محمود درويش
يحبّونني ميتاً
يُحبُّونَني مَيِّتاً لِيَقُولُوا: لَقَدْ كَان مِنَّا, وَكَانَ لَنَا
سَمِعْتُ الخُطَى ذَاتَهَا, مُنْذُ عِشرينَ عَاماً تدقُّ
عَلَى حَائِطِ اللَّيْلِ
تَأتِي وَلاَ تَفْتَحُ البَابَ
لَكِنَّهَا تَدْخُلُ الآن
يَخْرُجُ مِنْهَا الثَّلاَثَةُ: شَاعِرٌ, قَاتِلٌ, قَارئٌ
أَلاَ تَشْرَبُونَ نَبِيذاً؟ سَأَلْتُ, سَنَشْرَبُ.
قَاُلوا. مَتَى تُطْلِقُونَ الرَّصاصَ عَلَيَّ؟ سَأَلْتُ
أجابوا: تَمَهَّلْ! وَصفُّوا الكُؤُوسَ وَرَاحُوا
يُغَنُّونَ لِلشَّعْبِ , قُلْتُ: مَتَى تَبْدَءونَ اغْتِيَالي؟
فَقَالُوا: ابْتَدَأنَا ... لمَاذَا بَعَثْتَ إلَى الرُّوحِ
أَحْذِيَةً! كَيْ تَسيِرَ عَلَى الأَرْضِ , قُلْتُ
فَقَالُوا: لِمَاذَا كَتَبْتَ القَصيِدَةَ بَيْضَاءَ والأَرْضُ
سَوْدَاءُ جِدَّاً
أَجَبْتُ: لأَنَّ ثَلاَثِينَ بَحْراًُ تَصُبُّ بِقَلْبِي
فَقَالوا: لِمَاذا تُحُبُّ النَّبِيذَ الفَرَنْسِيّ ؟
قُلْتُ: لأَنِّي جَدِيرٌ بأَجْمَل امْرأَةٍ
كَيْفَ تَطْلُبُ مَوْتَكَ؟
أَزْرَق مِثْل نُجُومٍ تَسِيلُ مِنَ السَّقْف – هَلْ
تَطْلُبُونَ المَزِيدَ مِنَ الخَمْر؟
قَالوا: سَنَشْرَبُ
قُلْتُ : سَأَسْأَلُكُمْ أَنْ تَكُونُوا بَطِئِين, أَنْ تَقْتُلُوني
رُوَيْداً رُوَيْداً لأَكْتُبَ شعْراً ...