Friday, January 28, 2022

أبعاد تنامي نفوذ تركيا العسكري في أفريقيا


يرتبط نشاط وعلاقات تركيا في محيطها الإقليمي، بمصطلح "الدبلوماسية العسكرية". منذ تأسيس الجمهورية التركية، في عام ١٩٢٣، عملت القيادات السياسية المتعاقبة، في البلاد، على تطوير مهارات وأدوات التواصل الدبلوماسي والعسكري لتحقيق التأثير، أو تعزيز ما لديها من تأثير، على البلدان والمناطق ذات الأهمية الاستراتيجية، الجيوسياسية، أو الاقتصادية بالنسبة لها. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت مهارات تركيا في توظيف الدبلوماسية العسكرية، بشكل كبير، في تحقيق أهداف حلف الناتو، التي تنتمي له منذ العام ١٩٥٢، لا سيما في بؤر الصراعات المعقدة في أسيا وأفريقيا.

تتبع تركيا نمط دبلوماسي عسكري ثابت في بناء الشراكات مع الدول المستهدفة، يعتمد على تصميم رابطة اقتصادية وأمنية مزدوجة وممتدة يصعب قطعها، مهما تغيرت الظروف السياسية المحيطة. تم تطبيق هذا النمط بنجاح في الشراكات طويلة الأجل التي أقامتها تركيا مع دول محورية في آسيا وآسيا الوسطى، مثل باكستان وأذربيجان، في حقبة التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين. 

لهذا السبب، تجد أن وزارة الدفاع التركية والرئاسة التركية للصناعات الدفاعية، حاضرة بشكل واضح في كل أنشطة التواصل الخارجي التي تقوم بها القيادة السياسية التركية. بشكل خاص، بعد تولى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، منصبه، في عام ٢٠١٨، ساهمت مهاراته السياسية وقدراته الدبلوماسية، إلى جانب خبرته العسكرية والأكاديمية الطويلة، في تعزيز مكانة بلاده كمنافس للقوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين، في مناطق نفوذهم الاستراتيجي في وسط آسيا، والشرق الأوسط، وأفريقيا.

مع التنامي الملحوظ في الصناعات الدفاعية التركية، وتوقعات وصول تركيا بنهاية عام ٢٠٢٢، إلى معدل اكتفاء ذاتي من التصنيع العسكري يصل إلى ٨٠٪، تتطلع تركيا إلى زيادة مبيعاتها من الأسلحة والذخيرة إلى السوق الأفريقي المتعطش. اليوم، تصدر تركيا أسلحة ومعدات حربية متطورة إلى المغرب والجزائر وتونس والسودان وإثيوبيا والصومال وكينيا، والقائمة تزداد يومًا بعد الأخر. تهتم الدول الأفريقية بشكل خاص بالطائرات بدون طيار والمروحيات التركية، فضلاً عن أنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة، والتي يمكن شراؤها من تركيا بجودة عالية وتكلفة أقل نسبيًا، مقارنة بشراء نفس المعدات من الولايات المتحدة أو روسيا أو حتى من الصين.

بعد جولته الدبلوماسية الأخيرة في إفريقيا، في أكتوبر ٢٠٢١، قال الرئيس التركي أردوغان في لقاء مع الصحفيين: "في كل مكان أذهب إليه في إفريقيا، يسأل الجميع عن الطائرات المسيرة التي نصنعها. إن حجم برنامج الطائرات المسيرة في تركيا يضعها بين أكبر أربعة منتجين في العالم – الولايات المتحدة وإسرائيل والصين".

لا تقتصر الصادرات العسكرية التركية إلى إفريقيا على دول جنوب الصحراء فحسب، بل تمتد أيضًا إلى شمال إفريقيا. في ديسمبر ٢٠٢٠، وقّعت تركيا وتونس خمسة عقود تسليح، بقيمة ١٥٠ مليون دولار، شملت بيع طائرات مسيرة. في يوليو ٢٠٢١، وقّع المغرب عقد تسليح بقيمة ٥٠ مليون دولار مع شركة أسيلسان التركية لشراء نظام الحرب الإلكترونية التركي المتقدم (Koral-EW). لكن الأهم من ذلك، أن تركيا أسست لنفسها وجود عسكري قوي على نقطة استراتيجية محورية في البحر المتوسط وشمال أفريقيا، عندما أرسل الجيش التركي الآلاف من القوات والخبراء الفنيين العسكريين والمرتزقة إلى ليبيا، في ديسمبر ٢٠١٩، لدعم الحكومة الرسمية في طرابلس في الحرب الأهلية التي كانت دائرة آنذاك. 

في منطقة القرن الأفريقي، تدير تركيا بالفعل قاعدة عسكرية وكلية حربية في الصومال. كما تردد في العام ٢٠١٧، أنباء عن محاولات تركيا لبناء قاعدة عسكرية أخرى في جزيرة سواكن التابعة للسودان في البحر الأحمر، كجزء من اتفاقية التنمية الثقافية الموقعة بين تركيا ونظام عمر البشير، الذي سقط في ثورة شعبية لاحقاً.

أما في جنوب الصحراء، خصصت كينيا ٧٣ مليون دولار، في يناير ٢٠٢١، لشراء ١١٨ مركبة مصفحة من تركيا. وفي أكتوبر ٢٠٢١، التقى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بالعديد من القادة الأفارقة لمناقشة الصفقات المحتملة لبيع طائرات مسيرة. من المتوقع أن تكون أنجولا ونيجيريا أول دولتين يحولون المفاوضات مع أنقرة إلى صفقة فعلية، في خلال هذا العام. كما قامت دول أخرى، مثل توغو وبوركينا فاسو وليبيريا، بتوقيع اتفاقيات مع تركيا للتعاون في مجال الأمن وأنشطة مكافحة الإرهاب.

بالإضافة إلى ذلك، انتشرت أنباء، أوائل العام الماضي، عن أن تركيا اتفقت مع كل من المغرب وإثيوبيا، على تزويدهما بطائرات مسيرة. على الرغم من عدم صدور أي إعلان رسمي عن هذا الاتفاق، إلا أن الطائرات المسيرة التركية، شوهدت بوضوح في الحرب الأهلية التي استغرقت أشهر طويلة بين الحكومة الإثيوبية ومقاطعة تيغراي. وقد نقل تقرير حديث لصحيفة نيويورك تايمز عن دبلوماسيين غربيين تأكيدهما أنه "على مدى الأشهر الأربعة الماضية، قامت الإمارات وتركيا وإيران، في هدوء، بتزويد رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، ببعض أحدث الطائرات المسيرة المسلحة، في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة والحكومات الأفريقية تحث على وقف إطلاق النار وبدء محادثات السلام". الجدير بالذكر هنا، أن الطائرات المسيرة التركية لعبت دور رئيسي في تمكين حكومة أبي أحمد من حسم الحرب لصالحه في نهاية المطاف. 

بالتوازي مع نفوذها العسكري المتنامي هناك، تعد تركيا رابع أكبر مستثمر اقتصادي في أفريقيا، بعد الصين والولايات المتحدة وفرنسا، وفقًا لبيانات تقرير "العلاقات التجارية السويسرية الأفريقية – الوضع الراهن ٢٠٢١"، الذي يتتبع الاستثمارات الأجنبية في أفريقيا خلال العقد الماضي (٢٠١٠-٢٠١٩). إذ أنه، في عام ٢٠٢٠، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا إلى ٢٥,٣ مليار دولار، مقارنةً بـ ٢٠ مليار دولار تمثل إجمال حجم التبادل التجاري بينا أفريقيا وقارة أوروبا بأكملها.

خلاصة القول: علينا أن نتابع بعناية التأثير العسكري المتنامي لتركيا على المستقبل السياسي والاقتصادي لقارة أفريقيا، وألا نستهين إطلاقاً بقدرة تركيا على توظيف الدبلوماسية العسكرية لخدمة مصالحها الإقليمية والدولية.