إن الجدل المثار حول قانون مكافحة الإرهاب الذي خرج بعد إلحاح شعبي طال شهور، ونتج عن تأخيره إراقة الكثير من الدماء البريئة وتحقيق مكاسب أكبر لقوى الشر على حساب أمن مصر القومي واستقرارها، يُخبر بأننا ما زلنا نعاني من رواسب نفسية سلبية ورثناها من القمع المقنن الذي كان يمارس في حقب الديكتاتورية ثم الثيوقراطية التي توالت على مصر عبر العقود الماضية، وجعل بعضنا يأخذ موقف هجومي ضد أي تشريع جديد بدعوى أنه أتى لتقييد الحريات لا لفرض الاستقرار.
حدث ذلك الرفض الأعمى مع قانون تنظيم التظاهر وقانون الجمعيات الأهلية الذي ما زال تائهاً في حالة جدلية غير مفهومة، ويتكرر الآن مع قانون مكافحة الإرهاب؛ رغم أن أي من هذه القوانين لم يأتي لتقييد الحريات، ولكن فقط لوضع قواعد تنظم كيفية العمل بهذه الحقوق بما لا يضر بالأمن القومي لمصر ويراعي تنوع المواطنين ومواقفهم. وهذه القوانين ليست بدعة مصرية، بل هي قوانين لها ما يماثلها وربما يزيد عنها شدة وحسم، ليس فقط في دول طاعنة في الديمقراطية مثل أمريكا وغالبية الدول الأوروبية، ولكن أيضاً في المواثيق الدولية التي استغرق المشرعون سنوات لضبطها.
وأهم ما ينفي عن قانون مكافحة الإرهاب شبهة استخدامه كأداة لممارسة القمع أن التعديلات الأخيرة قد وضعت تعريفات دقيقة للعمل الإرهابي ومرتكبه والمحرض عليه والمروج له، على عكس ما كان في قانون الطوارئ مثلاً وعباراته المطاطة والذي كان إلغاؤه من أهم مطالب ثورتنا في ٢٥ يناير. تحديد التعريفات بهذه الدقة يحقق المعادلة الصعبة لعدم المساس بالحقوق والحريات الأساسية للمواطن العادي بينما تسمح باكتشاف العمل الإرهابي حتى قبل وقوعه والتعامل معه.
وعلى عكس موقف نقابة الصحفيين، لم أرى في المادة ٣٣ أي شيء يمس بحرية الرأي والتعبير أو حرية نقل وتداول المعلومات، لأن نص المادة الواضج جداً يغنيني عن القول بأن المقصود ليس الصحفي النقابي المحترف الذي يتحرى المصادر الدقيقة لملعوماته، ويتجنب إساءة استخدام قلمه في أعمال تضر بأمن البلاد والعباد، وهي أمور لو أخل بها أي صحفي يجب على نقابة الصحفيين أن تكون أول من يعاقبه.
ولكن المقصود من هذه المادة هو المواقع والصحف والقنوات التي انتشرت الفترة الأخيرة على أنها منابر إعلامية بينما هي منابر للإرهاب، تستخدم للتحريض والترويج وبلبلة الرأي العام، وافتعال حالات غضب وهمية تربك وتدمر أكثر من الأسلحة والقنابل التقليدية. وما أكثرهم!
ولنتذكر هنا كيف تعاملت ألمانيا، بجلالة قدرها، مع الإعلامي الإخواني أحمد منصور، قبل ثلاثة أسابيع، لمجرد أنه استضاف قيادات من جماعة إرهابية في برنامجه، مجرد استضافتهم وضعته في السجن تحت تحقيقات مشددة لأيام، وكان مهدداً بتوجيه تهم أكبر له، لولا تدخلت جنسيته الأنجليزية وأنقذته!
وأخيراً، لو أن في القانون عيب يحتاج المراجعة فهو يتعلق بطول إجراءات الضبط والتقاضي، التي كانت السبب الأساسي في كل التراخي الذي حدث الفترة الفائتة، وكذلك الإصرار على معاملة الإرهابي على أنه مجرم.
المجرم شخص يفترض فيه الصلاح أرتكب خطأ نتج عنه ضرر في حق المجتمع، ولهذا لا حرج في أن يتمتع بحقوق المثول أمام قاضيه الطبيعي والاعتراض على الحبس الاحتياطي واستئناف الحكم الصادر ضده ثم الطعن عليه، لكن الإرهابي أو حتى المشتبه به في عمل إرهابي يجب أن تكون عقوبته مباشرة وحاسمة ورادعة، ولا يجوز له التمتع بأي من هذه الحقوق التي تمنح للمجرم.
القانون الدولي نفسه يفرق بين الأثنين في المحاكمة والعقوبة.