يبدو لي أن الأخبار المنتشرة عن موافقة الرئيس على تعديل قانون الجمعيات غير دقيقة، فقد جاء كلام الرئيس عن القانون رداً على سؤال من فتاة أجنبية بخصوص القانون وما يثار حوله من انتقادات، وقال لها الرئيس أنه ليس لديه مانع من تعديل القانون بعد إعادته للبرلمان وقيام حوار مجتمعي بشأنه، لكن لم يعد في يد الرئيس أن يعدل القانون الآن، هذه مسألة يجب أن تتم عن طريق البرلمان.
من وجهة نظري، كأحد العاملين في المجتمع المدني والمتأثرين بشكل مباشر بقانون الجمعيات الأهلية والملتزمين به، أرى أن قانون الجمعيات الجديد ليس بحاجة إلى تعديل، ولكنه فقط بحاجة إلى التنفيذ. لقد صدق الرئيس على القانون بالفعل، وقام البرلمان بتمريره بأغلبية الأصوات، ولم يتبقى سوى أن يقوم رئيس الوزراء بإعداد اللائحة التنفيذية والبدء في تطبيقه، وهذه الخطوة للأسف تأخرت كثيراً وكان المفروض أن تحدث منذ أبريل 2017، أي خلال ستين يوم من تصديق الرئيس السيسي على القانون.
كما أني أختلف مع الرئيس السيسي فيما قاله عن أن القانون به "عوار" لو صح ما تناقلته الصحف على لسانه اليوم، فهذا القانون هو نتاج خمس سنوات من مفاوضات بين وزارة التضامن والمجتمع المدني، وجلسات حوار مجتمعي في جميع أنحاء مصر، ونقاشات قانونية دامت أكثر من عامين داخل البرلمان، وسجالات إعلامية صاخبة، هذا مجهود سنوات، وتعديله أو إعادة فتح حوار بشأنه لن يصل بنا إلى شيء، وسيبرر استمرار مئات الجمعيات والمؤسسات المخالفة في عملها، والتي أساءت بدورها للمجتمع المدني ككل، خصوصاً المؤسسات الحقوقية المسجلة بشكل رسمي والتي تريد أن تواصل عملها لخدمة المجتمع وما زالت عالقة بين قانون لم يتم تطبيقه بعد وبين وصمة عار تلاحقها بسبب بعض المخالفين للقانون والذين يضغطون بكل ما أوتوا من قوة لاستمرار الوضع على ما هو عليه لأنهم أصلاً ضد فكرة الخضوع لأي قانون بأي شكل.
أفضل طريقة لاكتشاف أي "مشكلات" في القانون هي أن نبدأ في تنفيذه، وبعد التنفيذ نبدأ في تقييم التجربة والبرلمان موجود، يمكننا اللجوء له في أي وقت بعد ذلك لعمل التعديل الذي نريده.
في كل الأحوال، خروجنا من الحالة الهلامية التي يعاني منها المجتمع المدني، خصوصاً الحقوقي الآن، بتطبيق قانون واضح وعملي مثل قانون 2017، والذي يحدد العلاقة بين المجتمع المدني والدولة بشكل مثالي، من وجهة نظري، هو أفضل ألف مرة من الدخول في دوامة التعديل على الورق مرة أخرى، وتضييع سنوات، وتهميش الملتزمين بالقانون داخل المجتمع المدني المصري، للأسف عدم تطبيق القانون يزيد من قوة المخالفين وحضورهم، ويسيء ويكبل عمل الملتزمين بالقانون والخاضعين له.
أنا بدوري كمواطنة مصرية تعمل في المجتمع المدني وخاضعة لقانون الجمعيات في هذا الشأن، أطالب الرئيس السيسي بتوجيه مجلس الوزراء لإصدار اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون، والبدء في تطبيقه على الجميع، دون تأخير أو تعديل أو مزيد من الحوارات والمناقشات حول قانون تم التصديق عليه بالفعل.