"إعلان عام ٢٠٢٢ عام المجتمع المدني، وستنشئ خلاله إدارة المنتدى بالتعاون مع المؤسسات ذات الصلة في الدولة منبرًا للحوار بين الدولة وشبابها ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية." كانت هذه إحدى توصيات منتدى شباب العالم، في شرم الشيخ، الأسبوع الماضي، التي أعلنها الرئيس عبد الفتاح السيسي في الجلسة الختامية ليؤكد بذلك ما سبق وأعلنه سيادته في شهر سبتمبر الماضي عن تخصيص عام ٢٠٢٢ للاحتفاء بمنظمات المجتمع المدني، في إطار مجهودات الدولة مؤخراً لتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
قوبل إعلان الرئيس السيسي بالكثير من الثناء والتفاؤل في الداخل والخارج. يُنظر إليها على أنها مبادرة صادقة لبدء فصل جديد في العلاقة المضطربة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، لا سيما تلك الناشطة في مواضيع تتعلق بحقوق الإنسان والحريات المدنية. إن مطابقة رؤية الدولة والرئيس، في هذا الصدد، مع احتياجات وتطلعات العاملين في المجتمع المدني هو خطوة أولى أساسية لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من عام المجتمع المدني.
يأتي تخصيص عام المجتمع المدني ضمن مجموعة من القرارات الإيجابية التي تهدف إلى تعزيز أداء الدولة في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان. بدأت هذه القرارات بإصدار الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، في سبتمبر ٢٠٢١، كأول خطة عمل طويلة المدى تعتمدها الحكومة المصرية بهدف تحسين أداء الدولة في مجال حقوق الإنسان، وهي مبنية على أربع ركائز أساسية: النهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، النهوض بحقوق المرأة والطفل، النهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والشباب وكبار السن، ونشر ثقافة حقوق الإنسان بين العامة.
ليس سراً أن الدولة المصرية، في الوقت الحالي، حريصة تماماً على النجاح في إنجاز استراتيجية حقوق الإنسان وتحسين سجلها الحقوقي. من ناحية، سيساهم ذلك في زيادة مستوى الشعور بالرضا العام لدى المواطنين، لا سيما الشباب، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار السياسي وتقليل الأسباب الدافعة للهجرة وزيادة الشعور بالانتماء للوطن، بينما تستعد مصر للدخول في عهد الجمهورية الجديدة، التي دأب الرئيس السيسي، طيلة السبع سنوات الماضية، على تشييدها من ركام ثورتين. من ناحية أخرى، لا تقل أهمية، فإن نجاح مصر في تحقيق التوازن بين أجندتها الحقوقية والأولويات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية أصبح أمر ضروري لإصلاح الجوانب السلبية التي تعيق مصر عن تطوير علاقاتها الخارجية مع الدول الغربية والقوى العالمية.
لطالما كان أداء الدولة المصرية فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وخاصة في مجال الحقوق المدنية والسياسية، موضوع شائك في علاقات مصر مع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وقد أدى ذلك إلى خلق حالات من سوء التفاهم بين مصر واللاعبين الرئيسيين في المجتمع الدولي. مثلاً، أثناء زيارته إلى فرنسا العام الماضي، اضطر الرئيس السيسي إلى دحض المزاعم بوجود انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان في مصر، رداً على بعض الصحفيين. وفي أغسطس ٢٠٢١، أعلنت إدارة الرئيس بايدن في الولايات المتحدة أنها تخطط لقطع جزء من المساعدة العسكرية السنوية المستحقة للجيش المصري، ما لم تعمل الحكومة المصرية بشكل جاد وسريع على تطوير سجلها الحقوقي.
لكي تنجح الدولة المصرية في هذه المهمة، فهي بحاجة إلى مجتمع مدني قوي لاستكمال جهودها. من ثم، يعتبر عام المجتمع المدني هو فرصة ذهبية لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني، خصوصاً تلك التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، والتي تعرضت لكثير من التشويه الإعلامي في مرحلة ما بعد ثورة يناير، وتم تحميلها بشكل جماعي ذنوب قلة من الفاسدين الذين استغلوا العمل الحقوقي لخدمة أغراضهم السياسية الضيقة، أو أغراض من يمولونهم، وعلى رأسهم جماعة الإخوان المسلمين والمتعاطفين معها.
لكن حتى بعد أن بدأت الدولة تتجاوز مرحلة ما بعد سقوط الإخوان، بكل ما كان فيها من اضطرابات أمنية ومشكلات اقتصادية وسياسية، وبدأت تنفتح على التواصل مع منظمات المجتمع المدني في السنوات القليلة الماضية، كان التواصل يحدث بشكل شبه حصري مع المنظمات التي تعمل في مجال الأنشطة الخيرية، وتجنبت الدولة بشكل واضح التعامل مع المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان، وربما يكون السبب في ذلك هو أن الدولة كانت وما زالت حتى الآن تعطي الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أكثر من اهتمامها بالحقوق المدنية والسياسية، وهو ما نرجو أن يتغير تدريجياً في السنوات القادمة، وأتمنى أن يكون عام المجتمع المدني بمثابة رد اعتبار للشرفاء من الأفراد العاملين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، وأن تفتح قنوات حوار مباشرة بين العاملين في مجال حقوق الإنسان والدولة بشكل مستمر، للمساعدة في ضبط ميزان الاهتمام بالحقوق المدنية والسياسية وإحراز تقدم حقيقي فيها بنفس الشكل المبهر الذي حدث في تطوير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالتعاون مع المنظمات الخيرية في السنوات الماضية.