، بأي شكل وبأي ثمن، مستغلين حالة الفوضى التي نتجت عن الانقسامات التي تبعت ثورة يناير، وحتى لو أضطرهم الأمر إلى القبول بنظام الدولة الوطنية الحديثة، واستخدام وسائل الديمقراطية، رغم ما لديهم من مجلدات يجرمون ويحرمون فيها مفهوم الدولة الوطنية من أساسه، ويعتبرون الوطن ما هو إلا "حفنة من تراب" وفق التصريح الشهير لمرشد الإخوان السابق مهدي عاكف في عام ٢٠٠٩، فضلاً على قصرهم الممارسة الديمقراطية في إطار نظام الشورى الإسلامي تحت نظام الخلافة الإسلامية، الذي هو جزء لا يتجزأ من عقيدتهم الفاسدة.

 

وفي منتصف عام ٢٠١٢، كان الإسلاميون قد نجحوا بالفعل في احتلال البرلمان بغرفتيه، وكذلك منصب رئيس الجمهورية، عبر انتخابات شابها من التزوير والتلاعب والتدليس ما لم نشهده في عهد مبارك، الذي كانت الانتخابات فيه مجرد مسرحية يضع النظام وحده تفاصيلها ونتائجها، أقول هذا كشاهد عيان على ما حدث، حيث كنت أقود فريق عمل يغطي كل محافظات مصر ومكون من سبعة آلاف مراقب مسؤول عن متابعة وتقييم الانتخابات الرئاسية التي كان ينافس فيها الإخوان، ورصدنا ووثقنا انتهاكات جسيمة أرتكبها الإخوان بمعاونة القواعد الشعبية التابعة للتيار السلفي، وهي انتهاكات ترقى للإضرار بسلامة ونزاهة العملية الانتخابية ككل.

 

لكن برغم ذلك وصل الإسلاميون للحكم، في ظل تشجيع ومباركة عالمية رغم ما شاب الانتخابات من تزوير، وبقي الإسلاميون في حكم مصر سنة واحدة قبل أن يثور الشعب عليهم ويطيح بهم بعيداً عن الحكم وعن مصر كلها، كرس الإخوان والسلفيون، خلال هذه السنة، كل جهدهم لتدمير سلم الديمقراطية الذين صعدوا عليه إلى رأس الدولة، ومحو الهوية المصرية، من أجل استبدالها بهويتهم الإسلامية المسيسة، في محاولة لاستنساخ إيران جديدة على الأراضي المصرية؛ ظاهرها دولة حديثة بها نظام رئاسي وبرلمان وانتخابات، وفي باطنها شتى ألوان الظلم تحت راية الإسلام، وما أظلم من تقديس حاكم بإعطائه شرعية دينية، وتقديمه للعوام على أنه هو المتحدث باسم الله على الأرض، وما هو إلا بشر مثلهم.

 

وقبل أن يمر هذا العام الأسود، كان المصريون قد أفاقوا، ربما بفعل الصدمة، وقرروا الثورة من جديد ضد النظام الثيوقراطي بقيادة الإخوان والسلفيين، الذين كانوا وهم نواب في البرلمان يرفضون الوقوف من أجل تحية العلم على اعتبار أنه أمر غير وارد في الشريعة الإسلامية! وهكذا كانت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ التي صححت المسار وأعادت مصر إلى الطريق السليم نحو حلم الديمقراطية، لكن هذه المرة دون مشاحنات أو انقسامات.

 

ولم يقتصر نجاح ثورة يونيو على مصر فقط، بل أرعب سقوط الإخوان المسلمين في مصر، اخوانهم في حزب النهضة في تونس، والذين استسلموا للأمر الواقع وقرروا الرحيل المؤقت عن السلطة بأيديهم لا بيدي عمرو.  لكن للأسف، ما زال في العالم حتى اليوم، من يردد أكذوبة أن نظام الإخوان المسلمين كان نظام ديمقراطي، أو أن الإخوان والسلفيين قد وصولوا لحكم مصر عن طريق الديمقراطية.

 

إنه لمخطئ تماماً، من يدّعي أن الإسلاميين قد وصلوا لمناصب سيادية في مصر أو غيرها من الدول التي مرت بتجربة الربيع العربي المؤلمة، لأنهم كانوا الأمهر في ممارسة الديمقراطية أو الأكثر حنكة سياسية عن غيرهم من التيارات. بل هم كانوا الأمهر في استغلال مشاعر الشعب الدينية والتلاعب بأدوات الديمقراطية من أجل الوصول إلى الحكم، ليس بغرض حكم البلاد لفترة محددة ثم المنافسة من جديد أمام مرشحين آخرين وفق قواعد ديمقراطية واضحة، بل بهدف تدمير أواصر الدولة الوطنية ونسف الديمقراطية، ومن ثم إقامة نظام خلافة إسلامية على أنقاض الدولة الوطنية.

 

وهذا لا يمت للديمقراطية بصلة، وليس له تعريف أو توصيف سوى كونه عملية سطو على أحلام ومقدرات شعب كامل بعد إضعافه وطمس هويته. إن الإسلاميين والديمقراطية نقيضان لا يجتمعان كالزيت والماء، ولعل تجربة الإخوان المسلمين في مصر عقب ثورة يناير، وفي تونس تحت حكم النهضة، وأيضاً في تركيا تحت وصاية أردوغان هي خير دليل.