Wednesday, July 08, 2015

أسباب في شرح قانون مكافحة الإرهاب


قانون مكافحة الإرهاب مصر

إن الجدل المثار حول قانون مكافحة الإرهاب الذي خرج بعد إلحاح شعبي طال شهور، ونتج عن تأخيره إراقة الكثير من الدماء البريئة وتحقيق مكاسب أكبر لقوى الشر على حساب أمن مصر القومي واستقرارها، يُخبر بأننا ما زلنا نعاني من رواسب نفسية سلبية ورثناها من القمع المقنن الذي كان يمارس في حقب الديكتاتورية ثم الثيوقراطية التي توالت على مصر عبر العقود الماضية، وجعل بعضنا يأخذ موقف هجومي ضد أي تشريع جديد بدعوى أنه أتى لتقييد الحريات لا لفرض الاستقرار. 

حدث ذلك الرفض الأعمى مع قانون تنظيم التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية الذي ما زال تائهاً في حالة جدلية غير مفهومة، ويتكرر الآن مع قانون مكافحة الإرهاب؛ رغم أن أي من هذه القوانين لم يأتي لتقييد الحريات، ولكن فقط لوضع قواعد تنظم كيفية العمل بهذه الحقوق بما لا يضر بالأمن القومي لمصر ويراعي تنوع المواطنين ومواقفهم. وهذه القوانين ليست بدعة مصرية، بل هي قوانين لها ما يماثلها وربما يزيد عنها شدة وحسم، ليس فقط في دول طاعنة في الديمقراطية مثل أمريكا وغالبية الدول الأوروبية، ولكن أيضاً في المواثيق الدولية التي استغرق المشرعون سنوات لضبطها.

وأهم ما ينفي عن قانون مكافحة الإرهاب شبهة استخدامه كأداة لممارسة القمع أن التعديلات الأخيرة قد وضعت تعريفات دقيقة للعمل الإرهابي ومرتكبه والمحرض عليه والمروج له، على عكس ما كان في قانون الطوارئ مثلاً وعباراته المطاطة والذي كان إلغاؤه من أهم مطالب ثورتنا في ٢٥ يناير. تحديد التعريفات بهذه الدقة يحقق المعادلة الصعبة لعدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية للمواطن العادي بينما تسمح باكتشاف العمل الإرهابي حتى قبل وقوعه والتعامل معه. 

وعلى عكس موقف نقابة الصحفيين، لم أرى في المادة ٣٣ أي شيء يمس بحرية الرأي والتعبير أو حرية نقل وتداول المعلومات، لأن نص المادة الواضج جداً يغنيني عن القول بأن المقصود ليس الصحفي النقابي المحترف الذي يتحرى المصادر الدقيقة لملعوماته، ويتجنب إساءة استخدام قلمه في أعمال تضر بأمن البلاد والعباد، وهي أمور لو أخل بها أي صحفي يجب على نقابة الصحفيين أن تكون أول من يعاقبه. 

ولكن المقصود من هذه المادة هو المواقع والصحف والقنوات التي انتشرت الفترة الأخيرة على أنها منابر إعلامية بينما هي منابر للإرهاب، تستخدم للتحريض والترويج وبلبلة الرأي العام، وافتعال حالات غضب وهمية تربك وتدمر أكثر من الأسلحة والقنابل التقليدية. وما أكثرهم!

ولنتذكر هنا كيف تعاملت ألمانيا، بجلالة قدرها، مع الإعلامي الإخواني أحمد منصور، قبل ثلاثة أسابيع، لمجرد أنه استضاف قيادات من جماعة إرهابية في برنامجه، مجرد استضافتهم وضعته في السجن تحت تحقيقات مشددة لأيام، وكان مهدداً بتوجيه تهم أكبر له، لولا تدخلت جنسيته الأنجليزية وأنقذته! 

وأخيراً، لو أن في القانون عيب يحتاج المراجعة فهو يتعلق بطول إجراءات الضبط والتقاضي، التي كانت السبب الأساسي في كل التراخي الذي حدث الفترة الفائتة، وكذلك الإصرار على معاملة الإرهابي على أنه مجرم. 

المجرم شخص يفترض فيه الصلاح أرتكب خطأ نتج عنه ضرر في حق المجتمع، ولهذا لا حرج في أن يتمتع بحقوق المثول أمام قاضيه الطبيعي والاعتراض على الحبس الاحتياطي واستئناف الحكم الصادر ضده ثم الطعن عليه، لكن الإرهابي أو حتى المشتبه به في عمل إرهابي يجب أن تكون عقوبته مباشرة وحاسمة ورادعة، ولا يجوز له التمتع بأي من هذه الحقوق التي تمنح للمجرم. 

القانون الدولي نفسه يفرق بين الأثنين في المحاكمة والعقوبة.

Wednesday, July 01, 2015

تفاءلوا رغم الألم

ثورة 30 يونيو مصر


رغم أنف الإرهاب، كل عام ومصر أم الدنيا وقد الدنيا. إنها الذكرى الثانية لتحرير مصر من براثن جماعة الإخوان الإرهابية، الذين سرقوا حلم ثورتنا في غفلة يبدو أن القدر لن يكف عن معاقبتنا عليها أبداً، لكن عزاؤنا أننا لم نستسلم وجعلنا من الثورة ثورتين، رغم علمنا بأن الثورة الجديدة سيكون ثمنها الدم، وأننا دخلنا حرب لن تخمد نارها بين يوم وليلة، واخترنا - شعباً وجيشاً - أن نكمل للنهاية، ونجحنا فيما ظن العالم أنه من المستحيلات. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن المعركة الدائرة بيننا وبين الجماعة الإرهابية منذ عامين، ما هي إلا مرحلة ستمر كقبض الريح في عمر مصر، نعم هي مرحلة مؤلمة، لكن الزهرة الجميلة كي تثمر لابد وأن تنغرس في الطين أولاً، ولأن المأساة التي نعيشها اليوم لا تساوي واحد على مليون مما كانت مصر مقبلة عليه باستمرار الجماعة الإرهابية في الحكم، إما على مستوى الأمن الداخلي أو العربي أو حتى على مستوى الأمن والسلم في العالم.

تفاءلوا رغم الألم، لأن لدينا جيش من خير أجناد الأرض ما زال صامداً في وجه عدوان الإخوان وأنصارهم من الجماعات الإرهابية ذات المسميات المختلفة والهدف الواحد على حدودنا الشرقية والغربية والجنوبية، رغم تخلي العالم عن مساندتنا، ورغم مساندة بعض الدول لإرهابهم للنيل من مصر. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن في مصر جهاز شرطة مدنية هم أيضاً خيرة الرجال، تصدوا لمحاولات الإرهاب زعزعة الاستقرار في الداخل وتعطيل الاقتصاد وشل حياتنا، ولولاهم ما شعرنا ببعض الأمان الذي نشعر به الأن، ولأنهم رغم ما يلاقونه من ويلات أدناها عدم التقدير وأعلاها القتل والتعذيب، استطاعوا على مدار عامين تصفية عشرات البؤر الإرهابية، وأضطروهم غير أسفين لإشهار وجههم القبيح وإيديهم الملوثة بالدماء أمام العالم. 

تفاءلوا رغم الألم، لأنه ما زال لدينا رفاهية المطالبة بمزيد من الحقوق والحريات في ظل دولة تعلي سيادة القانون فوق جميع السلطات، ولم تستغل الظروف التي تمر بها مصر لارتكاب ممارسات قمعية أو فرض إجراءات غير عادلة، حتى لو كانت المسألة تتعلق بتعاملهم مع قوى الشر والإرهاب، ورغم قدرتهم على الانتقام بشكل مباشر. هزتني كلمة الرئيس السيسي في إفطار الأسرة المصرية منذ أيام قليلة عن ضرورة التوحد واستعداده لتقبل كل من يريد أن يعيش بيننا في سلام مهما أختلفنا معه في الرأي والموقف، فجاء الرد مباشرةً من جماعة الدم باغتيال محامي الشعب، المستشار هشام بركات.

تفاءلوا رغم الألم، لأن في مصر قيادة سياسية واعية تفهم ضرورة أن تعمل بيدين، يد تبني ويد تحارب، وأننا بعد شهر وبرغم كل التحديات، سنشهد إطلاق واحد من أكبر المشروعات القومية في تاريخنا، محور قناة السويس الجديد، الذي تم إنجازه في عام واحد فقط - وهو أمر لو تعلمون عظيم - وما سيتبعه من أنشطة استثمارية ضخمة ستأتي بخير كثير على المصريين.  

تفاءلوا رغم الألم، لو أن هذه الجماعة الإرهابية قتلت ألاف المصريين على مدار عامين، فأعلموا أن هذا أهون بكثير من أن كانت مصر بالكامل ستمحى من على الخريطة وتتحول إلى مجرد ولاية داخل الدولة الإسلامية التي أخترعوها، تماماً مثلما حدث مع دولتين كان اسميهما العراق وسوريا. 

تفاءلوا رغم الألم، لأن "ربنا موجود" ومصر مباركة في كل كتبه، ولأن البد التي لم تنهزم أبداً على طول تاريخها، لن يهزمها حفنة من تجار الدين والدم.   


Wednesday, June 24, 2015

كابوس الإخوان قبل الأخير

الإخوان المسلمين مظاهرات


تعيش جماعة الإخوان المسلمين كابوس مفزع هذه الأيام، أحد مشاهده يتمثل في تخلي قوى العالم عن دعم الجماعة والاعتراف العالمي الغير معلن بأن الإخوان تمارس العنف وتدعم الإرهاب، على عكس الصورة السابقة التي كان يسوق بها الإخوان لنفسهم على أنهم التيار الإسلامي الأكثر اعتدالاً وسلمية بين كل تيارات الإسلام السياسي الأخرى. 

أي أن خدعتهم الكبرى قد تكشفت، وتجلى ذلك في واقعتين هذا الشهر: واقعة توقيف مذيع الجزيرة الإخواني أحمد منصور في ألمانيا على خلفية لقاء إعلامي مع زعماء جبهة النصرة، وواقعة إعلان الخارجية الأمريكية رفضها لقاء قيادات الإخوان في واشنطن. 

أضف إلى ذلك كم الانقسامات الشديدة التي تحدث الآن بداخل التنظيم الدولي للجماعة على مستوى القيادة، وإنفلات الوثاق بين القيادات والقواعد داخل مصر وخارجها، وتخلي أنصار الجماعة عنها، إما هؤلاء الذين انضموا لتحالفاتهم الإسلامية أو الذين ناصروهم في مظلوميتهم الكاذبة من باب حماية الحقوق.

لكن لا يعني ذلك أن جماعة الإخوان انتهت أو في طريقها للنهاية، فهي كالثعبان، مهما تقطع جسده سيبقى حياً، ولا سبيل للقضاء عليها سوىالضرب على الرأس حيث مكمن الشرور، وعلى مصر كدولة ومجتمع مدني وإعلام، تحقيق تلك الضربة بأسرع وقت ممكن من خلال:  

أولاً: تكثيف الأنشطة الغير رسمية في الضغط على الحكومة الأمريكية والإتحاد الأوربي لإدراج الإخوان ضمن التنظيمات الإرهابية لديها، وهو هدف نسعى إليه منذ سنتين من خلال "الحملة الشعبية لإدراج الإخوان كتنظيم إرهابي دولياً" ولدينا من الوثائق ما يثبت تورط الإخوان في أعمال تضر بالأمن القومي ليس فقط في مصر، ولكن في أمريكا وأوروبا أيضاً. والآن هو الوقت الأمثل لينضم كل المهتمين تحت راية هذه الحملة واستغلال ما حققته من نجاح حتى الآن. 

ثانياً: إسقاط الإسلام السياسي من المعادلة المصرية تماماً وذلك باتخاذ خطوات ملموسة تجاه مسألة تطوير الخطاب الديني التي دعى لها الرئيس مراراً، وعدم اللجوء لبدائل الإخوان في السياسة، لأن المساحة التي أتيجت للإسلام السياسي في حقب سابقة تضاءلت بشدة مؤخراً بسبب تصاعد عنف الإخوان وأنصارهم من السلفيين والجهاديين، بما جعل من الأولى شطب هذه المساحة من الحياة السياسة المصرية أصلاً. 

ثالثاً: الاستمرار في تحقيق تقدم سياسي وليس اقتصادي فقط، رغم تفهمي لحاجة مصر الملحة لنهضة اقتصادية تعوض كل ما خسرناه السنوات الماضية، لكن العالم لا يهتم كثيراً بالنمو الاقتصادي الداخلي قدر ما يهتم بتطور البلاد السياسي وإلى أي مدى مصر أصبحت قريبة أو بعيدة من تحقيق الديمقراطية. ومن ذلك، أستكمال خارطة الطريق، مع ضرورة تقوية دور الأحزاب وخلق مناخ يسمح بالتنافس الشريف فيما بينها، على عكس الصورة المهتزة التي نعيشها حالياً.

رابعاً: الاستمرار في تطوير قواتنا المسلحة وأفرادها لأداء أدوار القوات المسلحة التقليدية المرتبطة بالحروب والأنشطة العسكرية أو الأدوار الغير تقليدية المرتبطة بالأنشطة الاجتماعية والاقتصادية، لأن قواتنا المسلحة ما زالت هي الورقة الرابحة في علاقاتنا مع العالم، خصوصاً أمريكا، وهي مصدر الاهتمام الحقيقي بمصر كدولة قائمة ذات جيش حقيقي، ليس له مثيل في كل المنطقة العربية. 

إن القضاء تماماً على سموم الجماعة الإرهابية ليس مهمة سهلة، وستأخذ وقت. لكن العبرة في المثابرة ومواصلة الكفاح حتى النهاية لأن مصر، وربما العالم بأسره، لن ينصلح حاله ويعتدل ميزانه قبل أن تتحول جماعة الإخوان المسلمين من واقع مُر إلى صفحة سوداء في كتب التاريخ. 

Wednesday, June 17, 2015

في مسألة الفريق شفيق

الفريق أحمد شفيق


إن الفريق أحمد شفيق لم يعد للظهور على الساحة السياسية المصرية لأنه لم يختفي عنها أصلاً، كل الحكاية أن بعض الإعلاميين عادوا للاهتمام بأخباره التي تجاهلوها طيلة أشهر، بعدما نشرت الصحف أخبار عن تحركات حزب الحركة الوطنية لتشجيع المسؤولين في مصر على اتخاذ إجراءات بشأن تأمين عودة شفيق ورفع أسمه من قوائم الممنوعين من السفر بسبب قضية لا يفهم أحد سر تعليقها حتى اليوم. 

استغل هؤلاء الفرصة وأتوا بالفريق شفيق تحت مقصلتهم وأعطوا لأنفسهم الحق في إجراء تحقيقات معه على الهواء لم يقم بها النائب العام نفسه حتى الآن، ومن ثم تلقف المتلقفون على السوشيال ميديا تصريحات الرجل التي لم تخالف الحقيقة في شيء، وحرفوها ليبدو وكأنه يهاجم الرئيس السيسي أو يقدم نفسه كبديل عنه، وهو أمر مستحيل أن يخطر ببال عاقل، ليس فقط لأن الفريق شفيق لن يقبل على تلك الخطوة لما فيها من خطر كبير على استقرار البلد، ولكن أيضاً لأن الشعب المصري الذي أحب الفريق شفيق وأيده في مواجهة الإخوان في 2012 هو نفسه الذي أختار المشير السيسي في 2014 ومازال يؤمن به ويدعمه، ويرى أن كليهما عضدين لا ضدين.  

كل ما يريده الفريق شفيق – ونحن أيضاً – هو شيء من التقدير الذي يستحقه في بلده. هل نعيب على الرجل إنزعاجه كلما رأي أسمه يشوه على صفحات جرائد وطنه، أو نستكثر عليه شعوره بالمرارة لتجاهله في مشهد 3 يوليو العظيم، في حين سمح لأخرين بتصدر المشهد وقتها ولم يكن لهم أي دور يذكر مقارنة بدور الفريق شفيق وأنصاره في إسقاط فاشية الإخوان. بل على العكس، كان بعضهم مؤيداً أعمى للإخوان قبل وأثناء فترة استيلائهم على مصر لأسباب دينية لا علاقة لها بحب الوطن، وتسبب بعضهم الأخر بمواقفه المائعة بعد 3 يوليو في توريط الوطن في خيبات ما زلنا ندفع ثمنها حتى اليوم ثم فر إلى أوروبا متعمداً رشق جسد الوطن بتغريدات كالشوك المسمم بين الحين والآخر – وحاشى لله أن يفهم كلامي على أنه مقارنة بين الفريق شفيق وهؤلاء. 

هل نعيب على الفريق شفيق إصراره على استكمال التحقيق في انتخابات الرئاسة 2012 التي ما زالت تشكل عثرة في علاقاتنا الخارجية بسبب تصوير الإخوان لها بالديقمراطية وبالتالي تمنح نظام الإخوان شرعية كاذبة وتنفي عن النظام الحالي تلك الشرعية في نظر العالم، على عكس الواقع الذي شهدته بنفسي كمدير لفريق مكون من سبعة ألاف متابع وسبعة وأربعين منظمة مجتمع مدني وقتها، قام بتوثيق ما بهذه الانتخابات من تزوير فج ينفي عنها صفتي الحرية والنزاهة، فضلاً عن شبهة التلاعب بالنتائج الجاري التحقيق فيها حالياً.

إن الفريق شفيق - من وجهة نظري – ليس طامعاً في منصب أو راغباً في سلطة، هو رجل أحب مصر لدرجة أن فراقه عنها يؤلمه، ولا يريد سوى أن يعود لأحضان وطنه ويعيش فيه معززاً مكرماً، بالشكل الذي يليق بتاريخه كعسكري شريف، وكوزير ناجح نضرب بإنجازاته المثل، ثم كرئيس وزراء يوم هرب الجميع من تحمل المسئولية، وأيضاً كمرشح رئاسي في معركة ضارية ضد تنظيم إرهابي بدافع إنقاذ الوطن.

ولأنه ليس في مصلحة أحد استمرار هذا الحال، نتمنى أن يتوقف الإعلام عن تناول الموضوع بطريقة درامية تعقد الأمور ولا تحلها، وأن يعجل القضاء بالبت في القضايا المعلقة، وكلي ثقة في حكمة القيادة السياسية في مصر لاحتواء الموقف بأسرع وقت، قبل أن يسيء أعداء الوطن استغلاله. 

Tuesday, June 09, 2015

وزارة للمصريين بالخارج.. لماذا؟

مظاهرات تأييد السيسي في نيويورك

أختتم الرئيس السيسي عامه الأول في الحكم بإنجاز عظيم أكمل به الدائرة الحرجة للعلاقات الخارجية الممتدة عبر أفريقيا والشرق الأوسط، ثم أسيا وأمريكا، وانتهاءاً بأوروبا، من خلال إعادة تأسيس علاقات طيبة مع ألمانيا بوصفها أهم دولة في الاتحاد الأوروبي والأكثر تأثيراً من حيث الثقل الاقتصادي والسياسي، بعد سنوات أهتزت فيها العلاقة بسبب ممارسات جماعة الإخوان الإرهابية إما أثناء وجودهم في الحكم أو حتى بعد سقوطهم. 

وربما كان أفضل ما أعلنه الرئيس في زيارته الأخيرة لألمانيا هو عزم الحكومة على إنشاء وزارة للمصريين بالخارج، وهو الأمر الذي لطالما طالبنا به نحن المصريون في الداخل، ليس فقط لرعاية شئون ومصالح إخوتنا الذين يعملون أو حتى يقيمون في دول أخرى، والذين لم يمنعهم الانفصال المكاني عن الوطن عن إعلان حبهم وتأييدهم له بشكل عملي ومشرف في كل مناسبة ممكنة، ولكن أيضاً للأستفادة من وجودهم وقدرتهم على التأثير كسفراء غير رسميين عن الشعب المصري في هذه الدول، في إطار الدبلوماسية الشعبية التي ازدادت الحاجة لها في السنتين الآخيرتين لمواجهة الآلة الترويجية الكاذبة لجماعة الإخوان الإرهابية ضد مصر.

فبالرغم من المجهود الجبار المبذول في إطار الدبلوماسية الشعبية من جانب قوى المجتمع المدني ورجال الأعمال والسياسيين المستقلين، خلال الفترة الماضية، سواء من مصريين في الداخل أو الخارج، ما زالت هذه المجهودات تفتقر إلى المايسترو الذي يقوم بتنسيقها وإدارتها لتتحرك معاً كقوة مؤثرة موحدة الأتجاه، كما أن مشاركة المقيمين في الخارج في تلك المجهودات كانت تقتصر – في معظمها – على الجيل الأول، ونادراً ما كان يشارك فيها أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا في هذه البلاد ويستطيعون أن يؤثروا بقوة على الرأي العام هناك بشأن مصر من خلال تعاملاتهم اليومية العادية. وهو ما نظن أن الوزارة الجديدة تستطيع تنظيمة بشكل احترافي، وبما يخفف أيضاً العبء عن وزارة الخارجية المصرية لتركز فقط على تطوير القنوات الدبلوماسية الرسمية. 

وهنا يأتي السؤال الأصعب عن ماهية الشخص المناسب لتولي قيادة وزارة بهذه الأهمية في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر، حيث يجب أن يكون شخص له خبرة بالعمل الدبلوماسي على المستويين الرسمي والشعبي، وله تأثير وسمعة حسنة دولياً تمكنه من التواصل وكسب ثقة الجاليات المصرية خصوصاً في الدول المهمة بالنسبة لمصر.

وفي رأيي المتواضع فإن أفضل من يمكنه أن يتولى هذا المنصب وتتوفر فيه تلك الصفات وأكثر هو السفير محمد العرابي وزير الخارجية السابق، فقد كان لي شرف التعامل معه كرئيس لوفد الدبلوماسية الشعبية الذي انضممت له قبيل زيارة الرئيس السيسي إلى ألمانيا، وقبلها في فاعليات الوفد الحقوقي الذي رافق الوفد الرسمي في المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في حقوق الإنسان في جنيف، وشهدت بنفسي حجم التأثير الذي يحظى به على مستوى دوائر صناعة القرار هناك أو حتى على المستوى الشعبي، فبالرغم من أنه ترك منصبه الرسمي طوعاً منذ بضعة سنوات، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة عمله واستغلال علاقاته الخارجية الواسعة لصالح مصر خصوصاً في أوروبا، نقطة قوته الأكبر. 

أما عن التوقيت المناسب لبدء الوزارة الجديدة عملها، فيجب أن يتم قبل بدء أعمال البرلمان الجديد الذي تم تخصيص بعض مقاعده للمصريين بالخارج، بحيث يمكن التنسيق معهم والاستفادة من وجودهم في كيان مؤثر في عملية صناعة القرار كالبرلمان، إما فيما يتعلق بالتشريعات الداخلية ونقل الخبرة أو فيما يتعلق بأنشطة تمثيل مصر دولياً كبرلمانيين.