انتشرت قصة مثيرة، في صيف ٢٠١٩، عن رجل إندونيسي في متوسط العمر قتلته الأفعى التي أخذها إلى بيته منذ أن كانت ثعباناً صغيراً، وقضى وقت طويل في رعايتها وتربيتها حتى أصبح طولها ثلاثة أمتار، وأصبحت قوية لدرجة أنها التفت حول جسده وقامت بخنقه أثناء الاستحمام. الطريف في القصة أن أهل القرية بعد أن مات الرجل، قاموا بقتل الأفعى ودفنها بجانب قبر صاحبها. يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهدد الآن بالوقوع في نفس المصير مع ثعابين جماعة الإخوان المسلمين الذين آواهم في بلده، وأحسن ضيافتهم ورعايتهم، واعطاهم امتيازات لم يعطها لأي من اللاجئين الآخرين، وبمجرد أن استقروا بدأوا في التعاون مع الأحزاب المعارضة للالتفاف حول رقبته وخنقه سياسياً.
يوم ٢١ أبريل، قام تمل كرم الله أوغلو، رئيس حزب السعادة، وهو حزب معارض في تركيا ذو توجه إسلامي، بنشر صورة على تويتر تجمعه مع بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين، الذين سبق وهربوا من مصر إلى تركيا عقب سقوط نظامهم في ٢٠١٣. علق كرم الله أوغلو على الصورة موضحاً أنه استقبل وفد من جماعة الإخوان بقيادة همام علي يوسف، عضو مجلس شورى الجماعة، ومعه عدد من قيادات الإخوان، دون ذكر أي تفاصيل عن نتائج اللقاء أو عن أسبابه. وهو الأمر الذي سبب صدمة لبعض المسؤولين الأتراك، لكنه لم يكن أبداً مستغرباً لدى المسؤولين في مصر أو حتى للمراقبين لتحركات وتاريخ الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين على وجه الخصوص. هذه جماعة اعتادت ممارسة الغدر ضد كل من يأمن جانبها أو يفتح لها بابه.
لا يمكن النظر إلى تحركات عناصر الإخوان المقيمين في تركيا باتجاه دعم المعارضة ضد أردوغان، بمعزل عن التطورات الأخيرة في العلاقات المصرية والتركية. لقد كانت رعاية تركيا لجماعة الإخوان، وإصرار الرئيس التركي على مساندتهم، في مواجهة النظام السياسي الجديد في مصر، سبباً في توتر حاد في العلاقات بين الدولتين في عام ٢٠١٣، وبسبب أنشطة الإخوان في تركيا ضد مصر، تحول التوتر في العلاقات بين البلدين إلى قطيعة وعداء، حيث لم يقتصر نشاط الإخوان في تركيا على الهجوم الإعلامي المبالغ فيه ضد رموز الدولة المصرية، ولكن امتد أيضاً للتحريض على قتل ضباط الشرطة والجيش والاعتداء على زوجاتهم وبناتهم. كما قام عناصر حسم التابعين لجماعة الإخوان، ويعيشون في تركيا، بالتخطيط لارتكاب جرائم عنف داخل مصر، كان أشهرها اغتيال النائب العام المصري في يونيو ٢٠١٥.
بعد حالة من القطيعة والعداء استمرت لأكثر من سبع سنوات، لعب الإخوان دور رئيسي في تأجيجها واستمراريتها، أدركت القيادة السياسية في تركيا أنه من مصلحتها إعادة فتح العلاقات مع مصر، وهو ما وجد قبول لدى صانع القرار المصري، وبالفعل بدأت مساعي المصالحة بين الدولتين تتبلور بشكل ملحوظ في الأشهر القليلة الماضية، ووصلت ذروتها في مطلع شهر مايو مع إقامة اجتماع دبلوماسي على مستوى نواب وزراء الخارجية في القاهرة.
بالطبع، كان شرط أساسي للبدء في إجراءات المصالحة هو وقف المنصات الإعلامية الموجودة في إسطنبول والتي يستخدمها الإخوان في الهجوم على الدولة المصرية والرئيس السيسي. قامت تركيا، في ١٨ مارس، بمراجعة موقف الدولة من دعم عناصر جماعة الإخوان المسلمين وبعض المرتزقة المصريين الذين يصفون أنفسهم بالمعارضة ويمارسون مهنة الإعلام، ويعيشون على الأراضي التركية، منذ هروبهم من مصر عقب إزاحة نظام الإخوان المسلمين من الحكم في يونيو ٢٠١٣. وقد طلب المسؤولين الأتراك منهم، بشكل صريح، التوقف عن استخدام منصاتهم الإعلامية التي تعمل من إسطنبول، في الهجوم على الدولة المصرية والرئيس المصري، وفي منتصف شهر أبريل، تم إيقاف برامجهم بشكل كامل، وهو ما أصابهم بحالة من الذعر حول المصير الذي ينتظرهم، في حالة تم الصلح بين مصر وتركيا على مستويات دبلوماسية أو سياسية أكبر.
دفع ذلك عناصر الإخوان للتواصل مع الأحزاب المعارضة في تركيا من أجل دعمهم ضد أردوغان وحزبه، والضغط على أردوغان ومساومته على بقاءهم أو بقاءه هو فوق الأرض التركية، التي استقدمهم إليها، وسمح لهم بالعيش فيها. والغريب أن هذه ليست المرة الأولى التي يتحالف فيها الإخوان المقيمين في تركيا مع المعارضة لإفساد أنشطة أردوغان، رغم كل ما فعله لأجلهم. في العام ٢٠١٩، ذكر عاصم عبد الماجد، أحد قيادات الجماعة الإسلامية وهو أيضاً هارب إلى تركيا، في منشور له على فيسبوك أن الإخوان بقيادة محمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، قد تحالفوا سراً مع حزب السعادة، وكان هذا التحالف سبب في سقوط مرشحي حزب أردوغان، حزب العدالة والتنمية، في الانتخابات البلدية، في أنقرة وإسطنبول وأزمير وأنطاليا، عام ٢٠١٩، بسبب تفتيت الأصوات المؤيدة للأحزاب الإسلامية، مما زاد قوة المرشحين المنافسين في المعارضة.
لقد دفعت تركيا ثمناً كبيراً، من جراء دعمها طيلة هذه السنوات لجماعة الإخوان المسلمين. هذا الثمن لم يتمثل فقط في أموال صُرفت على استضافتهم أو أنشطتهم الإعلامية، ولكنه يتمثل أيضاً في عشرات الفرص الاقتصادية التي كان من الممكن أن تكسبها تركيا، وعشرات المشكلات الإقليمية التي كان من الممكن أن تتجنبها تركيا، خصوصاً في البحر المتوسط، لو أنها لم تخسر مصر كحليف من أجل عيون الإخوان. والآن، هم يلتفون ببراعة الثعابين حول رقبة أردوغان محاولين خنقه سياساً. فهل سيستمر أردوغان في رعاية الإخوان ودعمهم وابقاءهم في داخل بيته، بينما هم يخططون مع خصومه للإطاحة به.