الحقيقة ما عنديش تعليق المره دي لأني تعبت من الكلام, لكن فعلا فعلا فعلا كريم تعبان قوي في موقفه ده و لازم نقف جنبه لغاية ما يطلع و بعد كده اللي يكون يكون, حرام قوي بجد إن واحد يتسجن و يتهان و يتساوى بالحرامية و بائعي المخدرات و المتشردين لمجرد أنه قال رأي, أنا شخصيا أول المختلفين معه في هذا الرأي لكني بكل تأكيد أؤيد حريته المطلقة في ان يفكر كما يشاء و أن يفعل ما يحب
رسالة من خلف القضبان (3)ء
بعد مجهود طويل و تعب, توصلت إلى حقيقة -لا مفر منها- مفادها أن استخدام الإنسان لعقله و تعبيره الحر عن رأيه -في بلادنا- أخطر بكثير من إعتداءه على ممتلكات الغير أو اتجاره في السموم و مغيبات العقول؛ كانت <روضة> -كعادتها- في إنتظاري عندما ذهبت إلى جلسة التجديد الثانية يوم الأربعاء الماضي, لا أعرف كيف أشكرها على مساندتها لي في هذا الظرف الحرج خاصة أنها تحضر من القاهرة خصيصاً لحضور جلسات التجديد معي, و لكن موقفاً حدث لي قبل أن التقيها أثناء تواجدي في حجز نيابة محرم بك, كانت يدي اليسرى مقيدة بيد سجين آخر متهم في قضية سرقة عندما بادر المسؤل عن مقر الإحتجاز بتفتيشنا, إستخرج الرجل قلمي و انحاه جانباً مصادراً اياه فإعترضت بشدة لإدراكي أن الأقلام ليست من الممنوعات التي لا يجب علي الإحتفاظ بها, و حدثت مشادة كلامية بينه و بيني إنتهت بتعامله معي بعنف و دفعني بكلتا يداه مع السجين الآخر نحو سلالم الحجز, هوينا سوياً لعشر درجات متوالية و أدى الإرتطام العنيف إلى إحداث خدش طفيف بالقرب من رسغ يدي اليمنى, و تورم ملحوظ في قدمي اليمنى أدى إلى صعوبة سيري عليها وقتها, و إن كان الألم قد بدأ يخف عنها الآن
قبيل الجلسة أخبرتني <روضة> أن <سارة> و <هيثم> سيلتقون بي, حضرت <سارة> بعد لحظات تبعها <هيثم> و تحدثت معهما لبعض الوقت قبيل أن ينادى عليَّ للدخول إلى مكتب قاضي المعارضات, حاولت أن أشرح له ظروف احتجازي السيئة و كيف أنني أعيش في مكان واحد مع المجرمين و اللصوصو مدمني المخدرات و بعضهم لا يتورع عن فعل أي شيء في مقابل سيجارة يدخنها أو قرص مخدرات يتعاطاه, و طلبت <روضة> منه إطلاق سراحي على إعتبار أنه لا خوف عليَّ من الهرب, فأنا الذي ذهبت بنفسي إلى النيابة للتحقيق معي و لم يتم ضبطي و إحضاري, و لكن الرجل لم يابه بكل هذا و قضى عليَّ بالحبس لخمسة عشر يوماً أخرى
قامت <روضة> -مشكورة- بإستئناف قرار الحبس هذا و حضرت معي في اليوم التالي (الخميس) جلسة إستئناف قرار التجديد بمجمع المجاكم بالمنشية, و كان <شبح> مقال محرم بك لي بالمرصاد ووجهت بإحدى فقراته خلال الجلسة و إنتهى الأمر بقبول الإستئناف شكلاً و رفضه موضوعاً و تأييد حبسي لخمسة عشر يوماً تنتهي في السادس من شهر كانون الأول (ديسمبر) المقبل, و انهى القاضي حديثه معي بالقول: أنت ممن قيل فيهم <ختم الله على قلوبهم و على سمعهم و على أبصارهم غشاوة و لهم عذاب عظيم>!!!, و إتضح لي أن القاضي يتعامل معي من منطق ديني صرف في الوقت الذي يفترض فيه أننا نعيش في دولة مدنية لا علاقة و لا صلة تربط بين الدين و القوانين المطبقة فيها و لكنه الغلغل المقيت للتيارات الدينية المتطرفة في المؤسسات الرسمية و الذي بدا لي جلياً من موقف وكلاء النيابة في محرم بك و القضاة الذين أيدوا حبسي. عليَّ إذن قضاء فترة أخرى في حجز القسم أنا على يقين أنها ستطول لتعنت القضاة ضدي و مواقفهم المنطلقة من قناعتهم الدينية ضد من يختلف عنهم بصددها, فكما حاولت التكيف مع الأمر في البداية عليَّ أن أعوِّد نفسي عليه لفترة قابلة للزيادة, و عليَّ أن أحتمل المشاهد الكفيلة بتحطيم الأعصاب و التي أراها يومياً حولي في صورة أشخاص دمرتهم المخدرات و حولتهم إلى أشباح تسير على قدمين, كما علي أن أحتمل مشاهد إيذاء البعض منهم لأنفسهم للهروب من الترحيل إلى السجن و التي تجلت أبشع صورها في حقن أحدهم لنفسه بحقنة ملوثة بالبراز في قدمه و هو الأمر الذي كاد أن يتسبب في تلفها لولا أنه نقل إلى المستشفى بعد إستئذان النيابة و علاجه, و آخر حاول كسر يده عن طريق إغلاق باب الحجز الحديدي عليها, و آخر قام بابتلاع قدر لا بأس به من الأمواس و المسامير المعدنية
و عليَّ أيضاً أن أتحامل على نفسي و أقلل قدر الإمكان من تناول الطعام حتى و إن أدى الأمر بي لتنفيذ إضراب غير معلن حتى أتفادى إستخدام دورات المياه القذرة قدر الإمكان و التي لا أجدها تصلح على الإطلاق للآدميين. عليَّ بكل -بساطة- أن أعيش حالة من الكمون أو البيات الشتوي حتى أجعل أيامي تمر على خير في هذا المكان الذي أدرك تمام الإدراك أنني لا أستحق المكوث فيه للحظة واحدة, و لكني -مع الأسف الشديد- أوجِدت في المكان الخطأ, حيث يعامل من يحرر عقله من القيود التي يفرضها من حوله عليه معاملة المجرمين و من يمثلون خطورة كبيرة على الأمن العام للبلاد و عليَّ أن أتحمل حتى تنتهي هذه المحنة التي لم و لن أكون أول أو آخر من يتعرض لها طالما ظل هذا الوضع الوأسوي المؤسف في بلادنا على ما هو عليه
دائماً تصلني عن طريق بعض الأصدقاء الذين يزورونني في القسم أو من ألتقي بهم أو أهاتفهم خلال جلسات التجديد تحيات بعض الأصدقاء الآخرين الذين يعيشون خارج مصر, و قبل جلسة التجديد الأخيرة وصلتني من الصديق التونسي العزيز <عماد حبيب>, عاتبني فيها على تمسكي بمواقفي في هذا التوقيت الحرج أمام من لا يقدرونها و طلب مني أن أفعل ما بوسعي كي يطلق سراحي, في الحقيقة أثرت في الرسالة كثيراً و لكنني فيما بعد أدركت أن الأمر لم يعد في يدي, فنيَّة الإنتقام مني مبيتة من قبل القضاة الذين ينظرون في قضيتي و التي تحولت على أيديهم إلى نوع من الجهاد ضد إنسان لا يملك سوى قلم عبر به عن رأيه الحر دون أن يضع في إعتباره أية ثوابت أو مسلمات, فهذه هي جريمتي التي أفخر بارتكابها, و قد يتصور بعضهم أن مثل هذه الإجراءات العتيقة قد تجبرني على العدول عن مواقفي و هو تفكير سطحي للغاية حيث أنها لا يمكن أن تتغير إلا عن طريق الإقتناع الكامل بضرورة تغييرها, كما أن القمع لا يمكن أن يؤتي ثماره مع من يضع عقله قائداً له و محركاً لأفكاره, و الأمثلة على ذلك كثيرة و لست أول من يثبت على ما هو عليه رغم المعاناة و الظلم و الألم
أتمنى مغادرة هذا المكان في أقرب وقت, حتى و إن كانت مغادرتي إلى السجن, فلا أعتقد أنه سيكون أسوأ حالاً من هذا المكان اللاآدمي, فعندما إعتقلت العام الماضي لم بكن الأمر سيئاً كما هو معي الآن, أتمنى أن يحدث المستحيل و أتحرر في أقرب وقت فلم أعد أحتمل أكثر من ذلك, أخشى أن يصيبني مكروه هنا خاصة أنني في مكان يسهل فيه إنتشار الأمراض المعدية و لا يدخله الهواء النظيف إلا بالكاد, أصبح الأمر فوق كل الإحتمالات خاصة أن أحد الضباط طلب مني الإنتقال إلى الغرفة المزدحمة التي كنت فيها في بداية الأمر و إنتقلت بالفعل, أخشى أن يصل بي الأمر إلى فقدان الرغبة كلياً في الحياة و لست معتاداً على تقييد حريتي في مثل هذه الأماكن القذرة الغير صالحة للحياة الآدمية على الإطلاق
من حجز قسم شرطة محرم بك
عبد الكريم نبيل سليمان
الجمعة 24\11\2006م