أختتم الرئيس السيسي عامه الأول في الحكم بإنجاز عظيم أكمل به الدائرة الحرجة للعلاقات الخارجية الممتدة عبر أفريقيا والشرق الأوسط، ثم أسيا وأمريكا، وانتهاءاً بأوروبا، من خلال إعادة تأسيس علاقات طيبة مع ألمانيا بوصفها أهم دولة في الاتحاد الأوروبي والأكثر تأثيراً من حيث الثقل الاقتصادي والسياسي، بعد سنوات أهتزت فيها العلاقة بسبب ممارسات جماعة الإخوان الإرهابية إما أثناء وجودهم في الحكم أو حتى بعد سقوطهم.
وربما كان أفضل ما أعلنه الرئيس في زيارته الأخيرة لألمانيا هو عزم الحكومة على إنشاء وزارة للمصريين بالخارج، وهو الأمر الذي لطالما طالبنا به نحن المصريون في الداخل، ليس فقط لرعاية شئون ومصالح إخوتنا الذين يعملون أو حتى يقيمون في دول أخرى، والذين لم يمنعهم الانفصال المكاني عن الوطن عن إعلان حبهم وتأييدهم له بشكل عملي ومشرف في كل مناسبة ممكنة، ولكن أيضاً للأستفادة من وجودهم وقدرتهم على التأثير كسفراء غير رسميين عن الشعب المصري في هذه الدول، في إطار الدبلوماسية الشعبية التي ازدادت الحاجة لها في السنتين الآخيرتين لمواجهة الآلة الترويجية الكاذبة لجماعة الإخوان الإرهابية ضد مصر.
فبالرغم من المجهود الجبار المبذول في إطار الدبلوماسية الشعبية من جانب قوى المجتمع المدني ورجال الأعمال والسياسيين المستقلين، خلال الفترة الماضية، سواء من مصريين في الداخل أو الخارج، ما زالت هذه المجهودات تفتقر إلى المايسترو الذي يقوم بتنسيقها وإدارتها لتتحرك معاً كقوة مؤثرة موحدة الأتجاه، كما أن مشاركة المقيمين في الخارج في تلك المجهودات كانت تقتصر – في معظمها – على الجيل الأول، ونادراً ما كان يشارك فيها أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا في هذه البلاد ويستطيعون أن يؤثروا بقوة على الرأي العام هناك بشأن مصر من خلال تعاملاتهم اليومية العادية. وهو ما نظن أن الوزارة الجديدة تستطيع تنظيمة بشكل احترافي، وبما يخفف أيضاً العبء عن وزارة الخارجية المصرية لتركز فقط على تطوير القنوات الدبلوماسية الرسمية.
وهنا يأتي السؤال الأصعب عن ماهية الشخص المناسب لتولي قيادة وزارة بهذه الأهمية في تلك المرحلة الحرجة التي تمر بها مصر، حيث يجب أن يكون شخص له خبرة بالعمل الدبلوماسي على المستويين الرسمي والشعبي، وله تأثير وسمعة حسنة دولياً تمكنه من التواصل وكسب ثقة الجاليات المصرية خصوصاً في الدول المهمة بالنسبة لمصر.
وفي رأيي المتواضع فإن أفضل من يمكنه أن يتولى هذا المنصب وتتوفر فيه تلك الصفات وأكثر هو السفير محمد العرابي وزير الخارجية السابق، فقد كان لي شرف التعامل معه كرئيس لوفد الدبلوماسية الشعبية الذي انضممت له قبيل زيارة الرئيس السيسي إلى ألمانيا، وقبلها في فاعليات الوفد الحقوقي الذي رافق الوفد الرسمي في المراجعة الدورية الشاملة لملف مصر في حقوق الإنسان في جنيف، وشهدت بنفسي حجم التأثير الذي يحظى به على مستوى دوائر صناعة القرار هناك أو حتى على المستوى الشعبي، فبالرغم من أنه ترك منصبه الرسمي طوعاً منذ بضعة سنوات، إلا أنه لم يتوقف عن ممارسة عمله واستغلال علاقاته الخارجية الواسعة لصالح مصر خصوصاً في أوروبا، نقطة قوته الأكبر.
أما عن التوقيت المناسب لبدء الوزارة الجديدة عملها، فيجب أن يتم قبل بدء أعمال البرلمان الجديد الذي تم تخصيص بعض مقاعده للمصريين بالخارج، بحيث يمكن التنسيق معهم والاستفادة من وجودهم في كيان مؤثر في عملية صناعة القرار كالبرلمان، إما فيما يتعلق بالتشريعات الداخلية ونقل الخبرة أو فيما يتعلق بأنشطة تمثيل مصر دولياً كبرلمانيين.