جماعة الإخوان المسلمين هي منظمة إسلامية سياسية انتهازية، لديها موهبة استثنائية في استغلال الفوضى الأمنية لتزدهر على أنقاض الدول الوطنية المنهارة. أحد الأمثلة الواضحة على هذا الطرح هو صعود فصائل الإخوان المسلمين، خلال العقد الماضي، لملء فراغ السلطة الذي أحدثه سقوط الأنظمة الديكتاتورية في بلدان الربيع العربي. ومن الأمثلة الحديثة الأخرى، المحاولات الحالية للأحزاب والساسة التابعين للإخوان المسلمين في اليمن لاستغلال الحرب القائمة من قوات التحالف العربي على ميليشيا الحوثي، للصعود إلى قمة السلطة على جثة اليمن الذي مزقه الحرب، ويعاني أهله أشد المعاناة. لو نجح إخوان اليمن في مسعاهم، ستكون هذه قبلة حياة تعيد إيقاظ المنظمة الدولية للإخوان المسلمين بعد أن أصبحت على وشك الفناء.
في بعض بلدان الربيع العربي، مثل تونس ومصر، حيث كان الانخراط في اللعبة السياسية هو السبيل الوحيد المتاح لتسلق سلم السلطة، كان على جماعة الإخوان المسلمين أن تسير مع التيار. لكن بعد فترة وجيزة، عندما طُردوا من السلطة، أظهروا وجههم القبيح وعادوا إلى الحيلة القديمة المتمثلة في إثارة الفوضى الأمنية التي تقسم المجتمع وتسمح لهم بالعودة إلى القمة. مع الأسف، نجح هذا المخطط في دول الربيع العربي التي يوجد بها تعصب قبلي أو عرقي أو ديني، وجد لنفسه مساحة للظهور بعد أن أضعفت الثورات الشعبية القبضة الحديدية التي كانت تفرضها الأنظمة الاستبدادية في الماضي لتُبقِي هذه التحيزات والصراعات مدفونة لأطول فترة ممكنة، ولعل اليمن هو الحالة الأكثر وضوحاً والأكثر تطرفاً في هذا الصدد.
في اليمن، يعتبر الإخوان المسلمون تاريخياً أقوى من أي تنظيم سياسي أو عسكري أخر في البلاد، بما في ذلك مليشيا الحوثي المدعومة بقوة بواسطة إيران. بدأت جماعة الحوثي في الظهور كقوة سياسية مؤثرة، في عام ٢٠١٢، بعد ثورة الربيع العربي التي أطاحت بنظام علي عبد الله صالح من السلطة. بمجرد أن قويت شوكة الحوثي بفضل الأموال والتسليح الإيراني، كان أول ما فعلوه هو أنهم انقلبوا على الإخوان المسلمين وحاولوا تهميشهم سياسياً قدر الإمكان.
عندما بدأ الحوثيون في غزو المدن الرئيسية في المناطق الشمالية لليمن والاستيلاء عليها، عام ٢٠١٤، تواصل معهم قيادات الإخوان المسلمين وعرضوا المساعدة بشرط تقاسم السلطة معهم، لكن الحوثيين رفضوا وشنوا بعض الهجمات الخفيفة غير المؤذية على مناطق استراتيجية يسيطر عليها الإخوان لردعهم. لعقود طويلة قبل ذلك، عمل الحوثيون كحركة شيعية دينية سياسية غير بارزة، تحمل اسم "أنصار الله"، بموافقة وتحت حماية جماعة الإخوان المسلمين السنية، الذين كانوا يسيطرون بشكل كبير، وإن كان غير علني، على المعطيات السياسية والاجتماعية والعسكرية في اليمن.
سياسيًا، يُشار دائمًا إلى حزب الإصلاح الشهير (المعروف رسميًا باسم: التجمع اليمني للإصلاح) على أنه المنصة السياسية للإخوان المسلمين في اليمن. رغم ذلك، في عام ٢٠١٦، ادعى قادة الإصلاح، بغرض التلاعب السياسي، أنهم "لا علاقة لهم بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين". ربما كان الغرض من هذا التلاعب هو تخفيف التوترات مع دولة الإمارات، آنذاك، بعد مبادرة بقيادة السعودية لتقريب وجهات النظر بين حزب الإصلاح اليمني والقيادة الإماراتية. جدير بالذكر هنا أن المملكة العربية السعودية طالما كانت داعمًا قويًا لحزب الإصلاح اليمني، حتى أثناء مشاركتها مع الإمارات ومصر والبحرين في حملة مكافحة تنظيم الإخوان المسلمين في كافة أرجاء الشرق الأوسط، في مرحلة ما بعد الربيع العربي.
اجتماعيًا، قامت جماعة الإخوان المسلمين بغسل أدمغة أجيال عديدة من الشباب اليمني، منذ حقبة الستينيات، من خلال المعاهد العلمية والمدارس الدينية التابعة لهم، والمنتشرة على نطاق واسع، خصوصاً في محافظات الشمال، والتي تأسست على يد الشيخ عبد المجيد الزنداني، المؤسس والقائد الروحي لتنظيم الإخوان المسلمين في اليمن، والذي كان قد تلقى تعليمه في مصر وتم تجنيده من قبل قيادات الإخوان المسلمين في مصر آنذاك. كانت مدارس الزنداني الدينية عبارة عن معامل لتفريخ الإرهابيين، الذين تم إرسالهم فيما بعد لدعم تنظيمات طالبان والقاعدة في أفغانستان وأماكن أخرى، في فترة التسعينيات وما تلاها. في عام ٢٠٠٤، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية عبد المجيد الزنداني على قوائم الإرهاب لكونه "شخص يرتكب الإرهاب أو يهدد بارتكابه أو يدعمه".
من الناحية العسكرية، تولى اللواء علي محسن الأحمر قيادة الجيش اليمني لسنوات طويلة، حتى أن البعض يلقبه بمؤسس الجيش. نظراً لولاءه الشديد لحزب الإصلاح وأجندة الإخوان، منذ أن كان ضابطاً شاباً، عمل محسن الأحمر على زرع الأفكار الإسلامية المتطرفة في عقيدة الجيش اليمني، حتى أصبحت جزء أصيل منها. وفي مرحلة معينة، تواترت الأنباء عن أن اللواء محسن الأحمر كان يساعد الشيخ عبد المجيد الزنداني في تدريب الشباب اليمني قبل السفر للجهاد في صفوف تنظيم القاعدة. هذا فضلاً على كونه المؤسس والقائد الفعلي للميليشيا التابعة لحزب الإصلاح.
في ظل نظام علي عبد الله صالح، قاد محسن الأحمر حملات قمع ضد المواطنين اليمنيين في المحافظات الجنوبية، خاصةً الشباب الذين تأثروا بشكل كبير بالخطاب الناصري / الشيوعي للرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر. وفي التسعينيات، أصدر القضاء المسيس في صنعاء فتوى دينية تكفر مواطني الجنوب، وبالتالي تؤيد وتبرر ممارسة العنف الاجتماعي والسياسي الممنهج على يد الحكومة ضدهم.
الغريب أن اللواء علي محسن الأحمر لا يزال ناشطًا في العمل السياسي، ويتحين الفرصة للفوز بمقعد الرئاسة، حيث أنه على الرغم من تاريخه الإجرامي ضد مواطني الجنوب، وانحيازه المعلن لفكر وخطاب الإسلام السياسي، فقد تم تعينه نائبًا للرئيس في حكومة الرئيس علي منصور هادي، التي تولت الحكم في عام ٢٠١٢. حكومة هادي هي الحكومة الشرعية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وجيران اليمن الإقليميين.
ندد رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في مقابلة تلفزيونية مؤخرا، لكن بصورة غير مباشرة، بحقيقة أن محسن الأحمر يشغل منصب الرجل الثاني في الحكومة الشرعية على الرغم من ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين. وعلى الفور، شن حزب الإصلاح حملة إعلامية شرسة ضد الزبيدي دفاعاً عن محسن الأحمر، وربما كان رد فعل حزب الإصلاح المبالغ فيه على تصريحات الزبيدي هو أكبر دليل يدحض مزاعم محسن الأحمر بأنه لا يتبع لحزب الإصلاح، ويدحض كذلك مزاعم حزب الإصلاح بأنهم لا يتبعون للإخوان المسلمين.
على ما يبدو، تتزايد حظوظ علي محسن الأحمر في تحقيق حلمه في الاستحواذ على المقعد الرئاسي، حيث إن قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، عازمة على إنهاء الحوثيين بلا رحمة هذه المرة، رداً على هجماتهم بطائرات مسيرة على أبو ظبي، صباح يوم ١٧ يناير. في اليوم التالي للهجوم على أبو ظبي، عادت قوات التحالف لشن غارات جوية على أهداف تابعة للحوثيين في صنعاء ومحافظات شمالية أخرى. بالتوازي مع ذلك، تحشد الإمارات جميع أدواتها الدبلوماسية للتأثير على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لتصنيف الحوثي كتنظيم إرهابي والإقرار بشرعية حرب قوات التحالف في اليمن.
في الواقع، فإن معظم جيران اليمن، وليس السعودية والإمارات فقط، يرون في مليشيا الحوثي المدعومة من إيران تهديد خطير على أمنهم القومي، ويرغبون في القضاء عليها عاجلاً وليس آجلاً. إلا أن الغضب الإقليمي القوي الذي يحفز تدخل التحالف في اليمن الآن، يجب أن لا ينسينا أن المعادلة السياسية الحالية في اليمن تزيد من قدرة الإخوان المسلمين على الاستئثار بالسلطة، بمجرد سحق الحوثي. بمعنى آخر، ستكون النتيجة في النهاية هي استبدال التهديد الشيعي بتهديد سني لا يقل عنه خطورة. لذلك، من الأهمية أن تفكر وتخطط قوات التحالف ملياً لكل السيناريوهات المحتملة عقب القضاء على الحوثي، والاستعداد لها بتجهيز رؤية واضحة وخطة عمل لما يجب أن يكون عليه المستقبل السياسي لليمن، بالشكل الذي يعيد له ولمنطقة الخليج كلها حالة من الأمن والاستقرار.